الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ففي تصرفه قولان:
أحدهما: في المقاتلة، فعلى هذا يصرف جميعه فيهم خاصة.
ثانيهما: أنه يصرف جميعه في المصالح كلها.
وأما الصفيّ فقد سقط حكمه فلا يستحقه أحد بعده صلى الله عليه وسلم
فقد خرّج البخاري ومسلم وأبو داود من حديث مالك عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أردن أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يسألنه ميراثهن من النبي صلى الله عليه وسلم
فقالت عائشة لهن: أليس قد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا صدقة؟ [ (1) ] .
[ () ] ومن حديث صفوان بن عيسى، عن أسامة بن زيد عن الزهريّ، عن مالك بن أوس، قال: كان فيما احتج به عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: كانت لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثلاث صفايا: بنو النضير، وخيبر، وفدك، فأما بنو النضير، فكانت حبسا لنوائبه، وأما فدك فكانت حبسا لابن السبيل، وأما خيبر فجزأها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء، جزأين بين المسلمين، وجزءا لنفقة أهله، فما فضل عن نفقة أهله جعله بين فقراء المسلمين.
قال الشيخ- رحمه الله: وأما الخمس فالآية ناطقة به مع ما روينا في كتاب قسم الفيء، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. (المرجع السابق) .
[ (1) ] أخرجه البخاريّ في الفرائض، باب
قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركناه صدقة،
وفي الجهاد، باب المجن ومن يتترس بترس صاحبه وفرض الخمس، وفي المغازي باب حديث بني النضير، ومخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إليهم في دية الرجلين، وفي تفسير سورة الحشر، باب قوله- تعالى-: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ، وفي النفقات، باب حبس الرجل قوت سنة على أهله، وفي الاعتصام، باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلوّ في الدين والبدع.
_________
[ () ] ومسلم في الجهاد، باب حكم الفيء، حديث رقم (1757) ، والترمذيّ في السير، باب ما جاء في تركة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حديث رقم (1610) ، وأبو داود، حديث رقم (2963) وإسناده صحيح، و (2964) وإسناده صحيح، و (2965) وإسناده صحيح، وفي الخراج والإمارة، باب في صفايا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الأموال، والنسائي: 7/ 136- 137 في قسم الفيء، وإسناده صحيح.
قال القاضي عياض: وقد تأول قوم طلب فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- ميراثها من أبيها على أنها تأولت الحديث- إن كان بلغها- قوله صلى الله عليه وسلم: «لا نورث» على الأموال التي لها بال، فهي التي لا تورث.. لا ما يتركوه من طعام، وأناث، وسلاح. وهذا التأويل خلاف ما ذهب إليه أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، وسائر الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم أجمعين-.
وأما
قوله صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعد نفقة نسائي، ومؤنة عاملي»
فليس معناه: إرثهن منه، بل لكونهن محبوسات عن الأزواج لسببه، أو لعظم حقهن في بيت المال لفظلهن، وقدم هجرتهن، وكونهن أمهات المؤمنين. وكذلك اختصصن بمساكنهن لم يرثها ورثتهن.
قال القاضي: وفي ترك فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- منازعة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعد احتجاجه عليها بالحديث: التسليم للإجماع على القضية، وأنها لما بلغها الحديث، وبين لها التأويل، تركت رأيها، ثم لم يكن منها ولا من أحد من ذريتها بعد ذلك طلب الميراث. ثم لما ولى عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- الخلافة لم يعدل بها عما فعله أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فدل على أن طلب عليّ والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- إنما كان طلب تولى القيام بها بأنفسهما، وقسمتها بينهما كما سبق.
قال: وأما ما ذكر من هجران فاطمة أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، فمعناه: انقباضتها عن لقائه، وليس هذا من الهجران المحرم، الّذي هو ترك السلام والإعراض عند اللقاء، ولم ينقل قط أنهما التقيا فلم تسلم عليه ولا كلمته.
