الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شاعر، قال أهل الفطنة منهم: واللَّه لتكيدنكم العرب، فإنّهم يعرفون أصناف الشعر، فو اللَّه ما يشبهه شيئا منها، وما قوله بشعر.
وقال أنيس أخو أبي ذر: لقد وضعت قوله على أقراء الشعر، فلم يلتئم أنه شعرا. وقال: عتبة بن ربيعة لما كلمه: واللَّه ما هو بشعر، ولا كهانة، ولا سحر. وقد سقت هذه كلها بأسانيدها في موضعها من هذا الكتاب.
الخامسة: أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يحسن الكتابة
قالوا: وكان يحرم عليه ذلك، قال اللَّه- تعالى-: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ [ (1) ] قال ابن كيسان: واحد الآيتين أميّ، كان منسوبا إلى أمة، والأمة لا تكتب بالجملة، إنما يكتب بعضها، وقيل نسب إلى أمه، لأن الكتاب كان في الرجال، ولم يكن في النساء [ (2) ] .
[ (1) ] الأعراف: 157، وتمامها: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
[ (2) ] قال ابن حديدة الأنصاري (783 هـ) : روينا عن الإمام أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد اللَّه الخثعميّ ثم السهيليّ- رحمه الله في (الروض الألف) - وقد تكلم على كتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبيّة-: وأنه محا اسمه وهو «رسول اللَّه» حين قال له سهيل بن عمرو:
ولو شهدت أنك رسول اللَّه لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فكتب:«هذا ما صالح عليه محمد بن عبد اللَّه» لأنه قول حق كله، فظن بعض الناس أنه كتب بيده، وفي البخاريّ:
كتب وهو لا يحسن الكتابة، فتوهم أن اللَّه- تعالى- أطلق يده بالكتابة في تلك الساعة خاصة.
وقال: هي آية، فيقال له: كانت تكون آية لا تنكر، لولا أنها مناقضة لآية أخرى وهو كونه أميا لا يكتب، وبكونه أميا في أمة أمية قامت الحجة، وأفحم الجاحد، وانحسمت الشبهة، فكيف يطلق اللَّه- عز وجل يده فيكتب لتكون آية؟ وإنما معنى «كتب» أمر أن يكتب، وكان الكاتب في ذلك اليوم عليّ بن أبي طالب- رضوان اللَّه عليه-، وقد كتب له عدة من
_________
[ () ] أصحابه صلى الله عليه وسلم منهم الخلفاء الأربعة [وغيرهم] ، ذكرهم عمر بن شبة في كتاب (الكتّاب) له، فجميعهم ثلاثة وعشرون، وقد تتبعت ما أغفله ابن شبّة- رحمه الله فبلغت بهم نحوا من أربعة وأربعين كاتبا مع الذين ذكرهم، خرجتهم من مصنفات علماء هذا الشأن. (المصباح المضيء) : 1/ 27- 28، باب في ذكر من كتب له من الصحابة، والكلام على كتابه صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبيّة، مختصرا.
وقال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: ولأن محمدا صلى الله عليه وسلم اشتهر بوصف النبي الأميّ، فصار هذا المركب كاللقب له، فلذلك لا يغيره عن شهرته، وكذلك هو حيثما ورد ذكره في القرآن الكريم.
والأميّ: الّذي لا يعرف الكتابة والقراءة، قيل: هو منسوب إلى الإمام، أي هو أشبه بأمه منه لأبيه، لأن النساء في العرب ما كنّ يعرفن القراءة والكتابة، وما تعلمنها إلا في الإسلام، فصار تعلم القراءة والكتابة من شعار الحرائر دون الإماء، كما قال عبيد الراعي- وهو إسلاميّ-:
هنّ الحرائر لا ربات أخمرة
…
سود المحاجر لا يقرأن بالسّور.
أما الرجال ففيهم من يقرأ ويكتب.
وقيل: منسوب للأمة، أي الّذي جاء حاله معظم الأمة، أي الأمة المعهودة عندهم وهي العربية، وكانوا في الجاهلية لا يعرف منهم القراءة والكتابة إلا النادر منهم، ولذلك يصفهم أهل الكتاب بالأميين، لما حكى اللَّه- تعالى- عنهم في قوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمران: 75] .
