الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثانية: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يأكل البصل، والثوم، والكراث، وما له رائحة كريهة من البقول
خرّج البخاري [ (1) ] من طريق يونس عن ابن شهاب، زعم عطاء أن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أكل ثوما، أو بصلا، فليعتزلنا، أو فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بقدر فيه خضروات من بقول فوجد لها ريحا، فسأل، فأخبر بما فيه من البقول، فقال: قربوها إلى بعض أصحابه كان معه، فلما رآه أكلها، وقال: كل، فإنّي أناجي من لا تناجي.
[ (1) ](فتح الباري) : 9/ 717- 718، كتاب الأطعمة، باب (49) ما يكره من الثوم والبقول، حديث رقم (5452) .
قوله: (باب ما يكره من الثوم والبقول) أي التي لها رائحة كريهة، وهل النهي عن دخول المسجد لأكلها على التعميم أو على من أكل النيء منها دون المطبوخ؟ وفي هذه الأحاديث بيان جواز أكل الثوم والبصل والكرات، إلا أن من أكلها يكره له حضور المسجد، وقد ألحق بها الفقهاء ما في معناها من البقول الكريهة الرائحة كالفجل، وقد ورد فيه حديث في الطبراني وقيده عياض بمن يتجشى منه، وألحق به بعض الشافعية الشديد البخر ومن به جراحة تفوح منها رائحتها، واختلف في الكراهية: فالجمهور على التنزيه، وعن الظاهرية التحريم، وأغرب عياض فنقل عن أهل الظاهر تحريم تناول هذه الأشياء مطلقا لأنها تمنع حضور الجماعة، والجماعة فرض عين، ولكن صرح ابن حزم بالجواز، ثم يحرم على من يتعاطى ذلك حضور المسجد، وهو أعلم بمذهبه من غيره.
وخرّجه مسلم [ (1) ] وأبو داود [ (2) ]، وقال مالك: عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يأكل الثوم، ولا الكراث، ولا البصل، من أجل الملائكة، ومن أجل أنه يكلم جبريل- عليه السلام.
قال ابن عبد البر: في هذا الحديث من الفقه إباحة أكل الثوم لسائر الناس، لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إنما امتنع من أكل الثوم والبصل والكراث لعلة ليست موجودة في غيره، فصار ذلك خصوصا له.
وقد اختلف هل كان ذلك حراما عليه صلى الله عليه وسلم؟ فيه لأصحابنا وجهان:
أحدهما: يحرم، وبه جزم الماوردي كيلا يتأذى به الملك، وأشبههما لا يحرم عليه، بل كان أكل ذلك مكروها في حقه صلى الله عليه وسلم وإنما كان يمتنع منه ترفعا.
والدليل على ذلك ما
خرّجه مسلم من طريق شعبة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، عن أبي أيوب الأنصاريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، قال كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أتى بطعام أكل منه، وبعث بفضلة إليّ، وأنه بعث إليّ يوما بفضلة لم يأكل منها، لأن فيها ثوما فسألته: أحرام هو؟ قال: لا، ولكني أكرهه من أجل ريحه، قال: فإنّي أكره ما كرهت.
وخرّجه الترمذيّ [ (3) ] وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وخرّجه مسلم [ (4) ] أيضا من طريق عاصم، عن عبد اللَّه بن الحارث، عن أفلح مولى أبي أيوب، عن أبي أيوب، وفيه قصة، وفي آخره: وكان
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 5/ 52- 53، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب (17) نهي من آكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها، حديث رقم (72) .
[ (2) ](سنن أبي داود) : 4/ 170) ، كتاب الأطعمة، باب (41) أكل الثوم، حديث رقم (3822)، وقوله:«فليعتزل مسجدنا» إنما أمره باعتزال المسجد عقوبة له وليس هذا كالمطر والريح العاصف ونحوهما من الأمور، وقد رأيت بعض الناس صنف في الأعذار المانعة عن حضور الجماعة بابا ووضع فيها أكل الثوم والبصل وليس هذا من ذاك في شيء، واللَّه- تعالى- أعلم.
[ (3) ](سنن الترمذيّ) : 4/ 299- 230، كتاب الأطعمة، باب (13) ما جاء في كراهية أكل الثوم والبصل، حديث رقم (1806) .
[ (4) ](سبق تخريجه) .
النبي صلى الله عليه وسلم يؤتي- يعني مجيء الملك
- وهذا صريح في نفي التحريم، وإثبات الكراهة، وعلى هذا الجادة، قال ابن الصلاح: وهذا يبطل وجه التحريم.
وخرّج أبو داود [ (1) ] من حديث بقية عن بجير، عن خالد، عن أبي زياد، عن خيار بن سلمة أنه سأل عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عن البصل، فقالت: إن آخر طعام أكله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طعام فيه بصل.
وخرّجه أحمد [ (2) ] أيضا وهو سند صالح واعترض صاحب (المطلب) بأن حديث أبي أيوب كان في ابتداء الهجرة، والنهي عن أكل الثوم كان عام خيبر كما رواه البخاريّ في (صحيحه) .
وأجيب بما
خرّجه مسلم [ (3) ] من طريق إسماعيل بن علية، عن الجريريّ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: لم نعد أن فتحت خيبر فوقعنا أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في تلك البقلة، الثوم، والناس جياع، فأكلنا منها أكلا شديدا، ثم رحنا إلى المسجد، فوجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الريح فقال: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا فلا يقربنا في المسجد، فقال الناس: حرمت! حرمت! فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أيها الناس! إنه ليس لي تحريم ما أحل اللَّه لي، ولكنها شجرة أكره ريحها.
[ (1) ](سنن أبى داود) : 4/ 173، كتاب الأطعمة، باب (41) في أكل الثوم حديث رقم (3829) .
[ (2) ](مسند أحمد) : 7/ 130، حديث رقم (24064) .
[ (3) ](المرجع السابق) : 5/ 54، حديث رقم (76) .