قال العلماء: وفي هذا الحديث: أنه ينبغي أن يولي أمر كل قبيلة سيدهم، ويفوض إليه مصلحتهم، لأنه أعرف بهم وأرفق بحالهم، وأبعد من أن يأنفوا من الانقياد له. ولهذا قال اللَّه- سبحانه وتعالى: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها [النساء: 35] .
ولأبي داود من حديث أسامة بن زيد عن ابن شهاب بإسناده نحوه قالت: قلت ألا تتقين اللَّه؟ ألم تسمعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث ما تركنا فهو صدقة؟ وإنما هو المال لآل محمد، لنا بينهم ولضيفهم، فإذا مت فإلى من يلي الأمر من بعدي. ذكره في كتاب الفيء [ (1) ] .
وخرّج البخاريّ ومسلم من طريق معمر عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة، أن فاطمة والعباس آتيا أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يلتمسان ميراثهما عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهما حينئذ يطلبان أرضيهما من فدك، وسهمهما من خيبر،
فقال أبو بكر: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال.
قال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- واللَّه لا أدع أمرا رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بصنعة فيه إلا صنعته، قال: فهجرته فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلم تكلمه حتى ماتت [ (2) ] .
اللفظ للبخاريّ، خرّجه في الفرائض، وخرجه في المغازي في حديث بني النضير من طريق معمر بهذا الإسناد بمعناه وقال في آخره: إنما يأكل آل محمد في هذا المال واللَّه لقرابة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحب إليّ أن أصل من قرابتي.
وخرّجه من حديث عقيل وصالح بن كيسان ومعمر بأطول من هذا وأشبع، وهي كلها مما اتفق عليه. ولهما أيضا
من حديث ابن المبارك عن يونس، عن الزهري، عن الذهبيّ، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة.
[ () ] وفيه جواز نداء الرجل باسمه من غير كنية، وفيه جواز احتجاب المتولي في وقت الحاجة لطعامه أو وضوئه، ونحو ذلك، وفيه قبول خبر الواحد، وفيه استشهاد الإمام على ما يقوله بحضرة الخصمين العدول لتقوى حجته في إقامة الحق، وقمع الخصم. واللَّه- تعالى- أعلم.
(جامع الأصول) : 2/ 702- 703، هامش، 9/ 636- 640، الأحاديث.
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ] راجع التعليق السابق.
ومن حديث سفيان الثوري، عن أبي الزياد، عن الأعرج، عن أبي هريرة مثله سواء.
ومن حديث حماد بن سلمة [ (1) ] ، عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: جاءت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلي أبي بكر فقالت: من يرثك؟ قال: أهلي وولدي قالت: فما لي لإرث أبي؟ فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث،
ولكني أعول من كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعوله، وأنفق على من كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينفق عليه. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة، حديث حسن غريب من هذا الوجه، إنما أسنده حماد بن سلمة وعبد الوهاب بن عطاء بن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وسألت محمدا عن هذا الحديث فقال: لا أعلم أحدا رواه عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، إلا حماد بن سلمة،
قال أبو عيسى: وروى عبد الوهاب بن عطاء عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة نحو حديث حماد بن سلمة فذكره، ولفظه: أن فاطمة جاءت أبا بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- تسأل ميراثها من رسول اللَّه فقالا: سمعنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:
إني لا أورث، قالت: واللَّه لا أكلمكما أبدا فماتت ولم تكلمهما.
قال علي بن عيسى: معنى لا أكلمكما: يعني في هذا الميراث أنتما صادقان.
قال مؤلفه: تأويل عليّ بن عيسى بن يزيد البغدادي هذا غير موافق عليه، فقد روي الليث، عن عقيل، عن أبي شهاب، عن عروة، عن عائشة
[ (1) ] أخرجه الترمذيّ في السير، باب ما جاء في تركة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (1608) وهو حديث حسن، وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، إنما أسنده حماد بن سلمة وعبد الوهاب بن عطاء بن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبي بكر الصديق، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الترمذيّ: وفي الباب عن عمر وطلحة والزبير، وعبد الرحمن بن عوف وسعد وعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-. (جامع الأصول) : 9/ 639 الحديث رقم (7439) .
