الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأيضًا هل نقول لمن ترك الصلاة إنه كافر؟. نقول: قل ولا تبالِ، إذا لم تقل فمتى يكون كفرًا؟!! ومتى يكون شركًا؟!! نعم إذا وجد مانع من التكفير فحينئذٍ يكون لكل شيء حكم، أما الأصل فإننا نحكم على كل من فعل ما يُكفر، أو قال ما يكفر، بأنه كافر بعينه، حتى نقيم عليه الحد. فإذا ادّعى مانعًا نظرنا هل هذا صحيح، أو غير صحيح، ونحكم لكل قضية بما تقتضيه الحال.
* قال الله عز وجل: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)} [الأنعام: 32].
قوله: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا} (ما) نافية و (الحياة) مبتدأ، وما بعد (إلا) هو الخبر، وهذا طريق من طرق الحصر بالنفي والإثبات، وهو
أقوى طرق الحصر
.
وقوله: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} الحياة الدنيا هي حياتنا هذه، ووصفت بالدنيا لوجهين: الوجه الأول: دنو زمنها، والوجه الثاني: دنو مرتبتها، أما الأول فظاهر فإن الدنيا قبل الآخرة، وأما الثاني فظاهر أيضًا لمن كان ذا عقل فإن هذه الدنيا دنية، ليس فيها خير، وغاية ما فيها أن ينعم البدن دون القلب، فأهل الدنيا محرومون من نعيم القلب؛ لقول الله تبارك وتعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ} [النحل: 97]، فالحياة الطيبة لمن جمع بين هذين الوصفين، الأول: العمل الصالح، والثاني: الإيمان.
إذًا كما تقدم سميت دنيا لهذين الوجهين، الأول: دنو الزمن، والثاني: دنو القدر والمرتبة؛ فإنها دانية حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال فيما رواه الإمام أحمد عن المستورد بن شداد قال: "لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها"
(1)
من الدنيا كلها، من أولها إلى آخرها وما فيها، وهو موضع سوط، فكيف والإنسان في الجنة ينظر إلى أقصى ملكه، كما ينظر إلى أدناه مسيرة ألفي عام، اللهم اجعلنا من أهلها يا رب العالمين.
قوله: {إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْو} ، أي: لعب بالأبدان، ولهو بالقلوب، فكل عمل الدنيا لعب، وكل عمل الدنيا لهو، لكنه لهو بشيء عن شيء، لهو بأعمال الدنيا عن أعمال الآخرة، ولعب لأن فاعله لا يحصل على شيء، فأدنى ما يقال إنه ليس له ولا عليه في هذا العمل، مع أنه قد يكون عليه، وإذا كان لا له ولا عليه فهل هو جد أو لعب؟ لعب بلا شك.
وإذا قال قائل: كيف يكون لعبًا، وأهل الدنيا عندهم جد وعزيمة ونشاط في أعمالهم؟
قلنا: لكنه بالنسبة للثواب والأجر لعب لا خير فيه. قوله: {وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} (اللام) هنا لام الابتداء، وتفيد التوكيد، والدار الآخرة فيها قراءتان: الأولى {وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ} ، والثانية {وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ} بالإضافة، والدار الآخرة هي عديلة الدنيا، وضرة الدنيا، وهي ما يكون بعد البعث، وسماها الله تعالى آخرة؛ لأنها آخر المراحل، فإن بني آدم لهم أربع مراحل.
المرحلة الأولى: في بطون الأمهات.
(1)
رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب: فضل رباط يوم في سبيل الله (2892).
والمرحلة الثانية: في هذه الحياة.
والمرحلة الثالثة: في البرزخ بين البعث والممات.
والمرحلة الرابعة: في البعث بعد الممات إذا قامت الساعة، ولذلك سميت آخرة.
وقوله: {خَيْرٌ} من المعلوم أن سياق الكلام يقتضي أنها خيرٌ من الدنيا ولعبها ولهوها، وحذف المفضل عليه للعلم به، ومن قواعد البلاغة أن المعلوم الذي لا يحتاج إلى تكلف في تقديره حَذْفُه أولى، لما في ذلك من الاختصار، وقد يكون الأمر بالعكس، أن تقتضي البلاغة أن يبسط في القول.
وقوله: {لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} ، أي: يتقون الله عز وجل، وتقوى الله تعالى يجمعها اتخاذ وقاية من عذاب الله، بفعل الأوامر واجتناب النواهي، على علم وبصيرة، وبعضهم يتفنن في تعريفها؛ كقوله
(1)
:
خَلِّ الذنوبَ صغيرهَا
…
وكبيرهَا، ذاكَ التُّقَىَ
واعملْ كمَاشٍ فوقَ أر
…
ضِ الشَّوكِ يحذرُ مَا يَرَى
لاتَحْقِرَنَّ صغيرةً
…
إنَّ الجبالَ مِنَ الحَصَى
وبعضهم يقول: "أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك ما نهى الله، على نور من الله، تخشى عقاب الله "، لكن الأول أجمع وأوضح؛ لأنه يعرف به اشتقاق التقوى.
قوله: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} الاستفهام هنا للتوبيخ، والمعنى:
(1)
الأبيات لابن المعتز في ديوانه (2/ 376) طبعة دار المعارف.