الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنبيهات
الأول: أن قبل قوله- تعالى-: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [ (1) ] يقتضي أن التهجد غير واجب عليه صلى الله عليه وسلم فإن النافلة غير الواجب. قال ابن سيده:
العطية عن بدء، والنفل ما يفعله الإنسان مما لا يجب عليه. وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ قلنا بها أن النافلة فيها بمعنى الزيادة.
ومنه قوله- تعالى-: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً [ (2) ] ، وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا [ (3) ] أن إسحاق ويعقوب زيادة، لأن إبراهيم عليه السلام لما سأل اللَّه- سبحانه- ولدا بقوله: هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [ (4) ] استحباب دعاءه ووهب له إسحاق، وزاده يعقوب بن إسحاق، من غير زيادة، فكان يعقوب نافلة لإبراهيم، عند الولد، قال ابن سيده: النافلة ولد، وهو من ذلك يعني من العطية امتدادا، فإذا تقرر أن النافلة الزيادة، ولا يأتونكم منا غير واجبة.
وخرّج مسلم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل المزني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: هو خليل على جابر بن عبد اللَّه
…
فذكر حديث جابر الطويل في الحج إلى أن قال جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: لقد صلى بنا المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينها شيئا، ثم اضطجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر فصلى حين تبين له الصبح. الحديث،
وهذا يدل على عدم وجوب الوتر والتهجد لأن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم لم يفعلها تلك الليلة.
وقد يجاب عن التهجد بأنه لعله إذ ذاك صار منسوخا في هذا الحديث وعلى ما جزم به الدارميّ.
[ (1) ] الاسراء: 79.
[ (2) ] الأنبياء: 72.
[ (3) ] مريم: 49.
[ (4) ] الصافات: 100.
والّذي نص عليه الشافعيّ في (الأم) وغيره: أن السنة ترك التنفل بعد العشاء. كما يسن تركه بعد المغرب، وصرح به الماوردي، والقاضي حسين، وغيرهما، وأبعد البحلي فقال: إنه يأتي بسنة المغرب بعد العشاء ثم بسنة العشاء، ثم بالوتر، وهو مصادم للنص.
الثاني: قال الرافعيّ: مقتضى الحديث المروي عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- الّذي سلف، وكلام الأئمة هنا كون الوتر غير التهجد المأمور به، وذلك مخالف لما مرّ في باب صلاة التطوع أنه يشبه أن يكون الوتر هو التهجد، ويعتضد به الوجه المذكور هناك عن رواية الروياني. قال وكان التغاير أظهر، وكذا قال في (تذييله على الشرح) : من أنه الأظهر وتبعه صاحب (الحاوي) .
لكن خرّج البخاريّ [ (1) ] ومسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] والترمذي [ (4) ] من حديث مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه سأل
[ (1) ](فتح الباري) : 3/ 41، كتاب التهجد، باب (16) قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره، حديث رقم (1147) ، وذكره في كتاب صلاة التراويح، باب (1) فضل من قام في رمضان، حديث رقم (2013) ، وفي كتاب المناقب، باب (24) كان النبي صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه، رواه سعيد بن ميناء، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 5/ 263، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (17) صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة، حديث رقم (738) .
قوله: «إن عيني تنامان ولا ينام قلبي»
هذا من خصائص الأنبياء- صلوات اللَّه وسلامه عليهم-. وسبق في حديث نومه صلى الله عليه وسلم في الوادي، فلم يعلم بفوات وقت الصبح حتى طلعت الشمس، وأن طلوع الفجر والشمس متعلق بالعين لا بالقلب. وأما أمر الحدث ونحوه فمتعلق بالقلب، وأنه قيل أنه في وقت ينام قلبه، وفي وقت لا ينام، فصادف الوادي نومه. والصواب الأول. (شرح النووي) .
[ (3) ](سنن أبي داود) : 2/ 86- 87، كتاب الصلاة، باب (316) في صلاة الليل، حديث رقم (1341) .
عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، كيف كانت صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا، فلا تسل عن حسنهنّ وطولهنّ، ثم يصلى ثلاثا، قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فقلت: يا رسول اللَّه أتنام قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة إن عينيّ تنامان ولا ينام قلبي. وهذا يدل على أن التهجد هو غير الوتر.
وما خرّجه مسلم [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] والترمذي [ (3) ] والنسائي [ (4) ] من طريق هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان
[ () ](4)(سنن الترمذي) : 2/ 302- 303، أبواب الصلاة، باب (325) ما جاء في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، حديث رقم (439)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 5/ 262، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (17) صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة، حديث رقم (737) .
قال القاضي: قال العلماء: في هذه الأحاديث أخبار كل واحد من ابن العباس، وزيد، وعائشة، بما شاهد، وأما الاختلاف في حديث عائشة: فقيل: هو منها، وقيل: من الرواة عنها، فيحتمل أن إخبارها بأحد عشرة هو الأغلب، وباقي رواياتها إخبار منها بما كان يقع نادرا في بعض الأوقات، فأكثره خمس عشرة بركعتي الفجر، وأقله سبع، وذلك بحسب ما كان يحصل من اتساع الوقت أو ضيقه، بطول قراءة، كما جاء في حديث حذيفة وابن مسعود، أو لنوم، أو عذر أو مرض، أو غيره في بعض الأوقات عند كبر السن، كما قالت: فلما أسن صلى سبع ركعات، أو تارة تعد الركعتين الخفيفتين في أول قيام الليل، كما رواه زيد بن خالد، وروتها عائشة بعدها، هذا في مسلم، وتعد ركعتي الفجر تارة، وتحذفهما تارة، أو تعد إحداهما، وقد تكون عدت راتبة العشاء مع ذلك تارة، وحذفتها تارة.
قال القاضي: ولا خلاف أنه ليس في ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه، وأن صلاة الليل من الطاعات، التي كلما زاد فيها زاد الأجر، وإنما الخلاف في فعل النبي صلى الله عليه وسلم وما اختاره لنفسه، واللَّه- تعالى- أعلم.
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها. يقابل الحديث الأول، والّذي يلزم من كلامهم أن يكون كل وتر تهجدا، مأمورا به.
ولفظ الشافعيّ- رحمه الله: وأوكد النوافل الوتر ويشبه أن يكون صلاة التهجد، والظاهر أن الوتر والتهجد يفرقان، فالوتر لا يعتبر في حقيقته أن يكون بعد النوم، بخلاف التهجد.
قال ابن سيده: هجد يهجد هجودا، وأهجد نام، والهاجد والهجود المصلي بالليل، والجمع هجود وهجد. قال: وتهجد القوم، واستيقظوا للصلاة أو لغيرها، وقال الأزهري: المتهجد القائم لصلاة الليل من النوم، فكأنه قيل له متهجد لإلقائه الهجود عن نفسه، كما يقال للعابد: متحنث لإلقائه الحنث عن نفسه، فيمكن تأويل كلام الشافعيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على أن يقال: إن الّذي يتبع الوتر في التأكيد هو التهجد.
وذكر محمد بن نصر المزروي، عن الحجاج بن عمر بن غزية الأنصاري أنه قال: يحسب أحدكم أنه إذا قام من الليل فصلى حتى يصبح، أنه قد تهجد؟ إنما التهجد الصلاة بعد رقدة، ثم الصلاة بعد رقدة، ثم الصلاة بعد رقدة، ثم الصلاة بعد رقدة، قال: فتلك كانت صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
[ () ](2)(سنن أبي داود) : 2/ 96، كتاب الصلاة، باب (316) في صلاة الليل، حديث رقم (1359) .
[ (3) ](سنن الترمذيّ) : 2/ 304، أبواب الصلاة، باب (326) بدون ترجمة، حديث رقم (442) ، من حديث وكيع، عن شعبة، عن أبي جمرة الضبعيّ، عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
[ (4) ](سنن النسائي) : 3/ 266- 267، كتاب قيام الليل، باب (41) كيف الوتر بخمس، حديث رقم (1716) ، وقد انفراد به النسائي.