الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال عبد اللَّه بن محمد بن عقيل: قتل عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سنة خمس وثلاثين، فكانت الفتنة خمس سنين منها أربعة أشهر للحسن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. قاله الإمام أحمد في (المسند)[ (1) ] .
وأما إنذاره صلى الله عليه وسلم بأقوام يؤخرون الصلاة
فخرّج مسلم [ (2) ] عن حماد بن زيد، عن أبي عمران الجونيّ، عن عبد اللَّه بن الصامت، عن أبي ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها؟ قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: صلّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلّ، فإنّها لك نافلة.
وخرّج مسلم [ (3) ] والترمذي [ (4) ] من حديث جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، عن عبد اللَّه بن الصامت، عن أبي ذر قال: قال لي رسول
[ (1) ](مسند أحمد) : 1/ 119، حديث رقم (551) من مسند عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 5/ 152- 153، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب (41) كراهية تأخير الصلاة عن وقتها المختار، وما يفعله المأموم إذا أخرها الإمام، حديث رقم (238) .
[ (3) ](المرجع السابق) : حديث رقم (239) .
[ (4) ](سنن الترمذيّ) : 1/ 332- 333، أبواب الصلاة، باب (129) ما جاء في تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام، حديث رقم (176) .
قال الإمام النووي في (شرح مسلم) : معنى يميتون الصلاة: يؤخرنها فيجعلونها كالميت الّذي خرجت روحه، والمراد بتأخيرها عن وقتها، أي وقتها المختار، لا عن جميع وقتها، فإن المنقول عن الأمراء المتقدمين والمتأخرين إنما هو تأخيرها عن وقتها المختار، ولم يؤخرها أحد منهم عن جميع وقتها، فوجب حمل هذه الأخبار على ما هو الواقع.
وقال الحافظ في (الفتح) : قال المهلب: المراد بتضييعها تأخيرها عن وقتها المستحب، لا أنهم أخرجوها عن الوقت. كذا قال: وتبعه جماعة، وهو مخالف للواقع، فقد صح أن
اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر إنه سيكون بعدي أمراء يميتون الصلاة، فصلّ الصلاة لوقتها، فإن صليت لوقتها كانت لك نافلة وإلا كنت قد أحرزت صلاتك.
وخرّج مسلم [ (1) ] والنسائي [ (2) ] من حديث يحيى بن حبيب الحارثي، حدثنا خالد بن الحارث قال: حدثنا شعبة، عن بديل قال: سمعت أبا العالية يحدث عن عبد اللَّه بن الصامت عن أبي ذر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وضرب فخذي: كيف أنت إذا بقيت في قوم يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ قال: فما تأمر؟
قال: صلّ الصلاة لوقتها، ثم اذهب لحاجتك، فإن أقيمت الصلاة وأنت في المسجد، فصل.
[ () ] الحجاج وأميره الوليد وغيرهما، كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها، والآثار في ذلك مشهورة، منها: ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريح عن عطاء قال: أخر الوليد الجمعة حتى أمسى، فجئت فصليت الظهر قبل أن أجلس، ثم صليت العصر وأنا جالس ايماء وهو يخطب. وإنما فعل ذلك عطاء خوفا على نفسه من القتل.
ومنها ما رواه أبو نعيم- شيخ البخاريّ- في كتاب الصلاة من طريق أبي بكر بن عتبة، قال: صليت إلى جنب أبي جحيفة، فمسي الحجاج بالصلاة، فقام أبو جحيفة فصلى.
ومن طريق ابن عمر: أنه كان يصلي مع الحجاج، فلما أخر الصلاة ترك أن يشهدها معه، فنظرت إلى سعيد بن جبير وعطاء يومئان إيماء وهما قاعدان.
قال أبو عيسى: وفي الباب عن عبد اللَّه بن مسعود، وعبادة بن الصامت، قال: وحديث أبي ذر حديث حسن [بل هو حديث صحيح، رواه مسلم، وأبو داود، والدارميّ، ونسبه إلى المنذريّ أيضا وابن ماجة] .
قال أبو عيسى: وهو قول غير واحد من أهل العلم: يستحبون أن يصلي الرجل الصلاة لميقاتها إذا أخرها الإمام، ثم يصلى مع الإمام، والصلاة الأولى المكتوبة عند أكثر أهل العلم.
وأبو عمران الجونيّ اسمه: عبد الملك بن حبيب.
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 5/ 155، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب (41) كراهية تأخير الصلاة عن وقتها المختار، وما يفعله المأموم إذا أخرها، حديث رقم (241) .
