الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيات الكونية هي المخلوقات كلها، والشرعية ما جاءت به الرسل من الوحي.
الفائدة الحادية عشرة: أن هؤلاء المكذبين سيصيبهم العذاب مباشرة لقوله: {يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ} ، وإن أفلتوا من العذاب في الدنيا لن يفلتوا منه في الآخرة.
الفائدة الثانية عشرة:
إثبات الأسباب
لقوله: {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} ؛ لأن (الباء) للسببية، وإثبات الأسباب دل عليه العقل والسمع ولا ينكره إلا أحمق، والقرآن مملوء من هذا، وأنا أنصح طلاب العلم أن يتدبروا القرآن، ويستنبطوا الآيات التي فيها ذكر السبب؛ لأنه قد قيل إن في القرآن أكثر من ألف دليل يدل على إثبات الأسباب، وهذا حقيقة، والقرآن نفسه سبب، قال الله تعالى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، وقال {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176].
وقد انقسم الناس في الأسباب إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: جعلها مؤثرة بنفسها، وأنه متى وجد السبب لزم وجود المسبب، وهؤلاء هم الطبائعيون الذين لا يعترفون بالله عز وجل، ولا يخفى حكمهم أنهم كفرة.
القسم الثاني: أنكر تأثير الأسباب في مسبباتها، وقال: إن الأسباب مجرد علامات فقط، وأن المسبب حصل عند السبب لا بالسبب، وهؤلاء ضلوا سمعاً وعقلاً، حتى إنه لو رمى الإنسان زجاجة بحجر ثم تكسرت، لقال: الحجر لم يكسر الزجاجة؛ لأنك لو قلت هذا لكنت مشركاً - والله المستعان -، أنا لو قلت هذا لكنت موحداً في الواقع، مثبتاً لله الحكمة سبحانه وتعالى،
لكن هؤلاء أناس ذوو عقول، أعني: عقول إدراك لا عقول رشد يقولون: الأسباب لا تؤثر بل حصل الشيء عند السبب لا بالسبب.
القسم الثالث: أثبتوا الأسباب لكن جعلوا تأثيرها في مسبباتها بما أودع الله فيها من القوى المؤثرة، وجعلوا الخالق أولاً وآخراً هو الله عز وجل، وقالوا: لو شاء الله لم تؤثر هذه الأسباب، فمثلاً النار محرقة لا إشكال، ولما ألقي فيها إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال الله لها:{كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69] فكانت برداً وسلاماً، وهنا لم يؤثر أثر هذا السبب في مسببه؛ لأن الله قال: كوني برداً وسلاماً، وهذا القول هو المتعين، ولا أقول الراجح، وما سواه فهو ضلال باطل.
الفائدة الثالثة عشرة: أن الفسق يطلق على الكفر لقوله: {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} ؛ لأن الله تعالى قال: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} ، والتكذيب بالآيات كفر، ثم قال:{بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} ، واقرأ قول الله تعالى في تنزيل السجدة:{أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)} [السجدة: 19 - 20] الفسق هنا الكفر، وقد يطلق الفسق على ما دون الكفر وهذا هو المراد من كلام الفقهاء رحمهم الله، ومنه قول الله تعالى:{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7]، فهنا الفسوق ما دون الكفر وهو المتعين، وجه التعيين العطف على الكفر، والعطف يقتضي المغايرة.
لو قال قائل: ذكرتم أن الفسق يطلق على الكفر، فهل قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} والظالمون والفاسقون، من باب تغير الألفاظ فقط؟
الجواب: بعضهم يقول في هذه المسألة: إن هذا مُنزَّل على أحوال، فمن كان حاكماً بغير ما أنزل الله فهو كافر، ومن حكم بغير ما أنزل الله لمحبته للعدوان وظلم الناس فهذا ظالم، ومن حكم بغير ما أنزل الله لا رداً لحكم الله ولكن لأن نفسه تهواه فهذا فاسق.
ونضرب مثلاً لهذا بثلاثة حكام: حاكم حكم بالقانون المخالف للشرع وردَّ حكم الله وقال: (لا نقبله) فهذا كافر.