طلبت فاطمة ميراثها في أبيها من أبي بكر، وفي الحديث: فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت. اتفق البخاري ومسلم على إخراج هذا الحديث وهذه اللفظة فيه.
وروى إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب هذا الحديث بهذا الإسناد وفيه: فغضبت فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت، واتفقا أيضا على هذا الحديث وانفرد البخاريّ بهذا اللفظ دون مسلم.
وخرّج البخاريّ [ (1) ] في فرض الخمس والوصايا في الفرائض. وخرج مسلم [ (2) ] في الجهاد وأبو داود في كتاب الفيء من حديث مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لا تقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة، فقال أبو داود: ومؤنة عاملي يعني اكرة الأرض.
وخرّجه مسلم أيضا من حديث سفيان عن أبي الزناد بهذا الإسناد نحوه [ (3) ] ،
وخرّج أبو عمر يوسف بن عبد البر حديث لا نورث من طرق عديدة، ثم قال:
فإن قال قائل لو سلمت فاطمة وعلي والعباس ذلك لقول أبي بكر ما أتى على والعباس في ذلك عمر بن الخطاب في خلافته يسألانه ذلك، وقد علمت أنهما أتيا عمر يسألانه ذلك وذلك معلوم.
[ (1) ](جامع الأصول) : 9/ 636، ميراث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وما خلّفه، حديث رقم (7437) ثم قال في هامشه: رواه البخاريّ في الفرائض، باب
قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا صدقة،
وفي الوصايا، باب نفقة القيم للوقف، وفي الجهاد، باب نفقة نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته.
وأخرجه مسلم في الجهاد، باب
قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركناه صدقة،
حديث رقم (1760) ، (1761)، والموطأ: 2/ 993، في الكلام باب ما جاء في تركة النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو داود في الخراج والإمارة، باب صفايا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (2974) .
[ (2) ] راجع التعليق السابق.
[ (3) ] راجع التعليق السابق.
قيل له: أما تشاجر علي والعباس وإقبالهما إلى عمر فمشهود، ولكنهما لم يسألا ذلك ميراثا، إنما سألا ذلك عن عمد ليكون بأيديهما منه ما كان بيد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منه أيام حياته، ليعملا في ذلك بالذي كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعمل به في حياته، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يأخذ منه قوت عامه ثم يجعل ما فضل في الكراع، والسلاح، عدة في سبيل اللَّه، وكذلك صنع أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأراد عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ذلك لأنه موضع يسوغ فيه الاختلاف، وأما الميراث والتمليك فلا يقوله أحد إلا الروافض، وأما علماء الإسلام فعلى قولين:
أحدهما: وهو الأكثر، وعليه الجمهور، أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث وما ترك صدقة.
والآخر: أن بيت النبي صلى الله عليه وسلم لم يورث، لأنه خصه اللَّه- عز وجل بأن جعل ما له صدقه زيادة في فضله.
كما خصه في النكاح بأشياء حرمها عليه أباحها لغيره، وأشياء أباحها له حرمها على غيره، وهذا القول قاله بعض أهل البصرة، منهم ابن علية، وسائر علماء المسلمين على القول الأول. وأما الروافض فليس قولهم مما يشتغل به، ولا يحكى مثله، لما فيه من الطعن على السلف، والمخالفة لسبيل المؤمنين.
وخرج أيضا من حديث عبد اللَّه بن أبي أمية قال: قرئ على مالك، عن ابن شهاب، عن ابن مالك بن أوس بن الحدثان قال: سمعت عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: حدثنا أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول إنا معشر الأنبياء ما تركنا صدقة،
ومن حديث الحميدي [ (1) ] ، حدثنا سفيان عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة بعد نفقة نسائي ومئونة عاملي.
[ (1) ]
(جامع الأصول) : 9/ 636، حديث رقم (7437)، ولفظه: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقتسم ورثتي دينارا، ما تركت بعد نفقة نسائي ومئونة عاملي فهو صدقة» .