الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليهما جميعًا، فالموتى من هؤلاء الكفار سيبعثهم الله ويجازيهم، وموتى الأجساد الذين فارقت أرواحهم أجسادهم سوف يبعثهم الله، فيكون في الآية تهديد ووعيد ورد على من ينكرون البعث.
وقوله: {يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} ، أي: يخرجهم من قبورهم يوم القيامة.
قوله: {ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} ، يعني: ثم بعد البعث يرجعون إلى الله عز وجل، ويكون أمرهم إلى الله تعالى، وفي ذلك الوقت ليس هناك مخاصم ولا مجادل.
من فوائد الآية الكريمة:
الفائدة الأولى: حصر الاستجابة لدعوة الرسل بالذين يسمعون، لكن هل يسمعون سماع إدراك، أو سماع قبول وإذعان؟
المجواب: سماع قبول وإذعان.
الفائدة الثانية: أنه كلما صار الإنسان أسمع لكلام الله ورسوله صارت استجابته أقوى، وذلك مأخوذ من القاعدة المعروفة (أنَّ ما علق على وصف فإنه يزداد قوة بحسب هذا الوصف الذي علق عليه الحكم)، مثال ذلك قوله: عز وجل: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26]، فكلما كان أقوى كان أخير وأنفع، وكذلك الأمانة كلما كان آمن كان أخير، المهم أنَّ هذه القاعدة مفيدة في كل شيء عُلّق على وصف، فإنه يزداد قوة بحسب قوة ذلك الوصف.
الفائدة الثالثة: إثبات البعث، والإيمانُ بالبعث أحد أركان الإيمان الستة، التي أخبر بها النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -
جبريل حينما قال: أخبرني عن الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره"
(1)
.
الفائدة الرايعة: أن هؤلاء الكفار بمنزلة الموتى، وذلك لأنهم لا ينتفعون بما يسمعون، كما أن الميت لا ينتفع بما يسمع؛ لأنه جثة، فكذلك هؤلاء الكفار.
الفائدة الخامسة: تهديد أولئك الكفار الذين لا يسمعون بأن الله سيبعثهم ثم يجازيهم.
الفائدة السادسة: قدرة الله عز وجل الكاملة، وذلك
بالبعث، والبعث ليس كالإحياء يكون شيئًا فشيئًا، وتجد البشر وغير البشر يخرج صغيرًا ثم ينمو حتى يتكامل، أما البعث فيبعثون كلهم في لحظة واحدة، اقرأ قول الله عز وجل:{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)} [النازعات: 13، 14] وقوله: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)} [يس: 53]، وقال عز وجل:{وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)} [القمر: 50].
الفائدة السابعة: أن المرجع في النهاية إلى الله عز وجل لقوله: {ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} ، وهذا الرجوع فيه حصر، طريقه تقديم المعمول في قوله:{إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} ، وفائدة هذا التقديم في هذه الآية لفظية ومعنوية، أما المعنوية فهي إفادة الحصر وأنه لا مرجع إلا إلى الله، وأما اللفظية فلتناسب رؤوس الآيات؛ لأن تناسب رؤوس الآيات من البلاغة، انظر إلى سورة طه آخر آياتها الألف
(1)
رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب: سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم (50)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان (8).
إلا قليلًا، ولما جاء ذكر موسى وهارون قدم هارون على موسى لتتناسب الآيات وإلا فإنه من المعلوم أن موسى أفضل من هارون.
* قال الله عز وجل: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37)} [الأنعام: 37].
قوله: {وَقَالُوا} ، أي: المعاندون المكذبون للرسول المتعنتون.
قوله: {لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} ، وهم يريدون بذلك الآيات التي اقترحوها مثل قولهم:{وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ} [الإسراء: 90 - 93]، ومع ذلك يقولون {وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ} [الإسراء: 93]، وغير ذلك من الآيات التي اقترحوها، ولكن من حكمة الله عز وجل أنه سد باب الاقتراح على الله عز وجل فإنما الآيات من عند الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يأتي بها، وليس باقتراح الخلق، والخلق إذا اقترحوا آية معينة، ثم أوتوا بها فلم يؤمنوا هلكوا، هذه سُنَّة الله عز وجل، ولا يرد على هذا أن قريشًا قالوا للنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: أرنا آية يا محمد، فأشار إلى القمر فانشق نصفين، قال أهل العلم: إنما لم يهلكوا؛
لأنهم لم يقترحوا آية معينة، ولو اقترحوا آية معينة، ثم جاءت ولم يؤمنوا لهلكوا، هكذا قرر أهل العلم رحمهم الله.
وقوله: {آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} ، أي: علامة تدل على صدقه وصحة رسالته، وهنا نريد أن نبيِّن أن بعض العلماء، وما أكثرهم يعبرون عن آيات الرسل بالمعجزات، وهذا نقص عظيم؛ لأننا لو سميناها بالمعجزات لورد علينا ما يفعله السحرة، فإن السحرة يفعلون ما يُعْجِزُ البشر، لكن تسميتها آية تحدد المعنى، وهو العلامة الدالة على صدقه وصحة رسالته، ولذلك لا تجد في القرآن أن الله عبر عن آيات الرسل بالمعجزات أبدًا، إنما يعبر عنها بالآيات.
وقوله: {مِنْ رَبِّهِ} يعنون بذلك الله عز وجل، وفي هذا التعبير تكبرٌ وتعالٍ، حيث قالوا:{مِنْ رَبِّهِ} ، ولم يقولوا: من الله ولا من ربنا كأنهم في شق، والرسول صلى الله عليه وسلم مع الله في شق آخر.
قوله: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً} ، أي: ليس بعاجز على أن ينزل آية، بل هو قادر، ولما طلب الحواريون من عيسى أن ينزل عليهم مائدة من السماء، هل قدر الله عليها؟ نعم قدر الله عليها - على قول من يقول إنها نزلت - وكذلك آيات الرسل الحسية والمعنوية كلها من عند الله، فهو قادر على أن ينزل آية، ولكنه لا يريد أن يأتي بما يطلبه هؤلاء؛ لأنه لو جاءت الآيات حسب الاقتراح لكان كل واحد يقترح ما يرى أنه آية، وقد يقترح ما يرى أنه آية وليس بآية، لذلك نقول: الآيات عند الله عز وجل ولهذا قال: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً} ، ولكنَّه لا يريد، وإذا لم يرد لم يكن.