الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما قذف اللَّه عز وجل الرعب في قلوب بني قريظة
فخرّج البخاريّ [ (1) ] من حديث ابن نمير، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قال: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق، ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل عليه السلام، فقال: قد وضعت السلاح! واللَّه ما وضعناه فاخرج إليهم. قال: فإلى أين؟ قال: هاهنا، وأشار إلى قريظة، فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إليهم. وخرّجه مسلم.
وخرّج البخاريّ في الجهاد من طريق عبدة عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما رجع يوم الخندق، ووضع السلاح واغتسل، فأتاه جبريل وقد عصب رأسه الغبار فقال: وضعت السلاح؟ فو اللَّه ما وضعته، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فأين؟
قال: ها هنا وأومأ إلى بني قريظة، قال: فخرج إليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. ترجم عليه باب الغسل بعد الحرب والغبار [ (2) ] .
وخرّج من طريق جرير بن حازم عن حميد بن هلال، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كأني انظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم، موكب جبريل حين سار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة [ (3) ] .
وذكر ابن إسحاق أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار، ونزلوا على حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فرد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الحكم
[ (1) ](فتح الباري) : 7/ 815، كتاب المغازي، باب (31) مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة، ومحاصرته إياهم، حديث رقم (4117) .
[ (2) ](فتح الباري) : 6/ 38، كتاب الجهاد والسير، باب (18) الغسل بعد الحرب والغبار، حديث رقم (2813) .
[ (3) ](فتح الباري) : 7/ 518، كتاب المغازي، باب (31) مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة، ومحاصرته إياهم، حديث رقم (4118) .
فيهم إلى سعد بن معاذ الأوسي الأشهلي، فحكم فيهم بأن تقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبي الذراري والنساء [ (1) ] .
وخرّج البيهقيّ من طريق بشر عن أبيه قال حدثنا الزهري: قال:
أخبرني عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك أن عمه عبيد اللَّه بن كعب أخبره أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما رجع من طلب الأحزاب وضع عنه اللأمة، واغتسل، واستجمر فتبدّى له جبريل- عليه السلام فقال: عذيرك [ (2) ] من محارب ألا أراك قد وضعت اللأمة، وما وضعناها بعد، قال: فوثب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فزعا، فعزم على الناس أن لا يصلوا صلاة العصر حتى يأتوا بني قريظة، قال: فلبس الناس السلاح، فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس، فاختصم الناس عند الغروب، فقال بعضهم: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي بني قريظة، فإنما نحن في عزيمة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فليس علينا إثم، وصلى طائفة من الناس احتسابا، وتركت طائفة منهم الصلاة حتى غربت الشمس، فصلوا حين جاءوا بني قريظة احتسابا، فلم يعنف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واحدا من الفريقين [ (3) ] .
[ (1) ](سيرة ابن هشام) : 4/ 195، 199، والذراري: الذرّ النسل والذرية فعليه من الذر وهم الصغار، وتكون الذرية واحدا وجمعا، وفيها ثلاث لغات أفصحها ضم الذال، وبها قرأ السبعة، والثانية كسرها، ويروي عن زيد بن ثابت، والثالثة: فتح الذال مع تخفيف الراء، وبها قرأ أبان بن عثمان، وتجمع على ذريات، وقد تجمع على الذراريّ.
[ (2) ] عذيرك: أي هات من يعذرك: فعيل بمعنى فاعل.
[ (3) ](دلائل البيهقيّ) : 4/ 7- 8، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة، ومحاصرته إياهم، وما ظهر في رؤية من رأى من الصحابة جبريل- عليه السلام في صورة دحية الكلبيّ، ثم قذف الرعب في قلوب بني قريظة وإنزالهم من حصونهم من آثار النبوة.
وقد أخرجه الإمام أحمد والشيخان مختصرا، والحاكم مطولا عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ومن طريق جابر أخرجه أبو نعيم في (الدلائل) ، والطبري في (التاريخ) عن عبد اللَّه بن أبي أوفى.
