الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثاني: المحرمات المتعلقة بالنكاح
وفيه مسائل:
الأولى: إمساك من كرهت نكاحه ورغبت عنه محرم عليه على الصحيح
بخلاف غيره من يخير امرأته فإنّها لو اختارت فراقه لما وجب عليه فراقا، وقال بعضهم: بل كان يفارقها تكرما. [وهو][ (1) ] حديث غريب كما قاله الرافعي [ (2) ] .
واستند من قال بالتحريم بما
خرّجه البخاريّ من طريق الأوزاعي [ (3) ]، سألت الزهريّ: أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استعاذت منه؟ قال: أخبرني عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن ابنة الجون لما أدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ودنا منها، قالت: أعوذ باللَّه منك، فقال لها: لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك.
وخرّج أيضا من طريق حمزة بن أبي أسيد [ (4) ]، عن أبي أسيد [- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-] [ (5) ] قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجلسوا ها هنا ودخل، وقد أتى بالجونية فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت
[ (1) ] زيادة للسياق.
[ (2) ](روضة الطالبين) : 5/ 350، كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في النكاح وغيره.
[ (3) ](فتح الباري) : 9/ 455، كتاب الطلاق، باب (3) من طلق، هل يواجه الرجل امرأته بالطلاق، حديث رقم (5254) .
[ (4) ](المرجع السابق) : حديث رقم (5255) .
[ (5) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
النعمان بن شراحبيل ومعها دايتها حاضنة لها فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم قال:
هبي نفسك لي قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة؟ قال: فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن فقالت: أعوذ باللَّه منك قال: قد عذت بمعاذ ثم خرج علينا فقال: يا أبا أسيد، اكسها رازقين وألحقها بأهلها.
وقال الحسين بن الوليد النيسابورىّ: عن عبد الرحمن، عن عباس، عن سهل عن أبيه وأبي أسيد قالا: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل فلما أدخلت عليه بسط يده إليها، فكأنها كرهت ذلك، فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقين.
ترجم عليه البخاريّ باب [باب من طلق][ (1) ] ، هل يواجه الرجل امرأته بالطلاق؟.
[ (1) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
والسوقة بضم السين المهملة، يقال للواحد من الرعية والجمع، قيل لهم ذلك لأن الملك يسوقهم فيساقون إليه ويصرفهم على مراده، وأما أهل السوق فالواحد منهم سوقيّ. قال ابن المنير: هذا من بقية ما كان فيها من الجاهلية، والسوق عندهم من ليس بملك كائنا من كان، فكأنها استبعدت أن يتزوج الملكة من ليس بملك، ولم يؤاخذها النبي صلى الله عليه وسلم بكلامها معذرة لها لقرب عهدها بجاهليتها. وقال غيره: يحتمل أنها لم تعرفه صلى الله عليه وسلم فخاطبته بذلك، وسياق القصة من مجموع طرقها يأبى هذا الاحتمال.
وسيأتي في الحديث التالي من طريق أبي حازم عن سهل بن سعد قال: «ذكر للنّبيّ صلى الله عليه وسلم امرأة من العرب، فأمر أبا أسيد الساعديّ أن يرسل إليها، فقدمت، فنزلت في أجم بني ساعدة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاء بها فدخل عليها فإذا امرأة منكسة رأسها، فلما كلمها قالت: أعوذ باللَّه منك، قال: لقد اعذت مني.
فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ هذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جاء ليخطبك، قالت: كنت أشقى من ذلك» . فإن كانت القصة واحدة فلا يكون قوله في حديث الباب:
«ألحقها بأهلها» ،
ولا قوله في حديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-:
«الحقي بأهلك»
تطليقا، ويتعين أنها لم تعرفه.
وإن كانت القصة متعددة- ولا مانع من ذلك- فلعل هذه المرأة هي الكلابية التي وقع فيها الاضطراب.
