الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي طرق بعضهم: لما أبوا أن ينتهوا واصل بهم يوما ثم يوما ثم زاد الهلال فقال: لو تأخر الهلال لزدتكم. وفي بعضها لو مدّ لنا الشهر لواصلنا وصالا يدع المتعمقون تعمقهم [ (1) ] .
ولو كان حراما ما فعله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، وقد اشتهر عن كثير من الصلحاء الوصال، فلعل وصالهم جاء من غير قصد إليه، بل اتفق ترك تناولهم المفطر بفعله عنهم، أو لاشتغاله بالاستغراق بالمعارف، ونحن نشاهد الترك عند اشتغال القلب بما يسرّ أو يحزن فكيف بذاك؟ وعلى هذا تكون الخصوصية له صلى الله عليه وسلم على كل أمته لا على أحد من أفرادها.
الثانية: اصطفاؤه صلى الله عليه وسلم فيما يختاره من الغنيمة قبل قسمها من جارية أو غيرها بشيء ما اختاره من ذلك الصفيّ والجمع الصّفايا
خرّج أبو داود [ (2) ] من طريق سفيان بن مسروق [حدثنا محمود بن خالد السلمي، حدثنا عمر- يعني ابن عبد الواحد- عن سعيد- يعني ابن بشير، عن قتادة، قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا غزا كان له سهم صاف يأخذه من حيث
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 7/ 221، كتاب الصيام، باب (11) النهي عن الوصال في الصوم، حديث رقم (1104) قال الإمام النووي: وبيان الحكمة في نهيهم والمفسدة المترتبة على الوصال، وهي الملل من العبادة والتعرض للتقصير في بعض وظائف الدين: من إتمام الصلاة بخشوعها، وأذكارها، وآدابها، وملازمة الأذكار، وسائر الوظائف المشروعة في نهاره وليلة. واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) .
[ (2) ](سنن أبي داود) : 3/ 397، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (21) ما جاء في سهم الصفتين حديث رقم (2993) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وهو حديث مرسل، وفيه سعيد بن بشير وهو ضعيف.
شاء، فكانت صفية من ذلك السهم وكان إذا لم يغز [بنفسه] ضرب له بسهم ولم يخير.
وعن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كانت صفية من الصّفي [ (1) ] .
وخرّج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث وكيع، حدثنا قرة بن خالد، عن أبي العلام يزيد بن عبد اللَّه بن الشخير قال: كنا جلوسا بهذا المربد بالبصرة فجاء أعرابي معه قطعة من أديم أو قطعة جراب فقال: هذا كتاب كتبه النبي صلى الله عليه وسلم أخذته فقرأته على القوم فإذا فيه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، كتاب من محمد رسول اللَّه لبني زهير بن أقيش، إنكم إن أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من المغنم الخمس، وسهم النبي والصفيّ فإنكم آمنون بأمان اللَّه وأمان الرسول، قال: قلنا للأعرابي: أنت سمعت هذا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقال:
نعم يقول صوم شهر الصبر- يعني رمضان- وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن من حرّ الصدر، تم انصاع مدبرا، فقال: تروني أكذب على رسول اللَّه؟.
وخرّجه أبو محمد بن داود من حديث وكيع، عن قرة بن خالد بنحوه إلى قوله: وأمان رسول اللَّه، وبعد هذا قال: قلنا له: هل سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: شيئا؟ قال: سمعته يقول صوم شهر الصبر، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر يذهبن في حرّ الصدر قال: قلت: إنك سمعت رسول اللَّه؟ قال: أتروني أكذب على رسول اللَّه؟ ثم أخذ العتاب وانصاع مدبرا.
وخرّجه أبو داود [ (2) ] من حديث مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا قرة قال:
سمعت يزيد بن عبد اللَّه [ (3) ] قال: كنا بالمربد [ (4) ] ، فجاء رجل أشعث الرأس بيده قطعة أديم أحمر، فقلنا: كأنك من أهل البادية، فقال: أجل، قلنا: ناولنا هذه
[ (1) ](المرجع السابق) : حديث رقم (2994) ، وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان والحاكم.
[ (2) ](سنن أبي داود) : 3/ 400، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (21) ما جاء في سهم الصفيّ، حديث رقم (2999) .
[ (3) ] يزيد بن عبد اللَّه: هو ابن الشّخير.
[ (4) ] المربد: محلة بالبصرة من أشهر محالها وأطيبها.
