الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر الرافعي أن ذا الفقار [ (1) ] كان من الصفيّ، واعترض عليه بأن غنائم بدر كانت للنّبيّ صلى الله عليه وسلم كلها لأنها كانت قبل فرض الخمس، والكلام في الصفيّ بعد فرض الخمس وعلى هذا المعنى يحمل ما خرّجه الترمذيّ، وابن ماجة، والحاكم، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر.
وخرّجه الواقدي عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيب، وعن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس قال: تنفّل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يومئذ، وكان لمنبه بن الحجاج، ومعناه أخذه لنفسه لم يعطيه أحدا.
تتمّة
قد عد الإمام أبو حامد الغزالي- رحمه الله إعطاءه [تميم] الداريّ بنت ميمونة فتجرى من الخصائص النبويّة، وجعل ذلك من الصفايا المختصة به صلى الله عليه وسلم، فلا يكون لأحد من الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع أحدا من الرعية شيئا لم يدخل في ملك المسلمين.
وتردد القاضي أبو الحسن الماوردي في ما أخذ الإقطاع الّذي وقع لتميم الداريّ، وجوز أن تكون من الخصائص بعد أن حكى الخلاف، هل لغير النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك؟ وسيرد كلامه في ذلك إن شاء- اللَّه تعالى-.
قال القاضي أبو بكر أبو محمد بن العربيّ المعافري الإشبيلي المالكي في شرح (الموطأ) لما تكلم على حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال في (صحيحه) : وإنما تركها من تركها لقولهم: إنها غير مسموعة، وهذا لا يمنع من الاحتجاج، وقد كان عند أولاد تميم الداريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
كتاب النبي صلى الله عليه وسلم في قطعة أديم [ (2) ] : بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا
[ (1) ] ذو الفقار: اسم سيف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
[ (2) ]
وفد عليه صلى الله عليه وسلم الداريون مرتين، مرة قبل الهجرة، ومرة بعدها، وفي المرة الأولى سألوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أرضا فدعا بقطعة من أدم، وكتب كتابا نسخته:
ما أنطى [ (1) ] محمد رسول اللَّه تميما الدارميّ قطعة قرية حبرون وبيت عينون بلد الخليل،
فبقي ذلك في يده ويد أهله إلى أن غلب الفرنجة على القدس سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، قال: ولقد اعترض بعض الولاة على تميم الداريّ أيام كان بالشام وأراد انتزاعها فحضر القاضي حامد الهرويّ الحنفي، فاحتج الدارميّ بالكتاب، فقال القاضي: هذا الكتاب ليس بلازم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع تميما ما لم يملك، فاستدعى الوالي الفقهاء، وكانت الرواية التي رويت إلى الأرض كلها، وكان يقطع الجنة فيقول: قصر كذا لفلان، فوعده صدق، وعطاؤه حق، قال:
فحضره القاضي والوالي، وأبقي الدارميين على ما في أيديهم.
[ () ] بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب ذكر فيه ما وهب محمد رسول اللَّه للداريين. إذ أعطاه اللَّه الأرض وهب لهم بيت عينون، وحبرون، والمرطوم، وبيت إبراهيم ومن فهيم إلى الأبد، شهد عباس بن عبد المطلب، وخزيمة بن قيس، وشرحبيل بن حسنة وكتب. فلما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قدموا عليه وسألوه أن يجدد لهم الكتاب فكتب ما نسخته:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول اللَّه لتميم بن أوس الداريّ: أنّ له قرية حبرون، وبين عينون، قريتهما كلهما، وسهلهما، وجبلهما، وماءهما، وحرثهما، وأنباطهما، وبقرهما، ولعقبه من بعده، لا يحاقه فيهما أحد، ولا يلجها عليهم أحد بظلم، فمن ظلم وأخذ منهم شيئا فإن عليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين. وكتب عليّ. (مجموعة الوثائق السياسة) : 531، وثيقة رقم (43) الإقطاع للداريين وهم من لخم، ووثيقة رقم (44) تجديد الكتاب السابق.
ثم رواية أخرى عن النص السابق، وثيقة (45) : بسم اللَّه الرحمن الرحيم.
هذا ما أنطى محمد رسول اللَّه لتميم الداريّ وإخوته وحبرون، ومرطوم، وبيت إبراهيم وما فيهن، نطية بت بذمتهم، ونفّذت وسلّمت ذلك لهم ولأعقابهم. فمن آذاهم آذاه اللَّه، ومن أذاهم لعنه اللَّه. شهد عتيق بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وكتب عليّ بن أبي طالب وشهد.
