الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثالث: ما اختص به من المباحات والتخفيفات توسعة وتنبيها على [أنّ] ما اختص به صلى الله عليه وسلم من الإباحة لا يلهيه عن طاعة اللَّه تعالى وهذا النوع قسمان أيضا: متعلق بغير النكاح ومتعلق به
واعلم أن معظم المباحات لم يفعلها مع إباحتها له، وليس المراد المباح هنا ما استوى طرفاه بل ما لم يحرج في فعله ولا في تركه فإنه صلى الله عليه وسلم واصل، [وكان له][ (1) ] الاستبداد بالخمس، قد يكون راجحا لفعل يصرفه في المصالح، وقد يكون راجح الترك لفقد هذا المعنى، ودخوله مكة بغير إحرام قد يترجح فعله، وقد يترجح تركه، وكذا الزيادة على الأربع لا يساوي فيه فإن أفعاله صلى الله عليه وسلم وأقواله كلها راجحة مثاب عليها، حتى في أكله وشربه، لأن كل واحد من أمته يكون له أن يقصد وجه اللَّه- تعالى- بذلك، وهو صلى الله عليه وسلم أولى بذلك.
القسم الأول: المباحات له صلى الله عليه وسلم في غير النكاح
وفيه مسائل:
الأولى: الوصال في الصوم أبيح له صلى الله عليه وسلم
قال القضاعي: أبيح له دون غيره من الأنبياء، وقد اختلف في ذلك، فقيل: يكره فيما قاله الشافعيّ، وعند الجمهور أنه من المباحات، وأحاديث وصال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والنهي عنه لغيره ثابتة في الصحيحين،
من حديث أنس
[ (1) ] زيادة للبيان.
ابن مالك [ (1) ] ، وفي البخاريّ من حديث أبي سعيد [ (2) ] ، وفي الصحيحين أيضا من حديث عبد اللَّه بن عمر [ (3) ] ، ومن حديث أبي هريرة [ (4) ] ، ومن حديث عائشة [ (5) ]
[ (1) ]
أخرجه البخاريّ ومسلم والترمذي، ولفظه «عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: واصل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في آخر شهر رمضان، فواصل ناس «من المسلمين، فبلغه ذلك، فقال: لو مدّ لنا الشهر لواصلنا وصالا يدع المتعمقون تعمقهم، إنكم لستم مثلي- أو قال:
لست مثلكم- إني أظل يطعمني ربي ويسقيني» .
وفي رواية قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تواصلوا، قالوا: إنك تواصل؟ قال: لست كأحد منكم، إني أبيت أطعم وأسقى» . أخرجه البخاريّ ومسلم،
وأخرج الترمذيّ الرواية الثانية، وقال: إن ربي يطعمني ويسقيني.
والمتعمق في الأمر: المبالغ فيه المجاوز للحد. (جامع الأصول) : 6/ 380، ترك الوصال، حديث رقم (4563) .
[ (2) ]
أخرجه البخاريّ وأبو داود، ولفظه:» عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر، قالوا: فإنك تواصل يا رسول اللَّه؟ فقال: إني لست كهيئتكم، إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني» (جامع الأصول) : 6/ 382 حديث رقم (45566) .
[ (3) ]
أخرجه البخاريّ ومسلم ومالك وأبو داود: ولفظه: «عن عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، قالوا: إنك تواصل؟ قال: إني لست كهيئتكم، إني أطعم وأسقى» وفي رواية: «لست مثلكم» .
وللبخاريّ أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل، فواصل الناس، فشق عليهم، فنهاهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يواصلوا، قالوا: إنك تواصل؟ قال: لست كهيئتكم، إني أظل أطعم وأسقى، وأخرج الموطأ وأبو داود الرواية الأولى. (جامع الأصول) : 6/ 379، حديث رقم (4562) .
[ (4) ]
أخرجه البخاريّ ومسلم ومالك، ولفظه: «عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول اللَّه؟ قال: وأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما، ثم يوما، ثم رأوا الهلال، فقال: لو تأخر لزدتكم كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا «أخرجه البخاريّ ومسلم.
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، ولأحمد [ (1) ] من وجهين صحيحين: إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني.
[ () ] وللبخاريّ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والوصال- مرتين- فقيل: إنك تواصل؟ قال:
إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فاكفلوا من الأعمال ما تطيقون» . ولمسلم نحوه، ولم يقل:
«مرتين» وقال: «إنكم لستم في ذلك مثلي» . وله في أخرى مثله، وقال:«واكفلوا ما لكم به طاقة» . وأخرج الموطأ رواية البخاريّ إلى قوله: «ويسقيني» . والتنكيل، نكل به: إذا جعله عبرة لغيرة، وقيل: هو العقوبة. (جامع الأصول) : 6/ 381- 382، حديث رقم (4565) .
[ (5) ]
أخرجه البخاريّ ومسلم ولفظه: «عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قالت: نهاهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم، فقالوا: إنك تواصل؟ إني لست كهيئتكم، إني يطعمني ربي ويسقيني، إلا أن البخاريّ قال: «نهى» ولم يقل: «نهاهم» (جامع الأصول) : 6/ 381، حديث رقم (4564) .
