الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* قال الله عز وجل: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46)} [الأنعام: 46].
قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ} ، أي:(قل) يا محمد أخبروني {إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ} بحيث لا تسمعون الكلام، {وَأَبْصَارَكُمْ} بحيث لا ترون الأفعال، {وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ} ، بحيث لا يكون لديكم وعي ولا عقل، {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} سيكون جوابهم: لا أحد؛ لأنهم يقرون ويعترفون بربوبية الله عز وجل، وبما يترتب عليها.
قوله: {انظُرْ} ، يعني: نظر اعتبار ونظر بصيرة {كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ} ، أي: ننوعها، والآيات: جمع آية، وهي العلامة التي يحصل بها الطمأنينة لاشتمالها على الدليل، يعني: أن
الآية ليست مجرد علامة
، بل هي العلامة التي تكون دليلاً على الشيء، فهي أخص من مطلق العلامة، والآيات كالشمس والقمر والليل والنهار والرخاء والشدة والحر والبرد وهلم جرَّا، آيات منوعة {ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} ، أي: ينصرفون عن الحق وعن الآيات، وتأمل قوله:{ثُمَّ} الدالة على التراخي، يعني: ثم بعد أن يتبيَّن لهم الأمر ويتضح هم يصدفون فلا ينتفعون.
من فوائد الآية الكريمة:
الفائدة الأولى: تحدي هؤلاء الذين أشركوا بالله في هذه المسألة اليسيرة بالنسبة لغيرها، وهي أن الله إذا أخذ سمعهم وأبصارهم وختم على قلوبهم فإنهم لن ينصرفوا إلا إلى الله عز وجل، وهذا تحدٍّ لهم.
الفائدة الثانية: أن الإنسان إذا أصيب بسمعه، أو بصره، أو قلبه أو سائر جسده فليلجأ إلى الله عز وجل؛ لأنه لا أحد ينفعه.
فإن قال قائل: إذاً لا نذهب إلى الأطباء، ولا إلى القراء، ولا نستعمل الأدوية؟
فالجواب: لا، بل اذهب إلى الأطباء، واستعمل الأدوية، واذهب إلى القراء، ولكن الذين يَسْتَرْقُون تنقص درجتهم بالنسبة للذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فالإنسان مأمور بفعل الأسباب، بل جاء الأمر بالتداوي إلا أنَّا لا نتداوى بمحرَّم.
الفائدة الثالثة: خطورة انسداد هذه الأمور الثلاثة وهي السمع بحيث لا يسمعون الآيات، والبصر لا يراها، والقلب لا يعيها، فعلى الإنسان أن يراعي هذه الأمور الثلاثة.
الفائدة الرابعة: رحمة الله عز وجل حيث صرّف الآيات للعباد، ولو شاء لترك التصريف وجعل الناس يتخبطون خبط عشواء، لكن من نعمة الله عز وجل ورحمته بعباده أنه يريهم الآيات ويصرفها وينوعها لهم فإذا لم يؤمن بهذه الآية آمن بالآية الأخرى وحصل المقصود، وكم من إنسان تفوته آيات كثيرة لا يعتبر بها، ثم يصاب بآية واحدة فيعتبر، حتى إن بعض المستقيمين حكوا عن أنفسهم أنهم كانوا منزلقين في الشهوات والتلهي، فلما مات قريب لهم استقاموا، كل الآيات السابقة لم ينتفعوا بها، لكن لما مات القريب استقاموا وعرفوا أن مآلهم كمآله فعادوا إلى الله عز وجل.
الفائدة الخامسة: التشنيع على هؤلاء الذين صُرِّفت لهم الآيات فأعرضوا، لقوله: {انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ
يَصْدِفُونَ}، أي: ينصرفون عنها ولا يعتبرون بها، فيكون فيه الحذر من تولي الإنسان بعد ظهور الآيات؛ لأنه إذا تولى بعد ظهور الآيات صار من قسم المغضوب عليهم؛ لأن الأقسام عندنا ثلاثة:(المغضوب عليهم، والضالون، وأهل الاستقامة)، فيكون من المغضوب عليهم؛ لأنه علم الحق ولكنه تمرد عليه.
* * *
* قال عز وجل: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47)} [الأنعام: 47].
قوله: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ} ، يعني: أخبروني، وقد مر بنا إعراب مثلها.
* قوله: {إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّه} ، أي: عقوبة الله {بَغْتَةً} ، كما لو أتتكم وأنتم نيام {أَوْ جَهْرَةً} ، كما لو أتتكم وأنتم أيقاظ، وهذا كقوله تعالى:{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)} [الأعراف: 97] الأول بغتة والثاني جهرة.
قوله: {هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47)} {هَلْ} ، بمعنى:(ما)، والاستفهام، بمعنى: النفي والاستفهام إذا كان بمعنى النفي صار أشد من النفي المجرد؛ لأنه يتضمن النفي والتحدي، كأن المتكلم يقول:(أثبت لي هذا الشيء)، والمعنى: إذا أتاكم عذاب الله على الوجهين فهل أنتم مظلومون؟ والجواب: لا.
وقوله: {هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} الجملة تقرير لأخذ العذاب وأنهم لم يؤخذوا ظلماً، بل لعملهم السيئ، والظلم ينقسم