[ (1) ] في بعض الروايات: «أنطى» ، «أعطى» وما أثبتناه من (الأصل) .
وقد ذكر القاضي أبو بكر بن العربيّ- رحمه الله هذه القصة في كتاب سماه (قانون التأويل)[ (1) ] وهو كان جمعة من قوام يد الشيخ أبي حامد محمد بن محمد الغزالي- رحمه الله ونصه ما قوله أدام اللَّه علوه:
فما أقطع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تميم الداريّ من الشام قبل أن يملكه أهل الإسلام ما وجه صحته مع أنه جرى قبل الملك، ولم يتصل به القدر، ولم يجر تحديد محل الإقطاع، هل يجوز لإمام أن ينزع ذلك من يد تميم؟ ومتى يحصل الملك للمقطع؟ فأجاب على ذلك بأن الإقطاع صحيح لتميم ومنتقل إلى أعقابه وقت حصول الملك عند تسليم الإمام المستولى على تلك الأرض له ذلك، ووجه صحته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مختصا بالصفايا من المغنم حتى كان يختار من المغنم ما يريد، ويدفع ملك المسلمين عنه بعد استيلائهم عليه، فلذلك كان له أن يستثنى تبعة من ذيلة الكفر عن ملك المسلمين ويعينها لبعض المسلمين فتصير ملكا له، ويكون سبب الملك تسليم الإمام وأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ويستثنى من التخصيصات، وليس ذلك لغيره من الأئمة، فإنه صلى الله عليه وسلم كان مطلعا بالوحي على من سيملك في المستقبل، وعلى وجه المصلحة في التخصيص والاستثناء وغير ذلك ولا يطلع غيره عليه.
وأما قول من قال لا يصح إقطاعه لأنه قبل الملك، فهو كفر محض، لأنه يقال له: هل حل لرسول اللَّه ما فعل أو كان ظالما بتصرفه ذلك؟ فإن جعله ظالما كفر، وإن قال بل حل له ذلك، قيل له: أتعلم أن ذلك يحصل أو لا فإن جهله كفر، وإن قال: إنه علم، لكن علم أنه لا يحصل، قيل له: فلا يبقى إلا أنه قد قدم عليه مع علمه مبطلاته [ (2) ] .
هذا كلام الشيخ أبي حامد الغزالي، كما ترى أن عطاء ذلك لتميم الداريّ منن الخصائص النبويّة وجعله من الصفايا المختصة به صلى الله عليه وسلم فلا يكون لأحد من
[ (1) ](قانون التأويل) ، للقاضي أبي بكر محمد بن عبد اللَّه الإشبيليّ المالكي، المعروف بابن العربيّ، الحافظ، المتوفى سنة (546 هـ-)، ذكر حاجي خليفة في (كشف الظنون) : 2/ 281
[ (2) ] بعد هذه العبارة طمس في (الأصل) لم أجد له توجيها بقدر سطرين ونصف.
الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع أحدا من الرعية [شيئا] لم يملكه المسلمون واختلف كلام القاضي أبي الحسن على الماورديّ، فجزم في (الأحكام السلطانية) بجواز ذلك عموما.
وقال في كتاب (الحاوي) : وأما الإقطاع فإنه لا يصح إلا في ما لم يستقر عليه ملك، وعلى هذا كانت قطائع النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر قال: فعلى هذا كانت قطائع النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما كان من شأن تميم الداريّ، وأبى ثعلبة، فذكرها احتمل ذلك من فعله أن يكون أقطعهما ذلك إقطاع تقليد لا إقطاع تمليك، ويجوز أن يكونا مخصوصين بتصديق إخبار وتحقيق إعجاز، وأما الأئمة بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فإن أبا بكر، وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- لم يقطعا الأموات لم يجز عليه ملك واصطفى عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من أرض سواد أموال كسرى لأهل بيته، وما وهب عنه أربابه أو تملكوا، وكان مبلغ ذلك تسعة آلاف ألف، وكان ينفقها في مصالح المسلمين، ولم يقطع شيئا منها، ثم إن عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أقطعها لأنه رأى إقطاعها أوفر لعلتها من تعطيلها، وشرط على من أقطعها أن يأخذ منه حق ألف، فكان ذلك منه إقطاع إجارة، قال بذلك الماورديّ، هذا، وقال في قوله: إقطاع إجارة إلى أمرائهم أن يؤجروها بأجرة معلومة ينتفعوا بها مع بقاء الرقبة. انتهى. وقد جمع الفقهاء الخصائص، ولم يعدوا منها ما ذكره الغزاليّ.