[ (1) ]
(مسند أحمد) : 2/ 461، حديث رقم (7122) من مسند أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولفظه:«قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إياكم والوصال، قالها ثلاث مرار، قالها ثلاث مرار، قالوا: فإنك تواصل يا رسول اللَّه، قال: إنكم لستم في ذلك مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فاكلفوا من العمل ما تطيقون» .
وحديث رقم (7188) من مسند أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولفظه:
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إياكم والوصال كذاك علمي، قالوا: إنك تواصل، قال: إني لست كأحدكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» .
وحديث رقم (7495) من مسند أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولفظه:
«نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الوصال، قالوا: إنك تواصل، قال: إنكم لستم كهيئتي، إن اللَّه حبي يطعمني ويسقيني» وقال يزيد: «إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» .
وحديث رقم (7728) من مسند أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولفظه:
حدثنا أمية به بتخصيصه بأنه ليس كهيئاتهم، إن اللَّه يطعمه ويسقيه، قال النووي [ (1) ] : قوله يطعمني ويسقيني: معناه يجعل اللَّه لي قوة الطاعم والشارب، وقيل هو على ظاهره أنه يطعم من طعام الجنة كرامة له، والأول أصح، لأنه لو أكل حفيفة لم يكن مواصلا،
وقد قال في رواية ابن عمر: إني في الظل
[ () ] وحديث رقم (8053) من مسند أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولفظه:
وحديث رقم (10671) من مسند أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولفظه: «لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر، فقالوا: إنك تواصل؟
قال: إني لست كهيئتكم، إني أبيت لي مطعم يطعمني، وساق يسقيني» .
وحديث رقم (13170) من مسند أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولفظه: «أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، قال فقيل: إنك تواصل؟ قال: إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» .
وحديث رقم (25680) من حديث السيدة عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- ولفظه: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، فقيل: يا رسول اللَّه فإنك تواصل؟ قال: إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» .
وأخرجه البيهقيّ في (السنن الكبرى) : 7/ 61- 62، كتاب النكاح، باب الوصال له مباح ليس لغيره، وقال: أخرجه البخاريّ ومسلم في الصحيحين من حديث مالك، وثبت معناه من حديث أبي هريرة، وأنس بن مالك، وعائشة بنت الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم جميعا-، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 7/ 220، شرح الحديث رقم (1103) من باب (11) النهي عن الوصال في الصوم.
يطعمني ربي ويسقيني،
ولنفسه ظل لا يكون إلا في النهار، ولا يجوز الأكل الحقيقي في النهار بلا شك فثبت ما قلناه.
وأجيب بأنه لو أكل من طعام الجنة لم يفطر أو بأن طعام اللَّه- تعالى- لا يفطر بدليل القاضي وقد علل بقوله: إنما أطعمه اللَّه وسقاه وقيل: يعان على الصوم ويقوى عليه فكأنه أطعم أو يخلق له اللَّه من الشبع الّذي كالطاعم والشارب.
وقيل: كان الإطعام والإسقاء حقيقة في المنام وقال الإمام: الوصال قربة في حقه صلى الله عليه وسلم، وإنما يثبت خصوصية الوصال للرسول صلى الله عليه وسلم إذا قلنا بأنه حرام على الأمة. وقد نص الشافعيّ- رحمه الله على كراهيته، وفي ذلك وجهان، قيل: كراهة تحريم، وقيل: كراهة تنزيه، أصحهما أنه كراهة تحريم في النهي عنه. قال جمهور العلماء: قاله النووي واستدل به على تحريم الوصال بما
خرّجه البخاريّ من حديث أبي حازم، عن يزيد بن الهاد، عن عبد اللَّه بن حباب، عن أبي سعيد الخدريّ أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لا تواصلوا فأيكم إذا كان يواصل فليواصل حتى السحر. قالوا: فإنك تواصل يا رسول؟ اللَّه قال:
لست كهيئتكم إني أبيت مطعم يطعمني وساق يسقيني [ (1) ] .
والنهي يقتضي التحريم، وقال القاضي عياض: قيل: النهي عنه رحمه وتخفيف فمن قدر فلا حرج، وقد واصل جماعة من السلف لأيام، وأجازه ابن وهب وأحمد وإسحاق إلى السحر ثم حكى عن الأكثرين كراهته.
وقد كانت أخت أبي سعيد تواصل وهي صحابية، وكان عبد اللَّه بن الزبير يواصل سبعة أيام، فإذا كان الليلة السابعة دعي بإناء من سمن فشربه ثم يأتي بثريدة فيها عرقان ويؤتي الناس بالجنان فيقول: هذا من خالص مالي، وهذا من بيت مالكم، وكان ابن وضاح يواصل أربعة أيام.
وقال عطاء وأبيّ وغيرهم من أصحابنا: هو من الخصائص التي أبيحت لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وحرمت على الأمة واحتج لمن أباحه بقوله في بعض طرق مسلم: نهاهم عن الوصال- رحمه الله.
[ (1) ] سبق تخريجه.