الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تدبرها، وعما تدل عليه، فكأنهم لم يروا الآيات وهذا كقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97)} [يونس: 96، 97].
فإن قيل: وهل هم معرضون عنها بوجوههم أو بقلوبهم؟
الجواب: بالجميع فيشمل هذا وهذا، فإذا قيل له: تعالَ انظر آية الله، أعرض ولم ينظر، وقد يري ولكن يعرض عن التأمل بالقلب؛ لأنه - والعياذ بالله - محجوب عن الخير، فلا يحب أن يصل إليه.
من فوائد الاية الكريمة:
الفائدة الأولى: بيان عُتو هؤلاء المكذبين، ووجه ذلك أنه لا تأتيهم أي آية إلا كانوا عنها معرضين، وقد طلبت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم آية فأراهم انشقاق القمر، أشار إلى القمر فانفلق فرقتين وشاهده الناس
(1)
، وقد أشار الله إليه في قوله:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)} [القمر: 1] وهو انشقاق حسي، والمراد بالقمر القمر المشاهد المعروف.
وقد أنكر الفلاسفة وعلماء الفلك أن القمر انشق، وقالوا: لا يمكن؛ لأن الأجرام السماوية لا يمكن فيها التفكك، فهل نقبل قولهم ونرد الأحاديث الصحيحة المشهورة المستفيضة أو نرد قولهم؟
نقول:
الواجب على المؤمن أن يرد كل قول يخالف الكتاب والسُّنَّة
مهما كان قائله، - سبحان الله - كيف نقول يستحيل أن
(1)
رواه البخاري، كتاب المناقب، باب: سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية (3637)، ومسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب: انشقاق القمر (2800).
تتغير الأجرام السماوية، والذي يغيرها هو الله عز وجل وهو خالقها، فالله عز وجل يفعل ما يشاء! فهو انشقاق حسي للقمر المعلوم الحسي، وليس كما قال علماء الفلك وحرفوا من أجله الكتاب والسُّنَّة، وقالوا: إن أخبار الانشقاق أخبار أحادية تحتمل التأويل أو الرد، وأما تحريفهم القرآن فقالوا معنى انشق القمر، أي: بان نور النبوة، وهذا غلط وليس بصحيح.
فإن قال قائل: قريش رأت هذه الآية والله سبحانه وتعالى قضي بأن من أوتوا الآية التي يطلبونها ولم يؤمنوا أهلكهم فكيف لم يهلك الله قريشًا؟
الجواب: أن الذين يُهلَكون هم الذين يطلبون آية معينة فإذا أوتوا بها وكفروا بها أهلكهم الله؛ لأنهم بذلك يكونون مُتَحدِّين لله عز وجل، وأما من يطلب آية عامة وتُعيَّن من قبل الله عز وجل فهؤلاء لا يهلكون.
ويحتمل وجهًا آخر أن هذا العموم يجوز أن يخصص فيكون الله سبحانه وتعالى لم يهلكهم؛ لأن الأمر كما قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لما جاءه ملك الجبال يقول له: إن شئت أطبقت الأخشبين عليهم - وهما الجبلان العظيمان المحيطان بمكة - ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا، أستأني بهم؛ فلعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئًا"
(1)
ويكون عدم إهلاك قريش لما يعلمه - جل وعلا - من أن هؤلاء سيكون من أصلابهم المخلصون لله المجاهدون في سبيل الله، وقد وقع هذا بلا شك.
(1)
رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة (3231)، ومسلم، باب: ما لقي النبيُّ صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين (1795).