والثاني في نفسه شيء على شخص معين، وحكم عليه دون خصمه، فهذا ظالم.
والثالث: حكم بغير ما أنزل الله لا رداً لما أنزل الله ولا إرادةً لظلم، لكن تهواه نفسه بمعنى أنه لو حكم لشخص بأن له الأرض الفلانية ليس ظلماً لكن تهواه نفسه إما لصداقته له أو لقرابته له أو لأنه قال له: الأرض ستكون بيني وبينك، فهذا فاسق.
فتُنزل الآيات على أحوال، ومنهم من قال: إنها على حال واحدة، وأن الكافر فاسق وظالم، والأقرب عندي أنها منزلة على أحوال؛ لأننا لو قلنا: إن هذه الأوصاف لموصوف واحد صارت شبه مكررة.
الفائدة الرابعة عشرة: تمام عدل الله عز وجل حيث إنه لم يعذب هؤلاء؛ إلا لأنهم استحقوا العذاب لفسقهم جزاء وفاقاً.
فإن قال قائل: جاء في الحديث الصحيح: "أن الله لو عذب أهل سمواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم"
(1)
.
فالجواب، لا إشكال في هذا، يعني: أنه لو وقع تعذيب أهل الأرض والسماوات لكان هذا العذاب مستحقاً عليهم، وهو غير ظالم لهم، وليس المعنى أنه لو عذبهم بدون جرم لم يكن ظالماً؛ لأن تعذيبهم بغير ظلم قد أحاله الله عز وجل، ومنع منه نفسه فقال تعالى:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)} [هود: 117]، وقال:{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]، لكن لو عذبهم لكانوا مستحقين للعذاب وبهذا يزول الإشكال في هذا الحديث.
* * *
* قال الله عز وجل: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)} [الأنعام: 50].
قوله: {قُلْ} الخطاب هنا للنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، وهو أمر من الله إليه وهذا أمر بإبلاغ خاص، وإلا فكل القرآن قد أُمر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أن يبلغه، كما قال تعالى:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] لكن تأتي بعض الأحكام مصدرة بـ (قل) إشارة إلى أهميتها؛ كقوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31]
(1)
رواه أبو داود، كتاب السُّنَّة، باب: في القدر (4699)، وابن ماجه في: المقدمة، باب: في القدر (77).
وكقوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ} [إبراهيم: 31]، والأمثلة على هذا كثيرة فيكون في هذا الحكم المذكور وصية خاصة بإبلاغه.
قوله: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ} الخطاب في قوله: {لَكُمْ} للمشركين المكذبين للنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
قوله: {عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ} هذا مقول القول، أي: لا أقول عندي خزائن الله، أي: خزائن رزقه فأرزقكم وأَحْرِمُ من أشاء.
قوله: {وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} ، يعني: ولا أقول لكم إني أعلم الغيب، والغيب ما غاب، وهو نوعان غيب نسبي، وهذا قد يعلم فمثلاً الشارع فيه أناس أنا لا أعلمهم، والذي يشاهدهم يعلمهم هذا غيب نسبي، وغيب مطلق حقيقي، وهو ما غاب عن الناس كلهم، كالعلم بما سيحدث في المستقبل، فهذا لا يمكن أن يعلمه أحد لا الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ولا غيره.
والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب النسبي ولا الحقيقي، لكن في النسبي ما شاهده عَلِمَ به، ولذلك لما انخنس منه أبو هريرة رضي الله عنه وكان أبو هريرة جنباً، قال له:"أين كنت؟ "
(1)
فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم، كذلك لما دخل بيته وطلب الطعام وأتوا إليه بتمر، وطلب اللحم قال:"ألم أرَ البرمة على النار؟ "
(2)
فلم يجزم بأن فيها لحماً مع أنها عنده في البيت؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب.
(1)
أخرجه البخاري: كتاب الغسل، باب: عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس، رقم (283)، ومسلم: كتاب الحيض، باب: الدليل على أن المسلم لا ينجس، رقم (371).
(2)
أخرجه البخاري: كتاب النكاح، باب: الحرة تحت العبد، رقم (5097).