_________
[ () ] وقد ذكر ابن سعد بسند فيه العزرميّ الضعيف، عن ابن عمر، قال:«كان في نساء النبي صلى الله عليه وسلم سنا بنت سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا سعيد الساعديّ يخطب عليه امرأة من بني عامر يقال لها: عمرة بنت يزيد بن عبيد بن رؤاس بن كلاب بن ربيعة بن عامر، قال ابن سعد: اختلف علينا اسم الكلابية فقيل: فاطمة بنت الضحاك بن سفيان، وقيل: عمرة بنت يزيد بن عبيد، وقيل: سنا بنت سفيان بن عوف، وقيل: العالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف» .
«فقال بعضهم: هي واحدة اختلف في اسمها، وقال بعضهم: بل كن جميعا، ولكن لكل واحدة منهن قصة غير قصة صاحبتها» ، ثم ترجم الجونية فقال: أسماء بنت النعمان.
ثم
أخرج من طريق عبد الواحد بن أبي عون قال: «قدم النعمان بن أبي الجون الكندي على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مسلما، فقال: يا رسول اللَّه، ألا أزوجك أجمل أيم في العرب، كانت تحت ابن عم لها فتوفى، وقد رغبت فيك؟ قال: نعم، قال: فابعث من يحملها إليك، فبعث معه أبا أسيد الساعديّ،
قال أبو أسيد: فأقمت ثلاثة أيام ثم تحملت معي في محفة، فأقبلت بها حتى قدمت المدينة، فأنزلتها في بني ساعدة، ووجهت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو في بني عمرو بن عوف فأخبرته «الحديث. قال ابن عون: وكان ذلك في ربيع الأول سنة تسع، ثم أخرج من طريق أخرى عن عمر بن الحكم، عن أبي أسيد، قال:«بعثني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الجونية فحملتها حتى نزلت بها في أطم بني ساعدة، ثم جئت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فخرج يمشي على رجليه حتى جاءها «الحديث» .
ومن طريق سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، قال: اسم الجونية أسماء بنت النعمان بن أبي الجون، قيل لها: استعيذي منه فإنه أحظى لك عنده، وخدعت لما رئي من جمالها، وذكر لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من حملها على ما قالت،
فقال صلى الله عليه وسلم: «إنهن صواحب يوسف وكيدهن» .
فهذه تتنزل قصتها على حديث أبي حازم عن سهل بن سعد.
وأما القصة التي في حديث الباب من رواية عائشة، فيمكن أن تنزل على هذه أيضا، فإنه ليس فيها إلا الاستعاذة، والقصة التي في حديث أبي أسيد فيها أشياء مغايرة لهذه القصة، فيقوى التعدد، ويقوى أن التي في حديث أبي أسيد اسمها أميمة، والتي في حديث سهل اسمها أسماء، بل جاء ليخطبها فقط.
_________
[ () ] قوله: «فأهوى بيده» أي أمالها إليها. ووقع في رواية ابن سعد: «فأهوى إليها ليقبلها، وكان إذا اختلى النساء أقعى وقبّل» وفي رواية لابن سعد: «فدخل عليها داخل من النساء وكانت من أجمل النساء فقالت: إنك من الملوك، فإن كنت تريدين أن تحظي عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فإذا جاءك فاستعيذي منه» ، ووقع عنده عن هشام بن محمد عن عبد الرحمن بن الغسيل بإسناد حديث الباب:«أن عائشة وحفصة دخلتا عليها أول ما قدمت فمشطتاها وخضبتاها، وقالت لها إحداهما: إن النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول: أعوذ باللَّه منك» .
قوله صلى الله عليه وسلم: «قد عذت بمعاذ»
هو بفتح الميم ما يستعاذ به، أو اسم مكان العوذ، والتنوين فيه للتعظيم. وفي رواية ابن سعد: «فقال بمكة على وجهه
وقال: عذت معاذا ثلاث مرات
»
وفي أخرى له: «فقال: أمن عائذ اللَّه» .