والأمية وصف خص اللَّه- تعالى- به من رسله محمدا صلى الله عليه وسلم إتماما للإعجاز العلميّ والعقلي الّذي أيده اللَّه به، فجعل الأمية وصفا ذاتيا له، ليتم بها وصفه الذاتي، وهو الرسالة، لكي يظهر أن كماله النفسانيّ كمال لدنيّ إلهي، لا وساطة فيه للأسباب المتعارفة للكمالات، وبذلك كانت الأمية وصف كمال فيه، مع أنها في غيره وصف نقصان، لأنه لما حصل له من المعرفة وسداد العقل ما لا يحتمل الخطأ في كل نواحي معرفة الكمالات الحق، وكان على يقين من علمه، وبينه من أمره، ما هو أعظم مما حصل للمتعلمين، صارت أميته آية على كون ما حصل له إنما هو من فيوضات إلهية. (تفسير التحرير والتنوير) : 9/ 133.
وقال ابن النحاس: منسوب إلى أمه كما ولد، وقيل: نسب إلى أم القرى، وقال- تعالى-: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ [ (1) ] يقول اللَّه- جل ذكره-: وما كنت يا محمد تتلو يعنى تقرأ قبله يعني من قبل هذا القرآن الّذي أنزلته إليك من كتاب ولا تخطه بيمينك يقول: ولم تكن تكتب بيمينك، ولكنك كنت أميا، إذا لارتاب المبطلون، يقول:
ولو كنت من قبل أن يوحى إليك تقرأ الكتب أو تخطها بيمينك، إذا لارتاب، يقول: إذا لشكّ بسبب ذلك في أمرك وما جئتهم به من عند ربك من هذا الكتاب الّذي تتلوه عليهم المبطلون القائلون: أنه سجع وكهانة، وأنه أساطير الأولين.
قال ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم أميا لا يقرأ شيئا ولا يكتب. وقال سعيد عن قتادة: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقرأ كتابا قبله، ولا يخطه بيمينه، ظقال: كان أميا، والأمي الّذي لا يكتب، وقال أبو إدريس الأوردي، عن الحكم، عن مجاهد:
كان أميا، والأميّ الّذي لا يكتب، قال: وكان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخط، ولا يقرأ كتابا، فنزلت هذه الآية: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ [ (2) ] قال سعيد: إذا لقالوا: إنما هذا شيء تعلمه محمد وكتبه.
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: المبطلون قريش، وقد زعم بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى تعلم الكتابة، وهذا قول لا دليل عليه، فهو مردود.
وتمسك القائل بأنه صلى الله عليه وسلم كان يحسن الكتابة بما خرّجه البيهقيّ من طريق أبي عقيل يحيى بن المتوكل، عن مجاهد، عن عون بن عبد اللَّه، عن أبيه، قال: لم يمت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ.
وقال مجاهد: فذكرت ذلك للشعبي، فقال: قد صدق، قد سمعت من بعض أصحابنا يذكرون ذلك.
[ (1) ] العنكبوت: 48.
[ (2) ] العنكبوت: 48.
قال البيهقيّ: إنه حديث منقطع، وفي روايته جماعة من الضعفاء والمجهولين [ (1) ] .
قال مؤلفه: يحيي بن المتوكل أبو عقيل المدني الحذاء الضرير [ (2) ] مولى آل عمر وصاحب بهيمة، روى عنهما، وعن محمد بن المنكدر، والقاسم بن عبد اللَّه العمري، وجماعة، وروى عنه ابن المبارك، ووكيع، وجماعة.
قال ابن معين: ليس بشيء، ومرة قال: ليس به بأس، ومرة قال:
ضعيف، وقال الدارميّ: هو ضعيف، وقال أحمد بن حنبل: أحاديثه عن بهيمة، عن عائشة منكرة، لم يرو عن بهيمة شيء وما روى عنها إلا هو واهي الحديث، ومرة قال: يروي عن قوم لا أعرف منهم واحدا، ولم يحل عنهم.
وقال الفلاس: هو ضعيف، ومرة قال: فيه ضعيف، وقال السعديّ:
أحاديثه منكرة، وقال النسائي: ضعيف وقال ابن عدي: وعامة أحاديثه غير محفوظة، ومجالد بن سعيد بن عمير بن ذي يزن، أبو عمير الهمدانيّ، الكوفي، ضعفه يحيى القطان، وابن معين، والسعديّ، والنسائي، وقال ابن عدي: وعامة ما يروونه غير محفوظ.
وذكر النقاش في (تفسيره) عن الشعبي أنه قال: ما مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى كتب، وأسند من حديث أبي كبشة السلوليّ أنه صلى الله عليه وسلم قرأ صحيفة لعيينة بن حصن.
قال ابن عطية: وهذا كله ضعيف، وتمسك أيضا بما
خرّجه البخاري [ (3) ] في كتاب الصلح في عمرة القضاء من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق، عن
[ (1) ](سنن البيهقيّ) : 7/ 42- 43، كتاب النكاح، باب لم يكن له صلى الله عليه وسلم أن يتعلم شعرا ولا يكتب.