[ (2) ](سنن النسائي) : 2/ 409- 410، كتاب الإمامة، باب (2) الصلاة مع أئمة الجور، حديث رقم (777) .
وخرّجاه [ (1) ] من حديث إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب عن أبي العالية البراء قال: أخر ابن زياد الصلاة، فجاءني عبد اللَّه بن الصامت، فألقيت له كرسيا، فجلس عليه، فذكرت له صنيع ابن زياد، فعض على شفته وضرب على فخذي وقال: إني سألت أبا ذرّ كما سألتني فضرب فخذي كما ضربت فخذك، وقال: إني سألت رسول اللَّه ص كما سألتني، فضرب فخذي كما ضربت فخذك، وقال: صلّ الصلاة لوقتها فإن أدركتك الصلاة معهم فصلّ ولا تقل: إني قد صليت، فلا أصلي.
وخرّجاه [ (2) ] من حديث خالد بن الحارث قال: عن شعبة، عن أبي نعامة، عن عبد اللَّه بن الصامت، عن أبي ذر قال: كيف أنتم؟ أو قال: كيف أنت إذا بقيت في قوم يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ فصلّ الصلاة لوقتها، ثم إن أقيمت الصلاة فصلّ معهم فإنّها زيادة خير.
وخرّج مسلم [ (3) ] من طريق مطر، عن أبي العالية البراء قال: قلت لعبد اللَّه بن الصامت: نصلي يوم الجمعة خلف أمراء، فيؤخرون الصلاة، قال:
فضرب فخذي ضربة أوجعتني وقال: سألت أبا ذر عن ذلك، فضرب فخذي، وقال: سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: صلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة.
ولابن الجارود من حديث أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن زرّ بن حبيش، عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لعلكم تدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها، فإن أدركتموهم، فصلوا في بيوتكم الوقت الّذي تعرفون، ثم صلوا معهم، واجعلوها تسبيح.
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : حديث رقم (242) ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة.
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : حديث رقم (243) ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة.
[ (3) ](مسلم بشرح النووي) : حديث رقم (244)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ثم قال بعقبة:
قال: وقال عبد اللَّه: ذكر لي أن نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم ضرب فخذ أبي ذر.
وقال ابن عبد البر: وقد روى الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم عبادة بن الصامت، وعامر بن ربيعة، وقبيصة بن وقاص، ومعاذ بن جبل، كما رواه أبو ذر، وابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وهي آثار صحاح كلها ثابتة.
خرّج البيهقيّ من طريق عبد اللَّه بن عثمان بن خيثم، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعود، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنه سيلي أمركم قوم يطفئون السنة، ويحدثون البدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها.
قال ابن مسعود: فكيف أصنع يا رسول اللَّه إن أدركتهم؟ قال: يا ابن أم عبد لا طاعة لمن عصى اللَّه، قالها ثلاثا [ (1) ] .
ومن طريق ابن خثيم، عن القاسم بن عبد الرحمن أن أباه أخبره أن الوليد بن عقبة أخر الصلاة بالكوفة وأنا جالس مع أبي في المسجد، فقام عبد اللَّه بن مسعود، فثوب بالصلاة، فصلى بالناس، فأرسل الوليد إليه: ما حملك على ما صنعت، أجاءك من أمير المؤمنين أمر؟ فسمع وطاعة، أم ابتدعت الّذي صنعت؟ قال: لم يأتنا من أمير المؤمنين أمر، ومعاذ اللَّه أن أكون ابتدعت أبى اللَّه علينا ورسوله أن ننتظرك في صلاتنا ونتبع حاجتك [ (2) ] .
وروى ابن يونس من طريق عيسى بن حماد، عن ابن وهب، عن عمرو بن مالك، وحيوة بن شريح، عن ابن الهاد، قال: خرجت أنا وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن القاسم، فقال ربيعة: سأل رجل القاسم بن محمد وأنا وعبد الرحمن معه، وذلك في إمرة ابن حبان، وكان ابن حبان يؤخر الصلاة، وكان الناس يومئذ لا يصلون الصلاة معهم حتى يذهب وقتها، فقال له رجل: يا أبا محمد صليت قبله؟ - يعني ابن حبان- قال: نعم، قال:
وتصلي معهم أيضا؟ قال: نعم، قال: تصلي مرتين؟ فقال القاسم: نعم أصلى مرتين أحب إليّ من أن لا أصلي.
[ (1) ](دلائل البيهقيّ) : 6/ 396، باب ما جاء في في إخباره صلى الله عليه وسلم عبد اللَّه بن مسعود وغيره بأنهم يدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها، وما ظهر من صدقة فيما قال. وأخرجه ابن ماجة في كتاب الجهاد، باب (40) لا طاعة في معصية اللَّه، حديث رقم (2865) .