القطعة الأديم التي في يدك، فناولناها [فقرأناها][ (1) ]، فإذا فيها: من محمد رسول اللَّه إلى بني زهير بن أقيش، إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا رسول اللَّه، وأقم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأديتم الخمس من المغنم، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم الصّفيّ فأنتم آمنون بأمان اللَّه ورسوله، فقلنا: من كتب لك هذا الكتاب؟ قال: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [ (2) ] ، خرّجه قاسم بن أصبغ من طريق مسلم بن إبراهيم، عن قرة إلى آخره نحوه [ (3) ] .
قال أبو عمر بن عبد البر: سهم الصّفيّ مشهود في صحيح الآثار.
معروف عند أهل العلم، ولا يختلف أهل السير في أن صفيّ من الصّفا، وأجمع العلماء على أن سهم الصّفيّ ليس لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وخرّج البخاريّ ومسلم من طريق حماد بن يزيد، عن ثابت، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعتق صفية وجعل عتقها صداقها، وقصة صفية. خرجها البخاريّ من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن أنس، قدمنا خيبر فلما فتحنا الحصن ذكر له جمال صفية، وقد قتل زوجها وكانت عروسا، فاصطفاها لنفسه [ (4) ] ، الحديث.
[ (1) ] زيادة للسياق من (سنن أبي داود) ، وأقيش، بضم الهمزة وفتح القاف، ثم ياء مثناة ساكنة وآخره شين معجمة، هم حيّ من بني عكل.
[ (2) ] قال الخطابيّ: أما سهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يسهم له كسهم رجل ممن شهد الوقعة، حضرها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أو غاب عنها. وأما الصفيّ فهو ما يصطفيه من عرض الغنيمة من شيء قبل أن يخمس- عبد، أو جارية، أو فرس، أو سيف، أو غيرها- وكان النبي صلى الله عليه وسلم مخصوصا بذلك، مع الخمس الّذي كان له خاصة. (معالم السنن) .
[ (3) ] ورواه بعضهم عن يزيد بن عبد اللَّه، وسمى الرجل النمر بن تولب الشاعر، صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ويقال: إنه ما مدح أحدا، ولا هجا أحدا، وكان جوادا لا يكاد يمسك شيئا، وأدرك الإسلام وهو كبير، ويسمى الكيس لحسن شعره، ترجمته في (الشعر والشعراء) : 191- 192.
[ (4) ](فتح الباري) : 7/ 608، كتاب المغازي، باب (39) غزوة خيبر، حديث رقم (4211) .
وله من حديث ثابت عن أنس كان في السبي صفية، فصارت إلى دحية، ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم [ (1) ] .
خرّج البخاريّ ومسلم من حديث عبد العزيز بن صهيب، عن أنس في قصة خيبر، فجمع السبي، فجاء دحية فقال: أعطنى جارية من السبي، قال: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية، فجاء رجل فقال: يا نبيّ اللَّه! أأعطيت دحية صفية سيدة قريظة والنضير لا تصلح إلا لك، قال: أدعوه بها، فجاء بها، فلما نظر إليها [النبي صلى الله عليه وسلم] قال: خذ جارية من السبي غيرها، الحديث [ (2) ] .
وعن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أنه اشتراها من دحية بسبعة أرؤس [ (3) ] .
[ (1) ](المرجع السابق) : حديث رقم (4200) ، (4201)، قال الحافظ في (الفتح) : فلما قيل للنّبيّ صلى الله عليه وسلم، إنها بنت ملك من ملوكهم، ظهر له أنها ليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه، وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها، فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم، فكان من المصلحة العامة ارتجاعها منه، واختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بها، فإن في ذلك رضا الجميع، وليس ذلك من الرجوع في الهبة في شيء.
[ (2) ](فتح الباري) : 1/ 632، كتاب الصلاة، باب (12) ما يذكر في الفخذ، حديث رقم (371) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
قوله صلى الله عليه وسلم: «خذ جارية من السبي غيرها
«ذكر الشافعيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في (الأم) عن (سير الواقدي) أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه أخت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وكان كنانة زوج صفية، فكأنه طيب خاطره لما استرجع منه صفية بأن أعطاه أخت زوجها، واسترجاع النبي صلى الله عليه وسلم صفية منه محمول على أنه إنما أذن له في أخذ جارية من حشو السبي لا في أخذ أفضلهن فجاز استرجاعها مننه لئلا يتميز بها على باقي الجيش، مع أن فيهم من هو أفضل منه.
ووقع في رواية لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى صفية منه بسبعة أرؤس، وإطلاق الشراء على ذلك على سبيل المجاز، وليس في قوله:«سبعة أرؤس» ما ينافي قوله هنا: «خذ جارية» إذ ليس هنا دلالة على نفي الزيادة (فتح الباري) .
[ (3) ] راجع التعليق السابق.