[ (2) ] يحيى بن المتوكل العمري أبو عقيل المدنيّ، ويقال: الكوفيّ الحذاء الضرير، صاحب بهية، مولى العمريين، روى عن أبيه، وأمه أم يحيى وبهية ويحيى بن سعيد الأنصاريّ وغيرهم، عن يحيى بن معين وهو ضعيف، وليس حديثه بشيء، وعن عليّ بن المديني كذلك، كما ضعفه النسائي وغيره، قال ابن قانع: مات سنة (167) . له ترجمة في: (تهذيب التهذيب) :
11/ 237، (تاريخ بغداد) : 14/ 108، (الكامل في ضعفاء الرجال) : 7/ 206- 208.
_________
[ () ](3)(فتح الباري) : 5/ 380، كتاب الصلح، باب (6) كيف يكتب «هذا ما صالح فلان بن فلان فلان ابن فلان» وإن لم ينسبه إلى قبيلته أو نسبه، حديث رقم (2699) .
قال الحافظ: وقد تمسك بظاهر هذه الرواية أبو الوليد الباجي، فادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب بيده بعد أن لم يكن يحسن يكتب، فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه، ورموه بالزندقة، وأن الّذي قاله يخالف القرآن، حتى قال قائلهم:
برئت ممن شرى دنيا بآخرة
…
وقال إن رسول اللَّه قد كتبا
فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة وقال للأمير: هذا لا ينافي القرآن، بل يؤخذ من مفهوم القرآن، لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن، فقال: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ وبعد أن تحققت أمنيته، وتقررت بذلك معجزته، وأمن الارتياب في ذلك، لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة أخرى.
وذكر ابن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك، منهم شيخه أبو ذر الهرويّ، وأبو الفتوح النيسابوريّ، وآخرون من علماء إفريقية وغيرها، واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه ابن أبي شيبة، وعمر بن شبة، من طريق مجاهد عن عون بن عبد اللَّه قال:«ما مات رسول اللَّه حتى كتب وقرأ» قال مجاهد: فذكرته للشعبيّ فقال: صدق، قد سمعت من يذكر ذلك.
ومن طريق يونس بن ميسرة على أبي كبشة السلوليّ، عن سهل بن الحنظلية» أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعيينة، فقال عيينة: أتراني أذهب بصحيفة المتلمس؟ فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصحيفة فنظر فيها فقال: قد كتب لك بما أمر لك» . قال يونس: فنرى أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كتب بعد ما أنزل إليه.
قال عياض: وردت آثار تدل على معرفة حروف الخط وحسن تصويرها،
كقوله لكاتبه:
«ضع القلم على أذنك فإنه أذكر لك» ،
وقوله لمعاوية: «ألق الدواة وحرف القلم، وأقم الباء، وفرق السين ولا تعور الميم» ،
وقوله: «لا تمد بسم اللَّه» .
قال: وهذا وإن لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم كتب، فلا يبعد أن يرزق علم وضع الكتابة، فإنه أوتى من كل شيء.
وأجاب الجمهور بضعف هذه الأحاديث. وعن قصة الحديبيّة بأن القصة واحدة، والكاتب فيها عليّ، وقد صرح في حديث المسور بأن عليا هو الّذي كتب، فيحمل على أن النكتة في
البراء، قال: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة، فأبي أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام، فلما كتبوا الكتاب كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول اللَّه، فقالوا: لا نقرّبها، فلو نعلم أنك رسول اللَّه ما منعناك، لكن أنت محمد بن عبد اللَّه، فقال: أنا رسول اللَّه، وأنا محمد بن عبد اللَّه، ثم قال لعليّ بن أبي طالب: امح رسول اللَّه، قال: لا واللَّه لا أمحوك أبدا، فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الكتاب
- وليس بحسن يكتب- فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد اللَّه. وذكر الحديث.
ووقع في (أطراف أبي مسعود الدمشقيّ) أنه صلى الله عليه وسلم أخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب،
فكتب: مكان «رسول اللَّه» : «محمدا» وكتب: «هذا ما قاضى عليه محمد» .
