الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذلك إذا تأملت الحكمة في الزكاة أيضاً، وجدت أن المال القليل لا تجب فيه الزكاة؛ لأنه لا يحتمل المواساة، بخلافِ الكثير، ووجدت ما يشق إخراج الزكاة عنه لا تجب فيه الزكاة؛ كالثياب والمراكب والبيوت وما أشبهها، الآن عرفنا أن الزكاة على الصورة المعينة حكمة.
فإن قيل: ما
الحكمة من الزكاة
؟
قلنا: اقرأ قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَةِرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] هذا أفضل شيء، تطهرهم من الذنوب؛ لأن الصدقة تطفئ الخطيئة، {وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} ، أي: تزكي أخلاقهم ودينهم؛ لأنه يبذل ما يحب فيما يحبه الله عز وجل، ولا يمكن أن يبذل الإنسانُ محبوباً له إلا لما هو أحب، كذلك تزكي أخلاقهم بالكرم والسخاء والرخاء.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن من أسباب انشراح الصدر الصدقةَ والبذلَ، وهذا معنى خفي كلما كان الإنسان أشد بذلاً للمال كان أوسع صدراً، لا سيما إذا كان يؤمن بأنه يقربه إلى الله عز وجل، وأنه يكفر سيئاته، وما أشبه ذلك.
فالخلاصة أن الحكم كوني وشرعي، والإحكام صوري وغائي، وأيضاً الحكمة تكون في المشروعات وفي المخلوقات.
وقوله: {الْخَبِيرُ} ، يعني: ذا الخبرة، قال أهل العلم: الخبرة هي العلم ببواطن الأمور، مشتقة من خبير الزرع الذي يدفن في الأرض ويكون خفياً، ولهذا جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - نهى عن المخابرة
(1)
، يعني:
(1)
رواه البخاري، كتاب المساقاة، باب: الرجل يكون له ممر أو شرب في=
المزارعة التي تشتمل على الغرر، حتى إن الله تعالى قال:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: 16] الذي يحدث به الإنسان نفسه يعلمه الله عز وجل قبل أن يحدث به لسانه، وقبل أن يعلم به إخوانه.
وهل نقول إذا كان خبيراً لزم أن يكون عليماً؟
نعم يلزم أن يكون عليماً، وقرن الله تعالى هنا بين الحكيم والخبير؛ ليعلم الناسُ أن حكمة الله عز وجل عن خبرة وعلم ببواطن الأمور، وعلى هذا فقد تكون الحكمة خفيةً على كثير من الناس؛ لأنه لا يدرك الحكمة إلا من كان خبيراً، ففي قرن هذين الاسمين فائدةٌ وهي أن الخبرة قد تكون خفية لا يعلمها إلا الله عز وجل.
ومن ثَمَّ قلنا: إن جميع أوامر الشرع ونواهيه حكمة، ولا حاجة أن نعرف العلة؛ لأننا نعلم أن الله حكيم، وأنه ما شرعه إلا لحكمة، وما موقفنا من الأوامر والنواهي إلا أن نقول:(سمعنا وأطعنا)، فإن تيسر لنا معرفة الحكمة فهذا منّة من الله عز وجل، ومساعدة ومعونة من الله، حتى يطمئن القلب ويقوى الإيمان، وإن لم تتبين فالمؤمن يكفيه أن هذا حكم الله عز وجل، ولذلك ربما تكون العبادة التي تخفى حكمتها أبلغ في التعبد؛ لأن الشيء إذا علمت علته قد يكون عقلك يأمرك به، لكن إذا كنت لا تعرف العلة فإن تذلُّلَك لله به وعبادتك إياه أبلغ في التذلل.
مثال ذلك: رمي الجمرات، وهي حصى تأخذها من
= حائط
…
(2381)، ومسلم، كتاب البيوع، باب: النهي عن المحاقلة والمزابنة وعن المخابرة (1536).