الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ} هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم بما مضى، ولا يمنع لو كان ممكناً أن يوجد رسل آخرون بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فليس فيها دليل على هذا.
الفائدة السادسة: أن
السخرية والاستهزاء بالرسل موجب للعقاب
، لقوله:{فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} .
فإن قيل: هل هذا العقابُ عقابٌ على كفر أو على فسوق؟
فالجواب: أنه عقاب على كفر، فكل من سخر بالرسل، أو استهزأ بهم فهو كافر، ولا إشكال في ذلك.
ولكن هل تقبل توبته؟
الجواب: نعم، تقبل توبته؛ لعموم قول الله تبارك وتعالى:{قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} [الزمر: 53].
وكذلك هناك دليل عقلي، وهو أن سب النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان كفراً لنبوته لا لشخصيته، والنبوة والعمل بالشريعة التي جاءت بها من حقوق الله في الواقع، وحقوق الله تقبل فيها التوبة بالاتفاق، فالصحيح أن من سخر بالنبي أو استهزأ به فإنه إذا تاب إلى الله توبة نصوحاً ارتفع عنه وصف الردة، وصار مسلماً، وارتفع عنه القتل.
فإن قيل: إذا سب الرسولَ ثم تاب وقبلنا توبته، هل يرتفع عنه القتل أو لا؟
فالجواب: أن في هذا خلافاً، فمن العلماء من قال: إنها تقبل توبته؛ وذلك؛ لأن سب الرسول صلى الله عليه وسلم ليس سبّاً شخصياً، وإنما السبُّ مُنْصَبٌّ على النبوة والرسالة، والنبوة والرسالة من حق الله فلا يقتل ما دام قبلنا توبته، واختار شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله أنها تقبل توبته، ولكنه يُقتل حداً، وعلل ذلك بأن سب النبي عليه الصلاة والسلام لا شك أنه عدوان على شخصه وعلى رسالته، فاعتبارها عدواناً على رسالته نقول: تقبل التوبة منه، وأما باعتبارها عدواناً على شخصه فلا بد أن نثأر لنبينا صلى الله عليه وسلم، ونأخذ بالثأر ونقتله، فيتحتم قتل سابّ الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وإن قبلنا توبته.
فإن قيل: ما الفائدة إذا قلنا (تقبل توبته) ويقتل؟
قلنا: الفائدة أنه يقتل مسلماً، يُغَسَّل ويكفن، ويصلى عليه، ويرثه أقاربه المسلمون، ويبقى على حكم الإسلام، بخلاف ما إذا قلنا إنه مرتد فلا يثبت له هذا الحكم.
فإن قال قائل: أليس قد وجد من سب النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في حياته، وتاب وقبل النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - توبته؟
فالجواب: بلى.
أولاً؛ لأن الحق له فإذا عفى عنه فله الحق.
ثانياً: أن رفع القتل عنه ترغيباً له في التوبة.
ثالثاً: أنه إذا تاب فسيكون من أصحاب النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، وقد قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - حين استأذن في قتل المنافقين:"لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه"
(1)
.
أما بعد موته عليه الصلاة والسلام فكل هذه العلل
(1)
رواه البخاري كتاب المناقب، باب: ما ينهى من دعوة الجاهلية (3518)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب: نصر الأخ ظالماً، أو مظلوماً (2584).