قوله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا أسيد اكسها رازقين»
براء ثم زاي ثم قاف بالتثنية صفة موصوف محذوف للعلم به. والرازقية ثياب من كتان بيض طوال. قاله أبو عبيدة وقال غيره: يكون في داخل بياضها زرقه، والرازقي الصفيق. قال ابن التين: متعها بذلك إما وجوبا وإما تفضلا.
قوله صلى الله عليه وسلم: «وألحقها بأهلها»
قال ابن بطال: ليس في هذا أنه صلى الله عليه وسلم واجهها بالطلاق، وتعقبه ابن المنير بأن ذلك ثبت في حديث عائشة [أول أحاديث الباب]، فيحمل على أنه صلى الله عليه وسلم قال لها:
الحقي بأهلك،
ثم
لما خرج إلى أبي أسيد قال له: ألحقها بأهلها،
فلا منافاة، فالأول قصد بالطلاق، والثاني أراد به حقيقة اللفظ، وهو أن يعيدها إلى أهلها، لأن أبا أسيد هو الّذي كان أحضرها كما ذكرناه.
ووقع في رواية لابن سعد، عن أبي أسيد قال:«فأمرني فرددتها إلى قومها» وفي أخرى له: «فلما وصلت بها تصايحوا وقالوا: إنك لغير مباركة، فما دهاك؟ قالت: خدعت. قال:
فتوفيت في خلافة عثمان» . قال: «وحدثني هشام بن محمد عن أبي خيثمة زهير بن معاوية أنها ماتت كمدا «ثم روى بسند فيه الكلبيّ» أن المهاجر بن أبي أمية تزوجها، فأراد عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- معاقبتها، فقالت: ما ضرب عليّ الحجاب، ولا سميت أم المؤمنين. فكفّ عنها» .
وعن الواقديّ: سمعت من يقول: إن عكرمة بن أبي جهل خلف عليها، قال: وليس ذلك بثبت. ولعل ابن بطال أراد أنه لم يواجهها بلفظ الطلاق. وقد أخرج ابن سعد من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن الوليد بن عبد الملك إليه يسأله، فكتب إليه: ما تزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
وخرّج البخاريّ في كتاب الأشربة في باب الشرب من قدح النبي صلى الله عليه وسلم وآنيته، من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد قال: ذكر لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم امرأة من العرب فأمر أبا أسيد أن يرسل إليها، فأرسل إليها فقدمت، فأنزلت في أجم بني ساعدة فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى جاءها فدخل عليها فإذا امرأة منكسة رأسها فلما كلمها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالت: أعوذ باللَّه منك، فقال: قد أعذتك مني،
فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ فقالت: لا فقالوا: هذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جاءك ليخطبك فقالت: كنت أنا أشقى من ذلك. قال سهيل: فأقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومئذ حتى جلس في سقيفة بني ساعدة هو وأصحابه، ثم قال: اسقنا يا سهل، فأخرجت لهم هذا القدح فأسقيتهم فيه، قال أبو حازم: فأخرج لنا سهل ذلك القدح فشربنا فيه [ (1) ]، قال: ثم استوهبه بعد ذلك عمر بن عبد العزيز فوهبه له [ (2) ] .
وخرّجه مسلم وهذه سياقته [ (3) ] .
[ () ] كندية إلا أخت بني الجون فملكها. فلما قدمت المدينة نظر إليها فطلقها ولم يبن بها. فقوله:
فطلقها، يحتمل أن يكون باللفظ المذكور قبل، ويحتمل أن يكون واجهها بلفظ الطلاق، ولعل هذا هو السرّ في إيراد الترجمة بلفظ الاستفهام دون بت الحكم. واعترض بعضهم بأنه لم يتزوجها إذ لم يجر ذكر صورة العقد، وامتنعت أن تهب له نفسها فكيف يطلقها؟.
