الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد خرّج هذا الحديث أبو عبد الرحمن النسائي في (السنن الكبير) من حديث الزبير وغيره.
السابعة: كان له صلى الله عليه وسلم أن يقضي بعلمه وفي غير خلاف مشهود حاصله ثلاثة أقوال لجواز المنع، وفي غير الحدود، وشاهد حكمه عليه السلام بعلمه حديث هند بنت عتبة
خرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: جاءت هند بنت عتبة إلى
[ (1) ] رواه البخاريّ في البيوع، باب من أجرى أمر الأنصار على ما يتعارفون بينهم، وفي المظالم، باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه، وفي النفقات، باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها، ونفقة الولد، وباب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف، وباب وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ، وفي الإيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الأحكام، باب من رأى للقاضي أن يحكم بعلمه في أمر الناس إذا لم يخف الظنون والتهمة، وباب القضاء على الغائب.
[ (2) ] ومسلم في الأقضية، باب قضية هند، حديث رقم (1714) ، وأبو داود في البيوع، باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده، حديث رقم (3532) ، والنسائي في القضاة، باب قضاء الحاكم على الغائب إذا عرفه، 8/ 246.
قال الإمام النووي: في هذا الحديث فوائد، منها: وجوب نفقة الزوجية، ومنها وجوب نفقة الأولاد الفقراء الصغار، ومنها أن النفقة مقدرة بالكفاية لا بالأمداد، ومذهب أصحابنا أن نفقة القريب مقدرة بالكفاية كما هو ظاهر هذا الحديث، ونفقة الزوجة مقدرة بالأمداد: على الموسر كل يوم مدّان، وعلى المعسر مدّ، وعلى المتوسط مدّ ونصف، وهذا الحديث يرد على أصحابنا.
ومنها جواز سماع الأجنبية عند الإفتاء والحكم، وكذا ما في معناه، ومنها جواز ذكر الإنسان بما يكرهه إذا كان للاستفتاء والشكوي، ونحوهما، ومنها أن من له على غير حق وهو
_________
[ () ] عاجز عن استيفائه، يجوز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه، وهذا مذهبنا، ومنع ذلك أبو حنيفة ومالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-.
ومنها جواز إطلاق الفتوى، ويكون المراد تعليقا بثبوت ما يقوله المستفتي، ولا يحتاج المفتي أن يقول: إن ثبت كان الحكم كذا وكذا، بل يجوز له الإطلاق كما أطلق النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قال ذلك فلا بأس.
ومنها أن للمرأة مدخلا في كفالة أولادها والإنفاق عليهم من مال أبيهم. قال أصحابنا: إذا امتنع الأب من الإنفاق على الصغير، أو كان غائبا، أذن القاضي لأمة في الأخذ من آل الأب أو الاستقراض عليه، والإنفاق على الصغير، بشرط أهليتها، وهل لها الاستقلال بالأخذ من ماله بغير إذن القاضي؟ فيه وجهان مبنيان على وجهين لأصحابنا في أن إذن النبي صلى الله عليه وسلم لهند امرأة أبي سفيان إفتاء أم قضاء، والأصح أنه كان إفتاء، وأن هذا يجري في كل امرأة أشبهتها فيجوز، والثاني: كان قضاء، فلا يجوز لغيرها إلا بإذن القاضي، واللَّه- تعالى- أعلم.
ومنها اعتماد العرف في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعيّ، ومنها جواز خروج المزوجة من بيتها لحاجتها إذا أذن لها زوجها في ذلك أو علمت رضاه.
واستدل به جماعات من أصحابنا وغيرهم على جواز القضاء على الغائب، وفي المسألة خلاف للعلماء، قال أبو حنيفة وسائر الكوفيين لا يقضي عليه بشيء. وقال الشافعيّ والجمهور:
يقضي عليه في حقوق الآدميين، ولا يقضي في حقوق اللَّه- تعالى-.
ولا يصح الاستدلال بهذا الحديث للمسألة، لأن هذه القضية كانت بمكة، وكان أبو سفيان حاضرا بها، وشرط القضاء على الغائب أن يكون غائبا عن البلد، أو مستترا لا يقدر عليه، أو متعذرا، ولم يكن هذا الشرط في أبي سفيان موجودا، فلا يكون قضاء على الغائب، بل هو إفتاء كما سبق واللَّه- تبارك وتعالى أعلم. (شرح مسلم) .
قال القاضي عياض- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أرادت بقولها: أهل خباء، نفسه صلى الله عليه وسلم فكنت عنه بأهل الخباء إجلالا له صلى الله عليه وسلم، قال: ويحتمل أنها تريد بأهل الخباء أهل بيته، والخباء يعبر عن مسكن الرجل وداره.
