الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بها وينفعون بها، ليس عليك من حسابهم من شيء ولا من حسابك عليهم من شيء {فَتَطْرُدَهُمْ} هذا مبني على قوله:{مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ} .
وقوله: {فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} في هذه العبارة تلطف في مخاطبة النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، حيث لم يقل فتكون ظالماً بل قال:{مِنَ الظَّالِمِينَ} ، وهذا فيه شيء من التسلية أن هناك من هو ظالم، والظالمون كثيرون، ومعلوم أن كون الإنسان مع عَالَمٍ يشاركونه في الوصف أهون من كونه ينفرد بذلك.
من فوائد الآية الكريمة:
الفائدة الأولى: تحريم طرد المؤمنين الصالحين.
الفائدة الثانية: الثناء على أولئك القوم الذين يحضرون جلسات النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بما ذكر الله عز وجل أنهم يدعون الله بالغداة والعشي مع الإخلاص لله عز وجل.
الفائدة الثالثة: إثبات وجه الله عز وجل لقوله: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} ، والوجه صفة حقيقية لله عز وجل، يجب علينا أن نؤمن بذلك ولكن على حد قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، وأما من فسر ذلك بأن
المراد بالوجه
الثواب فقد أخطأ؛ لأن ذلك مخالف لظاهر اللفظ ومخالف لإجماع السلف، ثم إن الله عز وجل قال في القرآن الكريم:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)} [الرحمن: 26، 27] جعله وصفاً للوجه ولا يمكن أن يقال: إن الثواب هو الموصوف بأنه ذو الجلال والإكرام.
وتأمل هذا مع قوله تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ
وَالْإِكْرَامِ (78)} [الرحمن: 78] فـ (ذي) بالجر صفة لـ (رب)، ولم تكن بالرفع صفة للاسم، مع أن أسماء الله عز وجل لها من الجلالة والتعظيم ما لها، ولكن نسأل الله العافية:{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40]، وسبحان الله لا أدري؛ بماذا يلاقي الإنسان ربه يوم القيامة؟ إذا كان الله تعالى قد قال:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] وقال: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} ، وما أشبه ذلك من الآيات، ثم يقول: لا وجه لك يا رب، والمراد بوجهك الثواب، لا أدري كيف يستطيع الإنسان أن يجيب الله عز وجل؟
والمسألة ليست جدلاً دنيوياً ومغالبة دنيوية، المسألة عقيدة يجب على الإنسان أن يتهيأ للجواب عنها يوم القيامة، والإنسان قد يتخلص في الدنيا بالمجادلة والمغالبة، لكن عند الله لا ينفعه كما قال الله عز وجل:{هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [النساء: 109] نقول: أنتم إذا غلبتم في الجدل في الدنيا فلن تغلبوا الله عز وجل يوم القيامة، والله لا يغلبون، والمسألة خطيرة.
وفي ظني أن هؤلاء المحرفين لمثل هذه الآيات، عند تلاوتها وتحريفها ينسون أنهم سيقابلون الله عز وجل، وإلا لو كانوا على ذكر ذلك، ما ذهبوا يحرفون الكلم عن مواضعه في أعظم الأشياء، إذا كانت آيات الأحكام وأحاديث الأحكام تجري على ظاهرها، وهي أحكام للعقل فيها مجال، فكيف لا تجري هذه الأخبار العظيمة على ظاهرها وهي تتعلق بالله عز وجل.
لو قال قائل: هل في قوله تعالى: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} دلالة على رؤية الله عز وجل؟
فالجواب: هذا سؤال جيد، نعم هذه الآية يصح أن نجعلها من الأدلة على إثبات الرؤية لله عز وجل؛ لأن أفضل شيء وأطيب شيء لأهل الجنة أن ينظروا إلى وجه الله عز وجل، اللهم اجعلنا ممن ينظر إليك، ولهذا يجب التنبيه من بعض المصنفين الأذكياء، فمثلاً الزمخشري صاحب الكشاف جيد في البلاغة واللغة وكل من بعده عيال عليه يأخذون من كلامه، قال في قوله تعالى:{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185]، أي فوز أعظم من هذا؟ هذا الكلام إذا قرأته وجدته عادياً لا تستنكر منه شيئاً، لكن هو يريد إنكار الرؤية لله عز وجل؛ لأن رؤية الله عز وجل أعظم من هذا الفوز، لكنَّه رجل ذكي قال: أي فوز أعظم من هذا؟ نقول: أعظم من هذا أن يرى الإنسان ربه عز وجل رؤية حقيقية.
