الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقول: الكفار في الآخرة يعاملون بالعدل لا يعاملون بالرحمة، أيضًا البهائم وغير العاقل يعاملون بالعدل؛ لأن الله يقضي بين البهائم، ثم يأمرهن أن يكنّ ترابًا فيكنّ ترابًا ولا نعيم.
وذِكْرُ هذين الاسمين الكريمين عند البسملة التي تتقدم فِعْلَ العبد وقوله إشارةٌ إلى أن الله إذا لم يرحمك فلن تستفيد من هذا الفعل، ولا من هذا القول، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لن يدخل أحد الجنة بعمله"، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته"
(1)
.
* * *
* قال الله عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)} [الأنعام: 1].
قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} (أل) هنا للاستغراق، أي: جميع الحمد من كل وجه ثابت لله عز وجل، و (اللام) في قوله:(لله): إما للاختصاص، وإما للاستحقاق، ولا تنافي بين المعنيين، وعلى هذا فتكون للاستحقاق والاختصاص؛ لأن (أل) في
قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}
للعموم، ولا أحد يستحق الحمد على العموم إلا الله عز وجل.
ولكن ما هو الحمد؟
كثير من الناس يفسرون الحمد بالثناء على الله بالجميل الاختياري، ولكن هذا ليس بصحيح؛ لأن الثناء هو تكرار
(1)
رواه البخاري، كتاب المرضي، باب: تمني المريض الموت (5673)، ومسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب: لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله (2816).
الحمد، والدليل على هذا قوله: تبارك وتعالى في الحديث القدسي: "إذا قال العبد {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} [الفاتحة: 2]، قال الله: حَمِدني عبدي، وإذا قال:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)} [الفاتحة: 3] قال: أثني عليَّ
(1)
، وهذا يدل على أن الثناء هو تكرار الوصف الكامل، والاشتقاق يدل عليه؛ لأن الثناء: من الثني، وهو إعادة الشيء، أو رد الشيء بعضه إلى بعض.
وأما قولهم: "على الجميل الاختياري" فهو بالنسبة لله عز وجل غير صحيح؛ لأن الله يحمد على ما يفعله عز وجل، وهو يختار ما يشاء، ويحمد على كمال صفاته اللازمة التي لا تتعدي إلى أحد، فهو محمود على كمال حياته، ومحمود على كمال قيوميته، الأول: وصف لازم، والثاني: وصف متعدٍ ولازم أيضًا.
فالصواب: أن حمد الله يكون على أفعاله التي يختارها، وعلى صفاته الكاملة اللازمة له، فهو - جل وعلا - مستحق بأن يحمد، والحمد الكامل مختص به.
فبماذا نُعرِّف الحمد؟
نقول: (الحمدُ وصفُ المحمود بالكمال - اللازم والمتعدي - حبًا وتعظيمًا)؛ فقد تصف شخصًا ما بالكمال لا محبة له لكن رجاء لما سيجازيك به، وقد تحبه وقد تمدحه لا على سبيل المحبة والتعظيم ولكن خوفًا من شره، وكذلك قد يمدح الرجل سلطانًا، أو وزيرًا أو ما أشبه ذلك لا محبة له ولا تعظيمًا، لكن يرجو نواله، أو يخاف منه.
(1)
تقدم تخريجه (ص 6).