[ (2) ](المرجع السابق) : 397.
وقال عيسى بن حماد: قلت لعبد اللَّه بن وهب: فما كان يمنعهم أن يصلوا في منازلهم، ولا يحضروا معهم؟ قال: لم يكن يمكنهم ذلك، كان من تخلف عنهم عوقب أشد العقوبة.
قال ابن وهب: حدثني الحارث بن نبهان، عن سليمان بن عمرو عن محمد بن إسماعيل قال: كنت بين عطاء، وسعيد بن جبير، والحجاج بن يوسف يخطب، وقد أخر الصلاة حتى كادت تفوت، قال: فرأيت عطاء، وسعيد بن جبير يصليان إيماء.
وذكر ابن عبد البر من حديث حفص بن غياث، عن عقبة بن معتب، قال: كنا نصلي مع الحجاج الجمعة، ثم ننصرف فنبادر مسجد سماك نصلي العصر.
وعن ابن جريح، عن عطاء قال: أخّر الوليد مرة الجمعة حتى أمسى، قال: فصلينا الظهر قبل أن أجلس، ثم صليت العصر وأنا جالس وهو يخطب، قال أضع يدي على ركبتي، وأومى إيماء برأسي.
وعن الثوري، عن محمد بن إسماعيل قال: رأيت سعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، أخّر الوليد بن عبد الملك الصلاة، فرأيتهما يومئان إيماء وهما قاعدان.
وعن الثوري، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق وأبى عبيدة أنهما كانا يصليان الظهر إذا حانت الظهر، وإذا حانت العصر صليا العصر في المسجد مكانهما، وكان ابن زياد يؤخر الظهر والعصر.
وعن إسرائيل، عن عامر بن شقيق، عن شقيق قال: كان يأمرنا أن نصلي الجمعة في بيوتنا، ثم نأتي المسجد وذلك أن الحجاج كان يؤخر الصلاة.
وقال أبو زرعة عن أبي مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز قال: كانوا يؤخرون الصلاة في أيام الوليد بن عبد الملك، ويستحلون الناس أنهم ما صلوا، فأتى عبد اللَّه بن أبي زكريا، فاستحلف أنه ما صلى، وقد كان صلى، وأتى مكحول، فقال: فلما جئنا إذن؟ فترك.
قال ابن عبد البر: وكانت ملوك بنى أمية على تأخير الصلاة، كان ذلك شأنهم قديما من زمن عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقد كان الوليد
ابن عقبة يؤخرها في زمن عثمان، وكان ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ينكر ذلك عليه، ومن أجل ذلك حدث ابن مسعود بالحديث في ذلك، وكانت وفاة ابن مسعود في خلافة عثمان، قال: وإنما صلّى من صلّى إيماء وقاعدا لخوف خروج الوقت، وللخوف على نفسه القتل والضرب، ومن كان شأنه التأخير لم يؤمن عليه فوات الوقت من المدينة والشام إلا على إنكاره عليهم تأخير الصلاة، ولا يصح عندي إخراجه من المدينة ذلك، وإنما حمل العلماء- واللَّه أعلم- الصلاة معهم أمره صلى الله عليه وسلم بذلك، وحضه على لزوم الجماعة،
وفي قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: كيف بك يا أبا ذر إذا كان عليك أمراء؟
ويقوله لكبار الصحابة الذين رووا الحديث: يكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة، دليل على تأخير الصلاة عن وقتها، وقد كان قبل زمن الوليد بن عبد الملك لأن أبا ذر توفى في خلافة عثمان بالربذة [ (1) ] ، ودفن بها على قارعة الطريق، وصلّى عليه ابن مسعود منصرفه من الكوفة إلى المدينة، وتوفى ابن مسعود بالمدينة بعد ذلك بيسير، وفي
قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر وغيره: سيكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها،
ولم يقل: خلفا، دليل على أن عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لم يكن يؤخر الصلاة، ولا يظن ذلك مسلم به لأن عثمان من الخلفاء لا من الأمراء،
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، فسماهم خلفاء، وقال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم إمارة، وملكا، وجبروتا،
فتضمنت الخلافة هذه الأربعة.
[ (1) ] الرَّبَذَة: من قرى المدينة على ثلاثة أيام، قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة، وبهذا الموضع قبر أبي ذرّ الغفاريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- واسمه جندب بن جنادة. (معجم البلدان) : / 27، موضع رقم (5353) مختصرا.