الفائدة الرابعة: أن كل إنسان لا يحاسب عن الآخر لقوله: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ} ، وهذا العموم مقيد بما إذا لم يفرط الإنسان في حق أخيه، فإن فرط جوزي على ذلك، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: يجب على الإنسان إذا رأى نائماً وقد ضاق الوقت عن الصلاة يجب أن يوقظه ويعلمه، مع أن النائم معذور ليس عليه إثم، لكن أنت أيها اليقظان جب أن توقظه وتعلمه، لو لم تفعل صار عليك من حسابه؛ لأنك تركت الواجب، وكذلك قال العلماء: يجب على من رأى شخصاً يريد أن يتوضأ بماء نجس أن يعلمه، ويجب على من رأى في ثوب أخيه بقعة نجسة أن ينبهه عليها، لقول الله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2].
الفائدة الخامسة: كمال عدل الله عز وجل؛ لأنه خاطب نبيه بهذا الخطاب القوي من أجل قوم من أصحابه، والنبي صلى الله عليه وسلم -
عند الله أعظم جاهاً وأعلى منزلة، لكن الله عز وجل حَكَمٌ عدل يقضي بالحق سبحانه وتعالى.
الفائدة السادسة: أن منع الإنسان حقه ظلم وإن لم يكن عدواناً بضرب أو أخذ مال، لكن إذا منعه حقه فإنه ظالم، لقوله:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} إلى قوله: {فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} وهذا حق، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - "مطل الغني ظلم"
(1)
مع أن هذا لم يأخذ من مال الفقير لكن ماطله، يعني: منع حقه، فكل من منع صاحب حق حقه فهو ظالم له، كما لو اعتدى بأخذ شيء من ماله.
* * *
° قال الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)} [الأنعام: 53].
صلة الآية بما قبلها واضحة جداً؛ لأن الذين يأتون إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ويجلسون إليه فقراء، وأما الملأ فلا يجلسون؛ لأنهم يحتقرون هؤلاء ويقولون: أهؤلاء مَنَّ الله عليهم من بيننا.
وذكر التناسب بين الآيات لا بأس به لكن رأيت بعض المؤلفين يتكلف في هذا كلافة عظيمة، ثم إن هذا قد لا يتأتى في بعض الأحيان كما في قوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)}
(1)
رواه البخاري، كتاب الحوالات، باب: إذا أحال على ملي فليس له رد (2288)، ومسلم، كتاب المساقاه، باب: تحريم مطل الغني وصحة الحوالة
…
(1564).
[البقرة: 239] الآية التي بعدها {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} ما المناسبة؟! المهم أن بعض الآيات لا شك أن المناسبة قد تكون فيها واضحة وبعض الآيات لا تستطيع معرفة المناسبة مما يجعل الإنسان يستسلم استسلاماً كاملاً لترتيب الآيات، وأنها أمر توقيفي وليس عقلياً، وبعض الآيات تكون مقاربة غير واضحة.
قوله: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} ، أي: أضللنا بعضهم ببعض {لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} ، يعني: أن الأغنياء لا يؤمنون - فتنة - لماذا لا يؤمنون؟ يقولون: كيف يسبقنا إلى الإيمان هؤلاء؟ فنحن لن نؤمن، وهذه فتنة قد تقع من الإنسان، وذلك بأن يقول: أي شيء ابتدأه فلان أنا لا أشارك فيه، أو أي شيء عمله فلان لا أعمل فيه، ولهذا قال تعالى:{لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} (اللام) هنا للعاقبة، وليست للتعليل، المعنى: فتنا بعضهم ببعض فقالوا: {أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} .
الاستفهام هنا للتحقير، مثل قوله تعالى {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41)} [الفرقان: 41]. قال الله عز وجل رداً عليهم: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} ، يعني: وقد علم أن هؤلاء يشكرون الله إذا أنعم الله عليهم، وأما أنتم فلا فهو يرد عليهم.
بعضهم فسر (أعلم) بـ (عالم) وهذا خطأ، أكمل من (عالم) لأنها (أعلم) اسم تفضيل عَمِل عَمَلَ الفعل في (مَن)، فهي مفعول به، والغالب كما هو معروف أن تتعدى بـ (الباء)، أو بـ (مِن) و (أعلم) مجرورة بالفتحة؛ لأنها ممنوعة من الصرف للوصفية ووزن أفعل، وإذا قلنا: ووزن الفعل يكون أعم، والمعنى: إن ربك هو يعلم مَن يضل عن سبيله.