الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه، ولا يُسأَل عما يفعل - فنسأل الله أن يهدينا فيمن هدى - {يُضْلِلْهُ} ، فيعمى عن الحق ولا يصل إليه.
قوله: {وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ، ونقدر هنا {وَمَنْ يَشَأْ} هدايته {يَجْعَلْهُ} ، أي: يُصيره على (صراط مستقيم)، أي: لا عوج فيه وهو الإسلام.
من فوائد الآية الكريمة:
الفائدة الأولى: بيان حال الذين كذبوا بآيات الله، وأنه لا سبيل إلى هدايتهم؛ لأنهم صم لا يسمعون الحق سماع انتفاع، وكذلك هم في الظلمات، وأنهم لا ينطقون بالحق.
ولو قال قائل: الذين يحرفون الآيات هل يدخلون في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} ؟
فالجواب: التحريف بمعنى: التأويل، فإذا كان تأويل إنكار فربما يدخلون في هذه الآية، أما إذا كان تأويلاً عن اجتهاد فهم لا يدخلون في هذه الآية، وليسوا بمعاندين والتأويل يُقبل إذا كان اللفظ يحتمله، وهناك ما يرجح المعنى الآخر، لكن إذا كان لا يحتمله اللفظ فهم معاندون فيشبهون الذين جحدوا.
وهل الذين لا يعملون بهذه الآيات يدخلون في الذين كذبوا بآيات الله؟
الجواب: لا يدخلون؛ هؤلاء مستكبرون.
الفائدتان الثانية والثالثة: أن من شاء الله هدايته اهتدى، وأن من شاء إضلاله ضل، ويتفرع على هذه الفائدة أن يلجأ الإنسان إلى ربه تبارك وتعالى بطلب الهداية والاستعاذة من الغواية؛ لأن الأمر بيد الله.
فإن قيل: وهل هذه المشيئة مشيئة مجردة بدون حكمة، أو أنها مشيئة مقرونة بالحكمة؟
فالجواب: أنها مشيئة مقرونة بحكمة، وهذا هو المتعين؛ لأن جميع أفعال الله تبارك وتعالى، وأحكامه كلها مقرونة بالحكمة، انظر في أحكام الله، قال الله - تعالى - في آية المواريث {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 11]، وقال تعالى في الأمور القدرية {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30)} [الإنسان: 30]، فلا مشيئة مجردة في أفعال الله وأحكامه، بل هي مقرونة بالحكمة.
فإن قيل: وهل هذه الحكمة معلومة للخلق؟
فالجواب: قد تكون معلومة، وهذا - والحمد لله - هو الأكثر، وقد تكون مجهولة لبعض الناس دون بعض، وقد تكون مجهولة لجميع الناس؛ لأنهم لا يحيطون بالله علماً.
الفائدة الرابعة: أن الصراط وهو دين الإسلام مستقيم، لا اعوجاج فيه، ولا انحراف فيه، ولا شقاء فيه، ويضاف إلى ذلك أنه لا تناقض فيه؛ لأنه لو كان فيه تناقض لم يكن مستقيماً.
فإن قال قائل: هل للإنسان حجة على الله إذا أضله وهدى آخرين؟
فالجواب: لا؛ لأن الهداية فضل من الله عز وجل، وفضل الله يؤتيه من يشاء، والإضلال لا بد أن يكون مبنياً على حال العبد؛ لقول الله تعالى:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُم} [الصف: 5]، ولقوله تعالى:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} [المائدة: 49] فالحاصل
أن الله - تعالى - يضل ويهدي من يشاء لحكمة، ولا بد أن يكون الإضلالُ من جراء فعل العبد.
* * *
* قال الله عز وجل: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41)} [الأنعام: 40 - 41].
قوله: {قُلْ} ، أي: يا محمد، وإن شئت فقل: إن الخطاب عامّ لكل من يصح خطابه {أَرَأَيْتَكُمْ} قال العلماء: أرأيت بمعنى أَخْبِرْني وإعرابها كالتالي: الهمزة: للاستفهام، والرؤيا هنا علمية، والتاء فاعل، والكاف للخطاب توكيداً، وليس لها محل من الإعراب، والميم علامة الجمع، وقوله:{أَرَأَيْتَ} تحتاج إلى مفعول أول ومفعول ثانٍ؛ لأن الرؤية هنا علمية، و (رأى) العلمية تنصب مفعولين والمفعول الأول هنا محذوف ويقدر بما يناسب المقام، والذي يناسب المقام هنا حالكم عند الشدة، والجملة الاسمية {أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ} في محل نصب المفعول الثاني، يعني: أخبروني إذا وقعتم في شدة أتدعون غير الله؟
الجواب: لا، وهذا تفسير بالمعنى، أما التفسير المطابق للفظ: أعلمتم هذا فأخبروني.
قال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [لقمان: 32]، أي: إذا وقعوا في الشدة عرفوا الله، والعجب أن المشركين إذا وقعوا في الشدة دعوا الله، وأن بعض الطوائف المبتدعة في هذه الأمة إذا وقعوا في الشدة دعوا غير الله،