وأما
قوله صلى الله عليه وسلم: وأيضا والّذي نفسي بيده،
فمعناه وستزيدين من ذلك، ويتمكن الإيمان من قلبك، ويزيد حبك للَّه ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ويقوى رجوعك عن بعضه، وأصل هذه اللفظة: آض يئض أيضا إذا رجع. ورجل مسيك، أي شحيح وبخيل.
النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: واللَّه يا رسول اللَّه ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إليّ من أن يذلهم اللَّه، وقال البخاريّ: أن يذلوا من أهل خبائك، وما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزهم اللَّه من أهل خبائك، وقال البخاريّ: إن يعزوا من أهل خبائك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأيضا والّذي نفسي بيده، ثم قالت: يا رسول اللَّه إن أبا سفيان رجل ممسك، وقال البخاريّ:
مسيك، فهل عليّ من حرج أن أنفق على عياله من ماله بغير إذنه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا حرج عليك أن تنفقي عليهم بالمعروف.
وقال البخاريّ: فهل عليّ من حرج من أن أطعم من الّذي له عيالنا؟ قال لها: لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف ولم يقل في الحديث: وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: وأيضا والّذي نفسي بيده.
وخرّجه البخاريّ في الأحكام، وترجم عليه باب القضاء على الغائب وحكم القاضي بعلمه إذا لم يخف الظنون والتهمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف وذلك إذا كان مشهودا.
وخرّجه في كتاب النذور والإيمان وفي كتاب المناقب وذكره في كتاب النفقات [ (1) ] مختصرا. وخرّجاه أيضا من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.
وخرّجه النسائي أيضا [ (2) ] ، واستدل به البيهقيّ [ (3) ] قد اختلف في قوله عليه السلام خذي من ماله ما يكفيك بالمعروف
وهل هو قضاء أو إفتاء جزم الرافعي والنووي في (الروضة)[ (4) ] على أنه قضاء، ذكره النووي في القضاء على
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ] راجع التعليق السابق.
[ (3) ](السنن الكبرى) : 7/ 66- 67، كتاب النكاح، باب ما أبيح له صلى الله عليه وسلم من القضاء، بعلمه، وفي قضاء غيره بعلم نفسه قولان.
[ (4) ](روضة الطالبين) : 5/ 352، كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في النكاح وغيره.
الغائب، وذكره في نفقة الأقارب أنه إفتاء وهو مبني على أنه كان أبو سفيان حاضرا أو غائبا وفيه قولان [ (1) ] .
قال الخطابي [ (2) ] وقد ذكر الحديث: وفيه جواز الحكم بعلمه وذلك أنه لم يكلفها البينة فيما ادعته من ذلك، إذ كان قد علم صلى الله عليه وسلم ما بينهما من الزوجية، وأنه كان كالمستفيض عندهم بخل أبي سفيان، وما كان ينسب إليه من الشح، وظاهر إطلاق الأصحاب أن له صلى الله عليه وسلم أن يقضي بعلمه مطلقا سواء الحدود وغيرها.
[ (1) ] سبق أن أشرنا إليه مستفيضا.
[ (2) ](معالم السنن) : 3/ 803، كتاب البيوع والإجارات، باب (81) في الرجل يأخذ حقه من تحت يده، شرح الحديث رقم (3532)، ثم قال: وفيه جواز أن يقضي الرجل حقه من مال عنده لرجل له عليه حق يمعنه منه، وسواء كان ذلك من جنس حقه أو من غير جنس حقه، وذلك لأن معلوما أن منزل الرجل الشحيح لا يجمع كل ما يحتاج إليه من النفقة والكسوة وسائر المرافق التي تلزمه لهم، ثم أطلق إذنها في أخذ كفايتها وكفاية أولادها من ماله، ويدل على صحة ذلك قولها في غير هذه الرواية:«إن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يدخل عليّ بيتي ما يكفيني وولدي» .
قال الشيخ: وقد استدل بعضهم من معنى هذا الحديث على وجوب نفقة خادم المرأة على الزوج، قال: وذلك أن أبا سفيان رجل رئيس في قومه، ويبعد أن يتوهم عليه أن يمنع زوجته نفقتها، ويشبه أن يكون ذلك منه في نفقة خادمها، فوقعت الإضافة في ذلك إليها، إذا كانت الخادم داخلة في ضمنها، ومعدودة في جملتها. واللَّه- تبارك وتعالى أعلم. (معالم السنن) .