الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السابعة: مشاورة ذوي الأحلام في الأمور
قال ابن سيده: وأشار عليه بأمر كذا، أمره به، وهي الشورى، والمشورة مفعلة، ولا تكون مفعولة لأنها مصدر، والمصادر لا تجيء على مثال مفعول، وإن جاءت على مثال مفعول، وكذلك المشورة، وشاور مشاورة وشوارا، واستشاره طلب منه المشورة.
وقال الراغب [ (1) ] : والمشاورة واستخراج صائب الرأي عن الغير، واشتقاقه من شرت العسل وشورته إذا أظهرت ماله من الجري.
قلت اختلف في مشاورة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه، هل كانت واجبة عليه، أو مستحبة؟ فالصحيح عند أصحابنا أنها كانت واجبة عليه لقوله- تعالى-:
وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [ (2) ] وظاهر الأمر الوجوب وذهب قوم إلى أنها كانت مستحبة، وقاسوا ذلك على غيره، وقالوا: الأمر للاستحباب من أجل استمالة قلوب أصحابه وحكى ذلك ابن القشيري عن نص الشافعيّ- رحمه الله، وأنه جعله
كقوله صلى الله عليه وسلم: والبكر تستأمر تطبيبا لقلبها، إلا أنه واجب،
وهو قول الحسن، فإنه قال: قد [فعله حتى] يستن به من بعده.
وفي رواية: لقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غنيا عن المشاورة، ولكنه أراد أن يستن بذلك الحكام بعده.
وقال الشافعيّ- رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهريّ، قال: قال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ما رأيت أحدا أكثر
[ (1) ] لفظ الراغب: التشاور، والمشاورة، والمشورة: استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض، من قولهم: شرت العسل إذا اتخذته من موضعه، واستخرجته منه، قال- تعالى-:
وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، والشورى: الأمر الّذي يتشاور فيه، قال- تعالى-: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ. (المفردات في غريب القرآن) : 270.
[ (2) ] آل عمران: 159.
مشورة لأصحابه من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [ (1) ] . ورواه الإمام أحمد وعبد الرزاق، وفي (سنن البيهقيّ) ، وفي إسناده انقطاع.
وروى أبو عبد الرحمن السلمي، من طريق محمد بن يزيد بن عبادة بن كثير، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: لما نزلت هذه الآية: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [ (2) ]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن اللَّه ورسوله غنيان عنها، ولكن جعلها رحمة في أمتي، فمن شاور منهم لم يعدم رشدا، ومن ترك المشورة منهم لم يعدم غيا،
فعلى هذا لا تبقى المشورة من الخصائص.
وقال الراغب: وقيل: كان سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شق عليهم، فأمر اللَّه رسوله صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه لئلا يثقل عليهم استبداده بالرأي دونهم، قال- تعالى-: فَإِذا عَزَمْتَ [ (3) ] أي قطعت الرأي على شيء بعد الشورى فتوكل على اللَّه في إمضاء أمرك وقرئ: فَإِذا عَزَمْتَ [ (4) ] بضم التاء أي عزمت لك على شيء فتوكل عليّ ولا تشاور بعد ذلك أحدا، والعزم ثبات الرأي على الأمر، نحو اجتماع الرأي، والتوكل على اللَّه الثقة به، والوقوف حيثما وقف، ونبه- تعالى- بقوله: فَبِما رَحْمَةٍ [ (5) ] على نعمته علي النبي صلى الله عليه وسلم أولا، وعلى أمته ثانيا، وأمر بالعفو عن تقصيرهم فيما يلزمهم له، وأن يستغفر لهم من ذلك، ثم أمره بإجراء نفسه أحدهم في الرأي، الّذي هو خاص بالإنسان، وقال- تعالى-: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [ (6) ] أي فإن قاربتهم هذه المقاربة فليكن اعتمادك على اللَّه [وتوكلك عليه] ، ومشاورته صلى الله عليه وسلم لأصحابه ليقتدي به غيره، وقيل: تطيبا لقلوبهم.
[ (1) ] سبق تخريجه.
[ (2) ] آل عمران: 159.
[ (3) ] آل عمران: 159.
[ (4) ] آل عمران: 159.
[ (5) ] آل عمران: 159.
[ (6) ] آل عمران: 159.