الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومثاله في الواقع لو أن إنساناً شفع لشخص إلى مدير من أجل أن يوظفه في عمل فهذا جلب منفعة، ولو شفع في شخص إلى مدير من أجل أن يرفع عنه التعزير سواء بالمال أو بالحبس فهذا من باب دفع الضرر، فهؤلاء الذين أمر الله أن ينذر النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن إياهم {لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ} .
قوله: {لَعَلَّهُمْ
يَتَّقُونَ} (لعل) للتعليل، يعني: لأجل أن يتقوا، والمراد؟ يتقون الله عز وجل، أو يتقون اليوم الذي يحشرون فيه إلى الله، وهما متلازمان، والتقوى مأخوذة من الوقاية، وتتكرر كثيراً في القرآن الكريم، ومعناها اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره، واجتناب نواهيه وتصديق أخباره على علم وبصيرة.
ومنهم من قال: التقوى أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك ما نهى الله، على نور من الله، تخشى عقاب الله، وبعضهم نظم ذلك في أبيات فقال
(1)
:
خلِّ الذنوب صغيرها
…
وكبيرها ذاك التقى
واعمل كماشٍ فوق أر
…
ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة
…
إن الجبال من الحصى
من فوائد الآية الكريمة:
الفائدتان الأولى والثانية: وجوب الإنذار بالقرآن، ويتفرع على هذا أن خير ما ينذر به هو القرآن، يعني هو أبلغ المواعظ في الإنذار، لكن كما قال الله عز وجل:{لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)} [ق: 37].
(1)
سبق عزوها (ص 168).
الفائدة الثالثة: أنه لا ينتفع بالإنذار بالقرآن إلا الذين يؤمنون باليوم الآخر لقوله: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} .
الفائدة الرابعة: إثبات الحشر إلى الله عز وجل، وهذا يكون يوم القيامة، تحشر الخلائق إلى ربها عز وجل ليقضي بينهم قضاء دائراً بين العدل والفضل، العدل للكفار، والفضل للمؤمنين.
الفائدة الخامسة: أنه لا أحد يمنع من الله، لقوله:{لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ} .
الفائدة السادسة: إثبات الشفاعة؛ لأنه لولا وجودها ما صح نفيها، والشفاعة أنواع:
النوع الأول: الشفاعة العظمى ليقضي بين الناس، وهذه خاصة بالرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، فيعتذر أولوا العزم عنها، وتستقر لرسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، ولم ينكرها أحد من طوائف الملة بل يقرون بها.
النوع الثاني: الشفاعة في أهل الكبائر من المؤمنين أن يُخرجوا من النار، وهذه ينازع فيها طائفتان من أهل الملة حسب انتسابهم، وهم الخوارج والمعتزلة؛ لأن هاتين الطائفتين يرون أن فاعل الكبيرة مخلد في النار - والعياذ بالله - وإذا كان الله قد قضى عليه أن يخلد في النار فإن الشفاعة لا تنفعه، وهناك شفاعة أخرى ليس هذا موضع ذكرها.
الفائدة السابعة: إثبات العلل والأسباب، لقوله:{لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} ، وهذا أمر سبق فلا حاجة إلى الإعادة، وكل إنسان يعرف أن الأمور لها أسباب ولها علل.
° قال الله عز وجل: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)} [الأنعام: 52].
قوله: {وَلَا تَطْرُدِ} هذه الآية تحتاج إلى إعراب فـ (لا) ناهية والفعل مجزوم بها، ولكنه حرك بالكسر لالتقاء الساكنين، الإعراب الثاني {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ} قوله:(شيٌ) مبتدأ لكن دخل عليه حرف الجر الزائد فعمل فيه لفظاً لا محلاً، ولهذا نعرب (من) حرف جر زائد إعراباً، و {شَيْءٍ} مبتدأ {فَتَطْرُدَهُمْ} (الفاء) للسببية، والفعل بعدها منصوب بها على رأي الكوفيين، و (أن) مضمرة بعدها على رأي البصريين.
فإن قيل: هل هي جواب للنفي، أو للنهي؛ لأنها سبقت بنفي ونهي، فقوله:{وَلَا تَطْرُدِ} نهي وقوله: {مَا عَلَيْكَ} نفي؟
فالجواب: للنفي يعني: ليس من حسابك عليهم من شيء ولا من حسابهم عليك من شيء فتطردهم، فلماذا تطردهم.
قوله: {فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} (الفاء) للسببية و (تَكُونَ) فعل مضارع منصوب بـ (أن) بعد فاء السببية على رأي البصريين، أو بها على رأي الكوفيين، وهي جواب لقوله:{وَلَا تَطْرُدِ} ، يعني: لا تطردهم فتكون من الظالمين.
نعود إلى المعاني {وَلَا تَطْرُدِ} الطرد معناه الإبعاد، يعني: لا تبعدهم.
قولى: {الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} يدعون دعاء مسألة ودعاء عبادة، ودعاء المسألة أن يقولوا: يا ربنا اغفر لنا، ودعاء العبادة أن يقوموا بعبادة الله عز وجل من صلاة وغيرها.