الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجواب: لا، بل بقي حيًا إلى الأجل المحتوم له، ونصره الله، فدل هذا على أنه صلى الله عليه وسلم حق، وشهادة الله كما سبق في التفسير أنها نوعان: قولية وفعلية، فالقولية كما تقدم في قوله تعالى:{لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ} ، والفعلية نصره إياه وتمكينه إياه.
الفائدة الثالثة: أن الله تبارك وتعالى حاكم بين النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وخصومه لقوله: {شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} .
فإن قال قائل: و
هل يطلق الشاهد على الحاكم
؟
فالجواب: نعم واقرأ قول الله عز وجل في سورة يوسف: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27)} [يوسف: 26، 27]، فقوله:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ} ، يعني: حكم حاكم؛ لأنه لم يشهد إذ إنه يقول: {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ} الآية. {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ
…
} الآية.
ثم نقول: الحاكم في الواقع شاهد من وجوه ثلاثة:
الوجه الأول: أنه يشهد بأن الحكم كذا وكذا.
الوجه الثاني: أنه يشهد على المحكوم عليه بأن الحق عليه.
الوجه الثالث: أنه يشهد للمحكوم له بأن الحق له.
فالحكم متضمن الشهادة بلا شك، فيصح أن يطلق على الحاكم أنه شاهد.
الفائدة الرابعة: أن هذا القرآن موحى إلى الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - كله، ليس فيه ولا كلمة ولا حرف غير
موحى إليه، وأبهم الفاعل؛ لأنه معلوم؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أُمِرَ أن يقول:{قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ: 50].
الفائدة الخامسة: عظمة هذا القرآن؛ حيث أوحي من الله إلى رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ولا شك في هذا - وآثار تعظيمه وعظمته كثيرة.
منها: أنه لا يقرأه جنب حتى يغتسل.
ومنها: أنه لا يمسه المحدث حتى يتوضأ.
ومنها: أنه لا يجوز أن تُدْخَلَ به الأماكن القذرة.
ومنها: أنه لا تجوز إهانته بأن يوضع بين القدمين مثلًا.
ومنها: أنه لا يسافر به إلى أرض العدو إذا كان يخشى عليه من الإهانة.
ومنها: أنه لا يجوز بيع المصحف على قول بعض العلماء، وعللوا ذلك بأنه ابتذال له، حتى قال ابن عمر رضي الله عنهما:"وددت أن الأيدي تقطع في بيع المصاحف"
(1)
؛ لأن الواجب على من استغنى عنه أن يبذله لغيره.
فالمهم أن تعظيم القرآن واجب وله صور، ذكرنا منها ما شاء الله.
الفائدة السادسة: أن القرآن الكريم كافٍ في الإنذار؛ لقوله: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ} ، فمن لم يتعظ بالقرآن فلا وعظه الله، قال الله
(1)
أخرجه البيهقي في الكبرى (6/ 16)، وسعيد بن منصور (2/ 385)، وأبو داود في المصاحف (1/ 368)، وابن أبي شيبة (4/ 287).
تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)} [يونس: 57].
الفائدة السابعة: أن من بلغه القرآنُ فقد قامت عليه الحجة؛ لقوله: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} ، ولكن هل من بلغه القرآن وهو لا يعرف اللغة العربية هل يقال: إنه قامت عليه حجة؟
الجواب: لا، والدليل قول الله تبارك وتعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4].
الفائدة الثامنة: أنه يجب على علماء المسلمين أن يبلغوا القرآن كلَّ أحد؛ لأنهم ورثة الأنبياء، ولكن من لم يكن لسانه عربيًا فإنه يُبلَّغ معنى القرآن بلسانه، ثم يُعطى القرآن فيقرؤه باللفظ العربي، ولهذا نرى بعض الذين لا ينطقون العربية يقرؤون القرآن بالعربية وهم لا يعرفون معناه، وهذا من آيات الله، أن الله تعالى يسر القرآن لهم حتى صاروا ينطقون به بالعربية مع أنك لو أعطيتهم قطعة من سطرين فقط ما استطاعوا أن يقرؤوها، لكن هذا من آيات الله، وربما نقول: إنه داخل في قول الله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [القمر: 17].
عندنا أيضًا مسألة أخرى إذا بلغ القرآن قومًا يعرفون اللغة العربية ولكنَّهم عاشوا في أحضان أئمة الضلال ولا يدرون شيئًا، إذ إن أئمة الضلال عندهم هم المبلغون عن الله ورسوله، فهل هؤلاء معذورون، أو غير معذورين؟.
والذي أرى أنهم معذورون، ولكن عليهم إذا نُبِّهوا للحق أن يبحثوا عنه فإن أصروا مع التنبيه، وقالوا:(إنا وجدنا آباءنا على أمة) فهم كفار، وهذا هو الذي تجتمع به الأدلة عندي أنهم إن
بقوا على جهلهم، ولم ينبهوا للحق فهم معذورون وإلا فهم غير معذورين، وهذا فيمن يدين بدين الإسلام.
وأما من عَرَف أنه على غير الإسلام يتبع أئمته أئمة الضلال، وهو يعرف أنه غير مسلم؛ كالنصارى مثلًا واليهود، فهؤلاء كفرهم ظاهر، حتى هم بأنفسهم يعرفون أنهم من أمة الكفر، ولا ينتسبون إلى الإسلام.
ولو قال قائل: مسألة العذر مشكلة جدًا، وأنتم ذكرتم أنه يجب على صاحب البدعة الكفرية أن يبحث إذا بلغته الحجة، فهذا المبتدع إذا أخبره أحد من أهل السُّنَّة سيقول: هذا سني كافر، كيف آخذ من كافر فهو لن يقبل منا صرفًا ولا عدلًا، فكيف نأمره بأن يبحث؟
الجواب: إذا بلغه الحق من القرآن والسنة، فإن الحق فيهما واضح والحمد لله، فإن قال:(الحق على خلاف ما أنت عليه أيها السني) قلت له: بيني وبينك كتاب الله عز وجل.
فإن قال المبتدع: ألم تقرأ قول الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)} [يونس: 62].
قلت: بلى أقرؤها لكن هذه الآية بالنسبة لهم ليس لك أنت.
فإن قال: لنا فَهْمُنا ولكم فهمكم، وفهمنا هو الصواب.
قلنا: معنى هذا أن هؤلاء مكابرون، مَنْ يفهم من قوله تعالى:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)} أن هذا يعني: جواز عبادتهم، والله تعالى ملأ القرآن بالنهي عن عبادة غيره.