وأخرجه الإسماعيلي، وقال ابن دحية في كتاب (التنوير) بعد أن عزاها إلى أبي مسعود: هي زيادة متلوّة ليست في (الصحيحين) ، وغفل- رحمه الله عن وقوعها في (صحيح البخاريّ) ، كما بيّنا، وليس في هذه الزيادة
[ () ] قوله: «فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب» لبيان أن
قوله: «أرني إياها»
أنه ما احتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها، إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة، وعلى أن قوله بعد ذلك:«فكتب» فيه حذف، تقديره: فمحاها، فأعادها لعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكتب، وبهذا جزم ابن التين، وأطلق كتب بمعنى أمر الكتابة، وهو كثير كقوله: كتب إلى قيصر، وكتب إلى كسرى، وعلى تقدير حمله على ظاهره، فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالما بالكتابة ويخرج عن كونه أميا، فإن كثيرا ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات ويحسن وضعها وخصوصا الأسماء، ولا يخرج بذلك عن كونه أميا ككثير من الملوك ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لا يحسنها، فخرج المكتوب على وفق المراد، فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصة، ولا يخرج بذلك عن كونه أميا. وبهذا أجاب أبو جعفر السمناني- أحد أئمة الأصول من الأشاعرة- وتبعه ابن الجوزي، وتعقب ذلك السهيليّ وغيره، بأن هذا وإن كان ممكنا ويكون آية أخرى، لكنه يناقض كونه أميا لا أن يصير يكتب بعد ذلك لعادت الشبهة. (فتح الباري) :
7/ 641- 642، كتاب المغازي، باب (44) عمرة القضاء، حديث رقم (4251) .
دليل، فقد تقرر في موضعه أن المقيد يقضي على المطلق،
ففي الرواية الأخرى: فأمر عليا فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد اللَّه، وله طرق عديدة في (الصحيحين) وغيرهما.
قال ابن دحية: وذكر عمر بن شبة في كتاب (الكتاب) له، أنه صلى الله عليه وسلم كتب يوم الحديبيّة بيده، ونحى في قوله إلى أنه قصر الكتاب عالما به في ذلك الوقت، ولم يعلمه قبله، وإن ذلك من معجزاته صلى الله عليه وسلم، أن تعلم الكتاب في وقته، لأن ذلك خرق للعادة.
وقال بهذا القول بعض المحدثين، منهم أبو ذرّ الهروي، وأبو الفتح النيسابورىّ، والقاضي أبو الوليد الباجي، وصنف في ذلك كتابا، وقيل: إنه صلى الله عليه وسلم كتب ذلك اليوم غير عالم بالكتابة، ولا مميز لحروفها، لكنه أخذ العلم بيده، فخط به ما لم يميزه هو فإذا هو كتاب ظاهر بين على حسب المراد.
قال: وذهب إلى ذلك القاضي أبو جعفر السمنانيّ الأصوليّ، قال الباجي:
كان من أوكد معجزاته صلى الله عليه وسلم أن يكتب من غير تعلم، قال ابن دحية: وهذا كله ليس بشيء، وقد ردّ على الباجي فيما ذهب إليه من ذلك ابن معوذ، وسمّع عليه بسبب المقالة، وتبعه كثير من فقهاء الأندلس وغيرهم بموافقته، منهم.
محمد بن إبراهيم الكناني، وأجاد فيما كتب، وبين أن ذلك لا يبطل المعجزة، واستأنس بمفهوم وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ وحكى في أثناء ذلك عن بعض أهل الأدب أنه زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحسن الشعر ولكنه كان لا يتعاطاه، قال: وإن ذلك أتم وأكمل مما لو قلنا إنه كان لا يحسنه.
وحكى البغوي في (التهذيب) الخلاف، فقال: وقيل: كان يحسن الخط ولا يكتب، ويحسن الشعر ولا يقوله، والأصح أنه كان لا يحسنهما، ولكن كان يميز بين جيد الشعر ورديئة.
وقال القضاعي في (عيون المعارف) : أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن له أن يقول شعرا، ولا أن ينقله، وألحق الماوردي بقول الشعر روايته وبالكتابة والقراءة أي في كتاب لقوله- تعالى-: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ قال موسعة والصواب أن اللَّه- تعالى- إنما سأل نبيه صلى الله عليه وسلم ما فضّل به ملائكته
مع إعلاء ذكره وما خصّه به من بين أنبيائه إلا لما هو أفضل منه وأقوم بحجته على الكافرين به، وهو أنه صلى الله عليه وسلم بعث في زمن الفصاحة والبلاغة، فلو كان ممن يقرأ ويكتب لتوجه للطاعن الطعن مع أنه مع شدة فصاحة أهل بيته وتميزهم فيها على فصاحة قريش كلها وإتقان المعرفة بالكتابة والخط أن يأتي بما أتى به من القرآن فيتبع لقريش الحجة بذلك، وحاش له معرفة الكتابة ليكون له ذلك معجزا يبطل به دعواهم، ويحصن، حجتهم ويكذب أقوالهم، إذ كان قد أتى العرب من رجل أي ما أنجزه، ومنعهم عن الإتيان بمثله.