الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من فوائد الآية الكريمة:
الفائدة الأولى: أن أعداء الإسلام ينهون عن الإسلام، ونهيهم عنه يستلزم أن يسلكوا كل طريق يبعد الناس عنه؛ لأن نهيهم عنه نهي حقيقي عن قلب، وهذا يستلزم أن يسلكوا كل طريق يبعد الناس عن شريعة الله، والأساليب في هذا مختلفة وكثيرة، فقد تكون بإيراد الشكوك، أو بالأفكار الفاسدة، أو بالأخلاق الفاسدة، أو بالتحريش بين الناس، أو ما أشبه ذلك.
الفائدة الثانية: أن هؤلاء جمعوا بين الضلال والإضلال، الإضلال في قوله:{يَنْهَوْنَ} ، والضلال في قوله:(ينأون) وهذا أشد من العدوان والظلم.
الفائدة الثالثة: أن كل من حاول إبطال الحق وإبعاد الناس عنه فإنما جَنى على نفسه، لقوله:{وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} حتى لو برقت له الدنيا، وظهر له النصر الظاهري، فإنه في الحقيقة هالك، ومن ذلك ما تقدم من قول أبي سفيان في غزوة أحد:(اعل هبل)، وقال:(لنا العزى ولا عزى لكم)، فافتخر، وشمخ بأنفه، ولكن هذا الأمر لن يبقى، وستكون العاقبة عليه، هذا هو المتعين سواء في الدنيا، أو في الآخرة.
الفائدة الرابعة: التحذير من سلوك الإنسان سبل الهلاك وهو لا يشعر، وقد بَيَّن الله تعالى ذلك في قوله:{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [فاطر: 8] فاحذر.
ولكن إذا قال قائل: ما الذي يدل الإنسان على كونه على صواب أم لا؟
الجواب: أن يرجع إلى الكتاب والسُّنَّة وإلى هدي السلف الصالح ومنهجهم، فيعرف أنه على صواب أو على خطأ.
* * *
* قال الله عز وجل: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27)} [الأنعام: 27].
قوله: {وَلَوْ تَرَى} : (لو) شرطية، وهي حرف امتناع لامتناع والجواب محذوف، تقديره: لو ترى إذ وقفوا على النار لرأيت أمرًا فظيعًا عظيمًا جسيمًا، وإذا قلت:(لو جاء زيد لجاء عمرو) وفي مقابلها أداة الشرط (لما) كذلك إذا قلت: (لما جاء زيد جاء عمرو) فهي حرف وجود لوجود، وإذا قلت:(لولا زيد لجاء عمرو)(لولا) حرف امتناع لوجود، إذًا تقاسمت هذه الثلاث الوجود والعدم.
وقوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} الخطاب للنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، أو لكل من يتأتى خطابه، أي: لو ترى أيها الرائي {وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} وقفوا عليها، أي: أوقفتهم الملائكة؛ لأنهم هم أنفسهم لا يريدون النار، لكن يوقفون عليها اضطرارًا كما قال عز وجل:{يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)} [الطور: 13]، وقال تعالى:{كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا} [الملك: 8].
قوله: {إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} النار هي الدار التي أعدها الله عز وجل للكافرين، كما قال تعالى:{وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)} [آل عمران: 131].
قوله: {فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا} قالوا بألسنتهم أو بقلوبهم؟ الأصل أن القول باللسان بصوت وحرف.
وقولهم: {يَالَيْتَنَا} (يا) للتنبيه، وليست حرف نداء، وإنما قلنا ذلك؛ لأن (ليت) حرف لا يصح أن ينادى، هذا هو الأسهل والأقرب، وقيل: إن (يا) حرف نداء، والمنادى محذوف، ويقدر بحسب ما يقتضيه السياق، فهنا يقدر بقول:(يا ربنا ليتنا نرد)، لكن ما قلناه أولًا أصح؛ لأنه أيسر، ولا يحتاج إلى تقدير، وإذا دار الكلام بين أن يكون فيه شيء مقدر أو لا، فإننا نأخذ بعدم التقدير؛ لأنه الأصل.
وقوله: (ليت) للتمني، والتمني يكون في المحال وفي الصعب، أما في المحال كقول الشاعر:
ألا ليتَ الشبابَ يعودُ يومًا
…
فأخبرهُ بما فعلَ المشيبُ
(1)
أما في العسير فكقوله:
قالت: ألا لَيْتَمَا هذا الحمامَ لنا
…
إلى حَمَامَتِنا أو نِصْفَهُ فقدِ
(2)
وكقول الفقير: ليت لى مالًا فأتصدق منه، فهذا ليس بمحال لكنه عسير، وهنا قوله:{يَالَيْتَنَا نُرَدُّ} تمني محال أو تمني عسير؟ تمني محال؛ لأنه لا يمكن أن يردوا إلى الدنيا، مع أنهم لو ردوا لكان الأمر خلاف ما قالوه:{وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا} وهذه داخلة في ضمن التمنى، {وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} كذلك فتمنوا ثلاثة أشياء:
الأول: الرد إلى الدنيا.
الثاني: ألا يكذبوا بآيات الله.
(1)
البيت لأبي العتاهية، في ديوانه (ص 46)، طبعة دار بيروت.
(2)
البيت للنابغة الذبياني، في ديوانه (ص 24).