الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} هم اليهود والنصارى؛ لأنهم آخر أمة كان عندها أصل كتابها، فهم الذين أوتوا الكتاب.
وقوله: {يَعْرِفُونَهُ} يحتمل أن يكون المعنى يعرفون هذا الكتاب، ويحتمل أن يكون المراد يعرفون النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، والثاني أقرب، ويؤيده قوله:{كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} ، فإن الأبناء بشر، والنبي صلى الله عليه وسلم من البشر، يعني: أن الذين أوتوا الكتاب وهم اليهود والنصارى يعرفون النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - كما يعرف الرجل ابنه، وخص الأبناء؛ لأن تعلق الرجل بالأبناء أكثر من تعلقه بالبنات، فتكون معرفته للأبناء أكثر من معرفته للبنات، هذا وجه، ووجه آخر أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ذَكَرٌ، فهو من الأبناء.
قوله: {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} {الَّذِينَ} يحتمل أن تكون خبرًا لمبتدأ محذوف، والتقدير: هم الذين خسروا أنفسهم، ويحتمل أن تكون {الَّذِينَ} مبتدأ، وخبره جملة {فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} ، والفاء دخلت على جملة الخبر، لمشابهة المبتدأ الشرط في العموم؛ لأن الاسم الموصول يشبه الشرط في العموم، ويكون تقدير الكلام بدون الفاء، الذين خسروا أنفسهم هم لا يؤمنون، ومؤدى الاحتمالين واحد، والمعنى أن الذين خسروا أنفسهم هم الذين لا يؤمنون، أي: الذين اختاروا الخسارة هم الذين لا يؤمنون، ومنهم الذين آتاهم الله الكتاب.
من فوائد الآية الكريمة:
الفائدة الأولى: أن الحجة قائمة على اليهود والنصارى في صحة بعثة النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لقوله: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} .
فإن قيل: هذا كلام الله عز وجل فهل له من دليل؟
قلنا: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله أن يُطلب الدليل على صدق خبر الله، خبر الله تبارك وتعالى هو الدليل، ومدلوله هو المدلول، ولا حاجة أن نقول: هل هناك شاهد يدل على أن الذين أوتوا الكتاب يعرفون محمدًا كما يعرفون أبناءهم؟ لأن كلام الله أقوى شاهد.
ولكن مع ذلك لا مانع أن نقيم الحجة عليهم من كتبهم فقد قال الله تعالى في سورة الأعراف عن النبي صلى الله عليه وسلم إنهم: {يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157]، ومكتوبًا وصفه عليه الصلاة والسلام:{يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157] يعرفون هذا تمامًا، وقد نقل الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله في تفسيره النصوص من الإنجيل على هذا القول، بل على إقامة الحجة عليهم وأن هذا مكتوب عندهم في كتبهم.
الفائدة الثانية: أنه ينبغي أن يضرب المثل بأقرب مطابق للممثَّل لقوله: {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} ؛ لأن هذا أقرب إلى التصور وإلى الصدق.
الفائدة الثالثة: المِنَّةُ والتوبيخ على اليهود والنصارى، أما المنة فهي أن الله آتاهم الكتاب، وبيَّن لهم وصف النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - الذي سيرسل للناس كافة، وهذه نعمة، أن يبيِّن الله للعبد طريق الهدى، والتوبيخ أنهم كانوا كافرين به مع وضوح الدليل، فتكون الآية جامعة بين بيان المنة عليهم من الله، وتوبيخهم على الكفر بمحمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.