الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- والعياذ بالله - أنكروا هذا، ومن أجل إنكارهم له لم يعملوا للآخرة، وكان عملهم كله للدنيا، نسأل الله السلامة.
من فوائد الآية الكريمة:
الفائدة الأولى: أن الكافرين ينكرون البعث؛ لأن قوله: {وَقَالُوا} معطوفة على ما سبق، وقد صرج الله عز وجل بهذا في قوله:{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7].
الفائدة الثانية: الإشارة إلى دنو الحياة الدنيا، وأنها ليست بتلك الحياة التي ينبغي للإنسان أن يحافظ عليها، وينسى الآخرة لقوله:{الدُّنْيَا} ، وقد جاء في الحديث "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء"
(1)
، وفي هذا يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى
(2)
-:
لو سَاوَتِ الدُّنيَا جناحَ بعوضَةٍ
…
لَمْ يَسْقِ منها الرَّبُّ ذا الكُفْرَانِ
لَكِنَّهَا واللهِ أَحْقَرُ عِنْدَهُ
…
مِنْ ذَا الجَنَاحِ القَاصِرِ الطَّيَرَانِ
الفائدة الثالثة: أن إنكار هؤلاء للبعث إنكار مكابرة، وجه ذلك أنه لو صَدَق ما قالوه لأصبح خلق الخلق عبثًا لا فائدة منه، أمم تحيا وتموت وتتقاتل وتتناحر، ثم لا يكون بعث يجازى فيه المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
(1)
رواه الترمذي، كتاب الزهد، باب: ما جاء في هوان الدنيا على الله عز وجل (2320).
(2)
البيتان (4954 - 4955) من الكافية الشافية، (259/ 4) طبعة دار عالم الفوائد.
* قال الله عز وجل: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30)} [الأنعام: 30]
قوله: {وَلَوْ تَرَى} هذا موقف آخر، والخطاب في قوله:{تَرَى} إما للنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، أو لكل من يتوجه إليه الخطاب.
وقوله: {إِذْ وُقِفُوا} ، أي: حين وقفوا على ربهم.
قد يقول قائل: كيف عبر عن المستقبل بالماضي فقال: {إِذْ وُقِفُوا} ، ولم يقل: إذ يقفون؟.
فيقال: الشيء المحقق يعبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه، ومنه قوله تعالى:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1]، فيكون هذا تصويرًا للحال المستقبلة؛ كأنها شيء حاضر ماضٍ.
قوله: {رَبِّهِمْ} ، وهو الله عز وجل، وإنما أضاف ربوبيته إليهم مع أنهم من أراذل عباد الله إشارة إلى أنه عز وجل هو الخالق المالك المدبر لهم، فكان عليهم أن يقوموا بعبادته، فتكون إضافة الربوبية إليهم للإشارة إلى أن السلطان له عليهم عز وجل، ومع ذلك لم يؤمنوا به ولا برسله، ولا عملوا لهذا اليوم.
قوله: {قَالَ} جملة استئنافية لبيان ما حصل عند الوقوف، {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقّ} ، أي: بالصدق الثابت الذي لا مرية فيه، والمُشار إليه هو البعث الذي كانوا ينكرونه، وفي هذه الجملة حرف جر زائد وهو (الباء) في قوله:{بِالْحَقِّ} ، ويقول أهل العلم بالبلاغة في زيادة الحروف: إنها تدل على التوكيد، فعلى هذا تكون هذه الجملة مؤكدة بالباء الزائدة إعرابًا.
قوله: {قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا} ، فأجابوا بالجواب مع الإقسام، وكانوا قبل ذلك يقولون: لا نبعث، وهنا أقسموا على أن هذا البعث حق، ولكن لو سألنا سائل هل ينفعهم هذا الإقسام؟
فالجواب: لا ينفعهم؛ لأن الدار الآخرة دار جزاء وليست دار عمل.
وقوله: {وَرَبِّنَا} الواو هذه حرف قسم، والقسم كما سبق هو تأكيد الشيء بذكر معظم بأداة مخصوصة، وهي الواو، والباء، والتاء.
قوله: {قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} ، يعني: قال الله عز وجل لما أقروا بأن هذا هو الحق، وتبين أن إنكارهم الأول كان كفرًا بإقرارهم.
قوله: {فَذُوقُوا الْعَذَابَ} والأمر هنا للإهانة، وليس للتكريم؛ لأنه لا أحد يُكرم بالعذاب، وأطلق الذوق على العذاب لتحقق وقوعه، فإن ذوق الإنسان للشيء يعني أنه تيقنه تمامًا، فلو قلت لك مثلًا: في جيبي لك تفاحة، تُصَدِّق، فإذا رأيتها ازداد يقينك، فإذا أكلتها ازداد أكثر، ويسمى الأول علم اليقين، والثاني عين اليقين، والثالث حق اليقين.
قوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} (الباء) للسببية و (ما) مصدرية، وعليه فيقدر ما بعدها بمصدر، ويكون التقدير بكونكم تكفرون، أي: تكفرون باليوم الآخر، وبمن أخبركم عن اليوم الآخر، وهم الرسل - عليهم الصلاة والسلام -، وبمن أرسلهم، لكن أين جواب (لو) في قوله:{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ} ؟
الجواب محذوف، تقديره:(لرأيت أمرًا عظيمًا) وحذفه جائز، ولكن هل حذفه جائز مستوي الطرفين أو حذفه أبلغ؟