الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفائدة الثانية: أن الله سبحانه وتعالى حكيم رحيم، وذلك لكونه يأتي بالآيات للخلق، فإن هذا من الحكمة الواضحة؛ لأنه ليس من المعقول أن يأتي رجل، ويقول للناس إنه رسول ويستبيح دماء من لم يؤمن به وأموالهم وذرياتهم ونساءهم، يعني: بدون أن يكون هناك آية تدل على صدقه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما من نبي - بعثه الله - إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر"
(1)
هذا من جهة الحكمة.
أما من جهة الرحمة: فإن الله رحم الخلق بكونه إذا أرسل إليهم الرسل آتاهم الآيات الدالة على صدق هؤلاء الرسل، ولو شاء لأرسلهم بدون آيات، ثم من كذب أخذه، لكن تأبي حكمته ورحمته أن يرسل رسلًا بلا آية.
الفائدة الثالثة: إثبات ربوبية الله تعالى للكفار؛ لقوله: {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ} وهذه هي الربوبية العامة، فربوبية الله عز وجل تنقسم إلى: عامة وخاصة، فربوبيته لأوليائه خاصة، ولأعدائه وأوليائه جميعًا عامةٌ، بإزاء ذلك تنقسم العبودية إلى: عامة وخاصة، فالعامة كقوله تعالى:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)} [مريم: 93] والخاصة مثل قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32] وقوله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] والأمثلة كثيرة.
الفائدة الرابعة:
خطر الإعراض عن الآيات
، وأنه يخشى
(1)
رواه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب: كيف نزل الوحي وأول ما نزل (4981)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (152).
على من أعرض عن الآيات ألَّا يهتدي لها؛ لقوله تعالى: {إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} ومما يدل على ذلك قول الله تبارك وتعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} هنا للتعليل، أي: في قوله: {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 110].
وهذه مسألة خطيرة في الواقع، يجب على طالب العلم أن يجعلها نصب عينيه، إذا كان يمشي في طريق معين، وجاءت النصوص دالة على خلافه، فإن بعض الناس قد يتلكأ ويحاول أن يحرّف النصوص التي تخالف طريقه، وهذا خطر عظيم؛ بل الواجب على المؤمن أن يستسلم للنصوص من حين أن تأتيه، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلون هذا، فبمجرد ما يأمر الرسول عليه الصلاة والسلام بشيء يفعلونه، وبمجرد ما ينهي عن شيء يتركونه، فكون الإنسان يتلكأ أول ما يأتيه الحق خطر عظيم، والآية واضحة في سورة الأنعام، قال تعالى:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)} ، وقال الله تعالى:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)} [المائدة: 49].
* * *
* قال الله عز وجل: {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5)} [الأنعام: 5].
قوله: {فَقَدْ كَذَّبُوا} كَذبُوأ (الفاء) عاطفة و (قد) تفيد التحقيق في الفعل الماضي وهو الأغلب، والأغلب في الفعل المضارع أنها تفيد التقليل؛ كقولهم قد يجود البخيل، وقد يصدق الكاذب،
لكنها قد تأتي للتوكيد مع المضارع، ومن ذلك قول الله تعالى:{قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: 18]. و (قد) هنا للتوكيد بلا شك، لكنها تفيد الاستمرار، أي: قد يعلم هذا في الحاضر والمستقبل.
و (قد) في {فَقَدْ كَذَّبُوا} للتحقيق.
قوله: {بِالْحَقِّ} ، أي: ما جاءت به الرسل - عليهم الصلاة والسلام - كله حق؛ لأنه من عند الله، والحق: هو الشيء الثابت، إن كان خبرًا فبوقوعه، وإن كان حكمًا فبثبوته، وضده الباطل؛ ففي الأخبار الباطل فيها الكذب، وفي الأحكام الباطل فيها ما خالف الشريعة، فالحق ما جاءت به الرسل من أخبار صادقة وأحكام عادلة
قوله: {لَمَّا جَاءَهُمْ} (لمّا) بمعنى: حين، أي: حين جاءهم، واعلم أن {لَمَّا} لها معانٍ.
فتأتي بمعنى (حين) فتكون ظرفية كما في الآية.
وتأتي (شرطية) فتشارك (إنْ) في الشرط، مثل قوله تعالى:{فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76)} [يونس: 76].
وتأتي بمعنى: (إلا) كما في قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)} [الطارق: 4]، يعني: إلا عليها حافظ.
وتأتي (نافية) تجزم الفعل المضارع كما في قول الله تعالى: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} [ص: 8].
وتأتي بمعنى: (لم) لكنها تفيد قرب مدخولها فـ (لم) للنفي المطلق أما، (لما) فإنها للنفي، لكنها تفيد قرب مدخولها، تقول مثلا: فلان لم يقم، هذا نفي مطلق، وتقول لمّا يقم فلان، هذا نفي يعني إلى الآن ما قام، لكنه سيقوم عن قرب.