وخرّج أيضا من حديث عبد اللَّه بن نافع قال: حدثنا عبد اللَّه بن عمر عن أخيه عبيد اللَّه بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان عندها، فسلم علينا رجل ونحن في البيت، فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فزعا فقمت في أثره، فإذا بدحية الكلبي. فقال:
هذا جبريل يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة، فقال: قد وضعتم السلاح لكنا لا نضع طلبنا المشركين حتى بلغنا حمراء الأسد [ (1) ] ، وذلك حين رجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الخندق، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعا، فقال لأصحابه: عزمت عليكم أن لا تصلوا صلاة العصر حتى تأتوا بني قريظة، فغربت الشمس قبل أن يأتوهم، فقالت طائفة من المسلمين: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أن ندع الصلاة، فصلوا.
وقالت طائفة: واللَّه إنا لفي عزيمة النبي صلى الله عليه وسلم وما علينا من إثم، فصلت طائفة إيمانا واحتسابا، وتركت طائفة إيمانا واحتسابا فلم فلم يعب النبي صلى الله عليه وسلم واحدا من الفريقين [ (2) ] .
[ (1) ] حمراء الأسد: موضع على ثمانية أميال من المدينة، (معجم البلدان) : 2/ 346، موضع رقم (3908) .
[ (2) ](دلائل البيهقيّ) : 4/ 8- 9، وقال في (هامشه) : وقد اختلف العلماء في المصيب من الصحابة يومئذ من هو؟ بل الإجماع على أن كلا من الفريقين مأجور ومعذور غير معنف، فقالت طائفة من العلماء: الذين أخروا الصلاة يومئذ عن وقتها المقدر لها حتى صلوها في بني قريظة هم المصيبون لأن الأمر يومئذ بتأخير الصلاة خاص فيقدم على عموم الأمر بها في وقتها المقدر لها شرعا، قال أبو محمد بن حزم الظاهري في كتاب السيرة: وعلم اللَّه أنا لو كنا هناك لم نصلّ العصر إلا في بني قريظة ولو بعد أيام، وهذا القول منه ماش على قاعدته الأصلية في الأخذ بالظاهر.
وقالت طائفة أخرى من العلماء: بل الذين صلوا في وقتها لما أدركتهم وهم في مسيرتهم هم المصيبون، لأنهم فهموا أن المراد إنما هو تعجيل السير إلى بني قريظة لا تأخير الصلاة، فعملوا بمقتضى الأدلة الدالة على أفضلية الصلاة في أول وقتها مع فهمهم عن الشارع ما أراد، ولهذا لم يعنفهم ولم يأمرهم بإعادة الصلاة في وقتها التي حولت إليه يومئذ كما يدعيه أولئك، وأما أولئك الذين أخروا فعذروا بحسب ما فهموا، وأكثر ما كانوا يؤمرون بالقضاء وقد فعلوه،
وخرج النبي صلى الله عليه وسلم بمجالس بينه وبين بني قريظة، فقال: هل مرّ بكم من أحد؟ قالوا مرّ علينا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس ذلك بدحية، ولكن جبريل أرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم ويقذف في قلوبهم الرعب، فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم وأمر أصحابه أن يستتروا بالجحف حتى يسمعهم كلامه، فناداهم: يا إخوة القردة والخنازير، قالوا: يا أبا القاسم لم تك فحاشا، فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، وكانوا حلفاءه فحكم فيهم أن يقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم ونساؤهم.
وقال يونس عن ابن إسحاق: وحدثني والدي إسحاق بن يسار، عن معبد ابن كلب بن مالك السلمي أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى أجهدهم الحصار، وقذف اللَّه- عز وجل في قلوبهم الرعب [ (1) ] .
[ () ] وأما على قول من يجوّز تأخير الصلاة لعذر القتال كما فهمه البحتري، حيث احتج على ذلك بحديث ابن عمر المتقدم في هذا، فلا إشكال على من أخر، ولا على من قدم أيضا، واللَّه- تبارك وتعالى أعلم-.
[ (1) ](سيرة ابن هشام) : 4/ 195، حصار بني قريظة.