والجواب أنه صلى الله عليه وسلم كان له أن يزوج من نفسه بغير إذن المرأة وبغير إذن وليها، فكان مجرد إرساله إليها، وإحضارها، ورغبته فيها كان كافيا في ذلك، ويكون
قوله صلى الله عليه وسلم «هبي لي نفسك»
تطييبا لخاطرها، واستمالة لقلبها، ويؤيده قوله في رواية لابن سعد:«أنه اتفق مع أبيها على مقدار صداقها، وأن أباها قال له: إنها رغبت فيك وخطبت إليك» .
وفي الحديث أن من قال لأمرأته: الحقي بأهلك وأراد الطلاق طلقت، فإن لم يرد الطلاق لم تطلق، على ما وقع
في حديث كعب بن مالك الطويل في قصة توبته «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل إليه أن يعتزل امرأته قال لها: الحقي بأهلك فكوني حتى يقضي اللَّه هذا الأمر» . (فتح الباري) مختصرا.
[ (1) ] كذا في (الأصل) وفي (صحيح البخاريّ) : «فأخرجت لهم هذا القدح فأسقيتهم فيه. فأخرج لنا سهل ذلك القدح فشربنا منه» .
وقال البخاريّ: اسقنا يا سهل، وقد قيل: إنّ بين القصتين تغاير فلعلهما قضيتان لامرأتين إحداهما مخطوبة، والأخرى نزولها معقود عليها، وفيه بعد، وفي رواية لابن سعد: علمها نساؤه ذلك وإسناده ضعيف.
وذكره الحاكم في المستدرك [ (1) ] وسيأتي في ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مزيد بيان لذلك، وفيها مما ذكرنا أنه حرم عليه صلى الله عليه وسلم نكاح كل امرأة كرهت صحبته، وجدير أن يكون الأمر كذلك لما فيه من الإيذاء، ويشهد لذلك إيجاب التخيير كما تقدم، وينبغي أن يفرق بالكراهة فإن كانت كراهة المرأة لذاته صلى الله عليه وسلم فإنّها تكفر بذلك، وإن كانت كراهتها لأجل الغيرة فلا.
وقد قال بعضهم: ينبغي أن ينظر في التاريخ، وعلى تقدير أن تكون قصة المستعيذة بعد آية التخيير. ففي سبب نزول آية التخيير أقوال منها: تغاير نسائه عليه. يقول: لم يكرهن صحبته وإنما رغبتهن فيه أوجبت تغايرهن عليه،
[ () ](2)(فتح الباري) : 10/ 121، كتاب الأشربة، باب (30) الشرب من قدح النبي صلى الله عليه وسلم وآنيته، وقال أبو بردة: قال لي عبد اللَّه بن سلام: «ألا أسقيك في قدح شرب النبي صلى الله عليه وسلم فيه؟ «حديث رقم (5637) .
قوله: «قالت: أنا كنت أشقى من ذلك» ليس أفعل التفضيل فيه على ظاهره، بل مرادها إثبات الشقاء لها لما فاتها من التزوج برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، «وسقيفة بني ساعدة» هو المكان الّذي وقعت فيه البيعة لأبي بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالخلافة.
وفي الحديث: التبسط على الصاحب، واستدعاء ما عنده من مأكول ومشروب، وتعظيمه بدعائه بكنيته، والتبرك بآثار الصالحين، واستيهاب الصديق ما لا يشق عليه هبته.
(فتح الباري) : مختصرا.
[ (3) ] لم أجده في (صحيح مسلم) .
[ (1) ](المستدرك) : 4/ 38، كتاب معرفة الصحابة، ذكر الكلابية أو الكندية، حديث رقم (6813) ، وقد سكت عنه الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) ، وحديث رقم (6816)، وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : سنده واه، ويروي عن زهير بن معاوية أنها ماتت كمدا، ويذكر عن هشام ابن الكلبي، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: خلف عن أسماء
…
الخبر.