الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليتنا نتوكل على الله حق توكله، فلو توكلنا على الله حق توكله لكان الأمر كما قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -:"لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً"
(1)
(تغدوا خماصاً)، أي: تطير في أول النهار وهي جائعة، وترجع في آخر النهار وهي ممتلئة البطون - سبحان الله -، وهذا شيء مشاهد، تجد الطيور في أول الصباح تطير في الجو، وقد أعطاها الله تعالى قوة النظر من رحمة الله عز وجل، تنظر للحَبِّ وهي في جو السماء، فتنزل عليه، وتنظر للحبة الصغيرة التي لا يدركها الإنسان إلا بمشقة، تنظرها بسهولة، تجد أنها تأخذ الحبة الصغيرة جداً في وسط القطيفة المفروشة من بين الخمل الذي فيها، لكن الله عز وجل أعطاها قوة بصر حتى تعيش، المهم أنك متى علمت أن من في السماوات والأرض لله فعلى من تتوكل؟ على الله عز وجل: وممن تخاف؟ من الله عز وجل. ومن ترجو؟ الله عز وجل.
الفائدة الرابعة:
جواز إجابة السائل نفسه
إذا كان الأمر واضحاً لقوله: {قُلْ لِلَّهِ} مع أن الله أمره أن يسأل ثم أمره أن يجيب، فإذا كان الأمر واضحاً لا نزاع فيه فأجب أنت؛ لأن المسؤول قد يمنعه من الإجابة استكباره وكبرياؤه.
الفائدة الخامسة: أن لله تعالى أن يكتب على نفسه ما شاء لقوله: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} .
فإذا قال قائل: كيف يكون الشيء لازماً على الله؟
(1)
رواه الترمذي، كتاب الزهد، باب: في التوكل على الله (2344)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب التوكل واليقين (4164)، والإمام أحمد في مسنده (205).
فالجواب: أن الله ألزم نفسه به، وله أن يفعل ما شاء، نحن لا نلزم الله بشيء وليس لنا على الله حق إلا ما أوجبه على نفسه، لكن الله له أن يلزم نفسه بشيء، فكتابة الله على نفسه الرحمة لا تنافي كماله، بل هي من كماله عز وجل.
قال ابن القيم رحمه الله في النونية:
ما للعبادِ عليهِ حَقٌّ واجبُ
…
هو أوجَبَ الأجرَ العظيمَ الشانِ
إنْ عُذِّبوا فبعدلِه أو نُعْمِّوا
…
فبفضلهِ والفَضْلُ للمَنَّانِ
قوله: "هو أوجب": أي: هو سبحانه أوجب على نفسه، وليس نحن.
قوله: "فبعدله"؛ لأن الذنب ذنبهم.
الفائدة السادسة: أن الله يعبر عن نفسه بالنفس لقوله: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} ، ولها نظائر قال الله عز وجل:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] وقال عيسى عليه الصلاة والسلام {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116]، وليست نفس الله كنفس الإنسان؛ فالإنسان له نفس، قال الله عز وجل:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42]، وقال:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185]، وهنا {يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ} ، يعني: الروح التي في البدن وليست الجسم؛ لأنه عند موت الجسم لا يقبض الجسم في الأرض، بل يتولاه أهل الأرض، بل الذي يُقبض هو الروح، فالإنسان له نفس وهي الروح، ويعبر عن ذاته بالنفس فيقول: كلمتك بنفسي، وتقول: جاء الرجل نفسه، أما الله عز وجل فليس له نفس مستقلة عن الذات بل نفسه هي ذاته عز وجل.
الفائدة السابعة: إثبات البعث لقوله: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} .
الفائدة الثامنة: تأكيد الشيء بالقسم وغيره من المؤكدات إذا دعت الحاجة إليه، وذلك في مواطن، منها إذا كان المخاطب منكراً، فهنا يجب أن يؤكد الكلام حسب البلاغة، ومنها إذا كان الأمر بعيداً يستغرب فإنه يؤكد - لكن ليس كالأول، فالأول يؤكد وجوباً - بل توكيده أحسن من عدمه، ونقول استحساناً كلما دعت الحاجة إلى توكيد الكلام أكد، ولا يعد هذا تطويلاً ولا إخلالاً بالبلاغة.
الفائدة التاسعة: حكمة الله عز وجل في جمع الأولين والآخرين، حتى يكون هذا اليوم يوماً مشهوداً كما قال عز وجل:{يَوْمٌ مَشْهُودٌ} [هود: 103] يشهده الأولون والآخرون، نحن نشهد هابيل وقابيل، ونشهد آخر واحد من هذه الأمة، كل العالم مشهود بل كل شيء مشهود، الجن والبهائم والوحوش، قال الله عز وجل:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ} في الأرض {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} فوق الأرض {إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38] كل شيء، لو تصور الإنسان هذا اليوم لرأى مشهداً عظيماً عظيماً، لا يستطيع أن يدركه الآن، لكننا نفهم معناه ولا ندرك حقيقته؛ لأن حقيقته أبلغ مما نتصوره، اللهم اجعله علينا يسيراً.
الفائدة العاشرة: تسمية يوم البعث بيوم القيامة، للوجوه التي تقدمت في التفسير.
الفائدة الحادية عشرة: أنه لا ريب في هذا اليوم، شرعاً
وعقلاً، شرعاً؛ لأن الله أخبر به وأكده وضرب له الأمثال، وعقلاً؛ لأنه ليس من المعقول أن الله تعالى يوجد هذه الخليقة، ويأمرها وينهاها، ويرسل إليها الرسل، وتستباح الأنفس والأموال والذرية في القتال في سبيل الله، ثم تكون النتيجة أن الأرض تبلعهم فقط، هذا ينافي الحكمة، فالعقل يوجب أن يكون هناك بعث، حتى وإن لم يكن نص، فكيف والنصوص كثيرة، ومن رحمة الله عز وجل وله الحمد والفضل والمنة - أنه يكثر من إثبات يوم القيامة ويضرب له الأمثال؛ لأن الإيمان باليوم الآخر هو الذي يحمل الإنسان حقيقة على الإيمان؛ إذ لولا اعتقاد المؤمن أنه سيبعث ويجازى (إن خيراً فخير وإن شراً فشر) ما عمل أبداً، ولصارت الأمة موطناً للسلب والنهب والأخذ والعدوان.
لو قال قائل: عبارة: (لولا البعث لبطلت الحياة) هل هي صحيحة أم لا؟
فالجواب: العبارة صحيحة، فلولا البعث لبطلت أهمية الحياة؛ لأن الحياة في الواقع ليست حياة كاملة، فليس من الأهمية في شيء أن الإنسان يُعمَّر ما يُعمَّر ثم يفنى إلى غير شيء، والذي ينكر البعث فإنه ينكر أن يكون للدنيا فائدة، لنفرض أن الإنسان فعل كل شيء وصار عنده إنتاجات واختراعات ماذا ينتفع إذا لم يكن له آخرة يجازى عليها؟ لو قيل: ستدر عليه الأموال، نقول: والأموال ما مآلها؟ مآلها بيت الخلاء، الآن أشد عموم الانتفاع هو الأكل والشرب، أين يذهب؟ إلى الأماكن القذرة هذه نهاية المال، ولهذا فإن إنكار البعث بقطع النظر عن كونه كفراً وضلالاً يعتبر سفهاً.