الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: {لَمَّا جَاءَهُمْ} (لما) نعربها ظرفًا بمعنى (حين)، وفي هذه الحال تكون مبنية؛ لأنها حرف وليست مشابهة للحرف؛ لأن أصل البناء كما تقدم هو مشابهة الاسم للحرف، لكن هذه نفسها حرف فتكون ظرفًا لكنها مبنية على السكون في محل نصب بمعنى حين.
قوله: {فَسَوْفَ} (الفاء): عاطفة، ويحتمل أن تكون للسببية أيضًا، أي: سوف يأتيهم المَخْبَر الذي أُخْبِروا به، والأنباء أتتهم من قبل، فيكون المراد سوف يأتيهم عقوبة الأنباء التي كانوا يستهزئون بها.
قوله: {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} ، أي: يتخذونهم هزوًا ولعبًا وضحكًا، وكما نعلم جميعًا أن الكفار يتخذون الدين هزوًا، كما أنهم يتخذون أهل الدين هزوًا أيضًا. قال الله تعالى:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65]، وقال عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31)} [المطففين: 29 - 31]، فقوله:{مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} يشمل استهزاءهم بالدين، واستهزاءهم. بالرسل، وبأتباعهم، بل وبالله عز وجل، وسيجدون هذا.
من فوائد الآية الكريمة:
الفائدة الأولى: أن هؤلاء - مع تواتر الآيات عليهم - كذبوا بالحق، ولم يستجيبوا له، والتكذيب بالحق بعد مجيئه أشد من التكذيب به قبل أن يأتي، بحيث يسمع الإنسان عنه ولكنه لم يتأكد، فإن هذا الذي أتاه الحق وكذب به يكون تكذيبه أعظم.
الفائدة الثانية: أن هذا الحكم لمن قامت عليه الحجة بمجيء الحق إليه، وأما من لم يعرف الحق فإنه على قسمين: تارة يدين بدين الحق لكنَّه لا يعرفه، فيصلي ويزكي ويصوم ويحج لكن يستغيث بالأموات، هذا نقول إننا نحكم بإسلامه إذا لم تقم عليه الحجة.
وتارة يدين بدين الباطل ولا ينتسب لدين الحق: فهو لا يدين بدين الإسلام أصلًا ولم تبلغه الحجة، ولم يدرِ أنه على ضلال، لكنه يدين بدين غير الإسلام فهذا نعامله بأنه كافر، ولهذا لو مات أحد الآن لم تبلغه الدعوة من غير المسلمين فإننا لا نصلي عليه ولا نترحم عليه؛ لأنه يدين بدين غير الإسلام، أما في الآخرة فإن أمره إلى الله عز وجل.
ولو كان مسلمًا يدين بدين الإسلام ويقول: أشهد أنَّ لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة لكنه يأتي شركًا أكبر لا يدري أنه شرك أكبر فهذا نُعامله معاملة المسلم، نغسله ونكفنه ونصلي عليه وندفنه معنا ما دام لم تقم عليه الحجة.
الفائدة الثالثة: الإشارة إلى أن هؤلاء سوف يمهلون، ولا يأتيهم العذاب لقوله:{فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} .
الفائدة الرابعة: أن هؤلاء كذبوا بالحق بعد أن جاءهم، فيكون تكذيبهم أشد قبحًا وأعظم إثمًا، وذلك لقيام الحجة عليهم.
الفائدة الخامسة: تهديد هؤلاء بالعذاب لقوله: {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} .
الفائدة السادسة: أن تكذيب هؤلاء مَقْرُونٌ بالاستهزاء لقوله: {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} . إذ إنهم يسخرون كيف
نُبْعَثُ وقد كنا عظامًا ورفاتًا؟ ويقولون: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)} [ص: 5]
الفائدة السابعة: أن هؤلاء الكفار عندهم عناد - والعياذ بالله - وذلك أنهم قرنوا كفرهم بالاستهزاء، فلم يسلم الشرع ولا من جاء بالشرع من استهزائهم.
* * *
* قال الله عز وجل: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6)} [الأنعام: 6].
قوله: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} الاستفهام هنا داخل على النفي (ألم)، وإذا دخلت الهمزة على النفي صار معناه للتقرير، كما في قوله تعالى:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} [الملك: 14] يعني: قد علم من خلق؛ وكما في قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)} [الشرح: 1]، يعني: قد شرحنا لك صدرك، فإذا أتي حرف النفي بعد همزة الاستفهام فهو للتقرير.
وقوله: {يَرَوْا} يحتمل أن يراد بالرؤية هنا: الرؤية العلمية أو الرؤية البصرية، فالبلاد التي مروا بها مدمرةً رؤيتها بصرية كما في قوله تعالى:{وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ} ، [الصافات: 137، 138] والبلاد التي لم يروها ولم يمروا بها تكون رؤيتها علمية يتناقلها أهل الأخبار.
وقوله: {كَمْ أَهْلَكْنَا} ، أي: أتلفنا و (كم) هنا للتكثير يعني أممًا أهلكناهم من قبلهم.