الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجسامًا تحمل على الظهور، وما المانع؟ وقد قال الله تعالى:{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13]، ولا يجوز أبدًا أن نقيس أحوال الآخرة بأحوال الدنيا؛ لأنك إذا قرأت القرآن، وعلمت ما جاء في السُّنَّة من أحوال يوم القيامة تجزم أنه ليس هناك اتفاق، ولا يمكن أن يقاس بعضها على بعض.
ولو قال قائل: قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت: 12] أليست هذه الآية صريحة في أن الذي يُحْمَل الخطايا والأوزار لا جزاء الأعمال؟
فالجواب: يوم القيامة ليس هناك أعمال، بل لا يكون إلا الجزاء فقط.
قوله: {أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} (ساء) بمعنى بِئْسَ، و (ألا) أداة استفتاح وتنبيه، وربما نقول في هذا الموضع زيادة أخرى وهي التحذير من الأعمال السيئة.
وقوله: {أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} (ما) إن جعلتها اسمًا موصولًا احتجت إلى عائد، وإن جعلتها مصدرية لم تحتج إلى عائد، فما هو التقدير؛ إذا جعلناها اسمًا موصولا فالتقدير: ألا ساء ما يزرونه، وأما إذا جعلناها مصدرية فلا تحتاج إلى ضمير، ولكن تحتاج إلى سبك، أي: تحويل الفعل مصدرًا، وعليه يكون التقدير:(ألا ساء وزرهم)، ولكنَّ المعنى لا يختلف وهو أن الله تعالى ذم هذا الذي يحملونه على ظهورهم من الأوزار.
من فوائد الآية الكريمة:
الفائدة الأولى: بيان خسران الكافرين المكذبين بالبعث، وأنهم مهما ظنوا أنهم ربحوا فهم خاسرون، ولكن متى يعلمون
أنهم خاسرون؟ إذا جاء الأجل، أما الآن فهم في سكرة لا يدرون، ولهذا لو انتصروا اقتصاديًا، أو عسكريًا، أو فكريًا لظنوا أنهم رابحون، ولكنهم خاسرون.
الفائدة الثانية: وجوب الإيمان بلقاء الله، بدليل ثبوت الخسران لمن كذب به، ومعلوم أنه لا يحل للإنسان أن يوقع نفسه في الخسران.
لو قال قائل: هل من لقاء الله عز وجل النظر إليه؟
قلنا: استدل بعض العلماء رحمهم الله على النظر إلى الله عز وجل بهذه الآية، وبقوله:{فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6]، وقالوا: إن اللقاء لا يكون إلا مواجهة، وعلى هذا فيكون في الآية دليل على ثبوت رؤية الله عز وجل، وثبوت رؤية الله ثابت بالنص القرآني والنبوي، والإجماع من الصحابة رضي الله عنهم وأئمة الهدى من بعدهم، فمن أدلة إثبات النظر إلى الله في القرآن قوله تعالى:{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 23] فإن قال الخصم إنها على تقدير: إلى ثواب ربها ناظرة، أي: ما في الجنة من النعيم والحور العين، وكل شيء فيقال: لو أراد الله عز وجل أن يبيِّن أنها تنظر إلى ثواب الله، لقال ذلك، فكون الله عز وجل يريد ثواب الله ثم يأتي بقوله:{إِلَى رَبِّهَا} هل هذا بيانٌ أو تعمية؟ هذا تعمية على الخلق والله عز وجل يقول: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} [النساء: 26]، ويقول:{يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176]، ثم ما دليلك على أن تقحم هذه الكلمة في القرآن؟ أنت إذا أجزت هذا، أجزت لمن أراد أن يعبر عن القرآن بالمعنى أن يقول:
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22)} [القيامة: 22] إلى ثواب ربها ناظرة، وهذا التحريف ظاهر.
ومن السُّنَّة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته"
(1)
، وهذا التشبيه للتحقيق، يعني: كما أنكم في أماكنكم المتباعدة ترون القمر ليلة البدر بدون انضمام بعض إلى بعض، فإنكم سترون الله عز وجل، ولما سأل أبو رَزين العقيلي النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله كيف يحاسبنا الله تعالى جميعًا في يوم واحد وهو واحد؟ قال: "ألا أدلك على شيء من آلاء الله؟ قال ما هو؟ قال: "القمر كلكم يراه في مكانه وهو واحد، وأنتم جماعة كثيرون"
(2)
، إذًا لحديث دليل على ثبوت رؤية الله بالعين.
أما الإجماع فقد أجمع الصحابة والتابعون على رؤية الله سبحانه وتعالى لكن بماذا استدل العلماء على هذا الإجماع، يعني: كيف يكون السبيل، أو الطريق إلى إثبات هذا الإجماع؟
نقول طريقه أن يقال: إن الصحابة لمّا قرؤوا القرآن وسمعوا الأحاديث من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يأت عن أحد منهم أنه قال بخلاف ظاهرها فيكون هذا إجماعًا منهم إقراريًا، وليس سكوتيًا إجماعًا منهم على أنها على ظاهرها، وهذه حجة لا إشكال فيها، هات واحدًا من الخلفاء الراشدين، أو غيرهم من الصحابة يقول:
(1)
رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22)}
…
(7434).
(2)
رواه ابن ماجه في: المقدمة، باب: فيما أنكرت الجهمية (180).