الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما أن الأرض أبت أن تقبل ميتا قتل موحّدا
روى محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة وشعيب، عن ابن شهاب الزهريّ قال: حدثنا عبد اللَّه بن موهب، عن قبيصة بن ذؤيب قال: أغار رجل من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على سرية من المشركين فانهزمت، فغشى رجل من المسلمين رجلا من المشركين وهو منهزم فلما أراد أن يعلوه بالسيف قال: لا إله إلا اللَّه، فلم ينزع عنه حتى قتله، ثم وجد في نفسه من قتله، فذكر حديثه لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فهل لا نقبت عن قلبه؟ يريد أن يعبر عن القلب اللسان، فلم يلبثوا إلا قليلا حتى توفى ذلك الرجل القاتل، فأصبح على وجه الأرض فجاء أهله فحدثوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: ادفنوه، فدفنوه، فأصبح على وجه الأرض، فجاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فحدثوه ذلك، فقال:
إن الأرض قد أبت أن تقبله فاطرحوه في غار من الغيران.
وروى يونس بن بكير عن البراء بن عبد اللَّه، عن الحسن قال: بلغنا أن رجلا كان على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في قتال المشركين، فذكر معنى ما ذكر قبيصة، يزيد وينقص، ومما زاد، قال: فأنزل اللَّه فيه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً، فبلغنا أن الرجل مات فقيل: يا رسول اللَّه مات فلان فدفناه، فأصبحت الأرض قد لفظته، ثم دفناه فلفظته، فقال: أما إنها تقبل من هو شر منه ولكن اللَّه- عز وجل أراد أن يجعله موعظة لكم لكي لا يقدم رجل على قتل من يشهد أن لا إله إلا اللَّه ويقول: إني مسلم، اذهبوا به إلى شعب بني فلان فادفنوه، فإن الأرض ستقبله، فدفنوه في ذلك الشعب، ذكر ذلك البيهقيّ [ (1) ]- رحمة اللَّه عليه.
[ (1) ](دلائل البيهقيّ) : 4/ 310، باب ذكر الرجل الّذي قتل رجلا بعد ما شهد بالحق، ثم مات فلم تقبله الأرض، وما ظهر في ذلك من آثار
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو خالد، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد اللَّه بن قسيط، عن القعقاع بن عبد اللَّه بن أبي حدرد الأسلمي، عن أبيه قال: بعثنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في سرية إلى إضم، فلقينا عامر بن الأضبط فحيانا بتحية الإسلام، فحمل عليه المحلم بن جثامة فقتله وسلبه، فلما قدمنا جئنا بسلبة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبرناه، فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً [ (1) ] .. الآية.
وقال في غزوة حنين: قالوا: وصلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الظهر يوما بحنين، ثم تنحى إلى [ظل] شجرة فجلس إليها فقام عيينة بن بدر يطلب بدم عامر بن الأضبط الأشجعي وهو يومئذ سيد قيس ومعه الأقرع بن حابس يدفع عن محلم ابن جثامة لمكان خندف، فاختصما بين النبي صلى الله عليه وسلم وعيينة، يقول: يا رسول اللَّه، لا واللَّه لا أدعه حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: تأخذ الدية؟ فأبى عيينة حتى ارتفعت الأصوات وكثر اللغط إلى أن قام رجل من بني ليث يقال له: مكيتل قصد مجتمع، عليه سلة كاملة وذرقة في يده، فقال: يا رسول اللَّه إني لم أجد لهذا القتيل شبها غرة الإسلام إلا كغنم وردت فرميت أولاها فنفرت أخراها، أسنن اليوم وغير غدا [ (2) ]، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هل لكم أن تأخذوا خمسين بعيرا الآن وخمسين إذا رجعنا
[ (1) ] النساء: 94، واختلف في اسم القاتل والمقتول، بعد الاتفاق على أن ذلك كان في سرية،
فروى ابن القاسم عن مالك: أن القاتل أسامة بن زيد، والمقتول مرداس بن نهيك الفزاري من أهل فدك، وفي سيرة ابن إسحاق: أن القاتل محلم بن جثامة، والمقتول عامر بن الأضبط.
وقيل: القاتل أبو قتادة، وقيل: أبو الدرداء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وبخ القاتل، وقال له: فهلا شققت عن بطنه فعلمت ما في قلبه.
ومخاطبتهم ب- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تلوح إلى أن الباعث على قتل من أظهر الإسلام منهيّ عنه، ولو كان قصد القاتل الحرص على تحقيق وصف الإيمان ثابت للمقتول، فإن هذا التحقيق غير مراد للشريعة، وقد ناطت صفة الإسلام بقول:«لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه» ، أو بتحية الإسلام وهي:«السلام عليكم» (تفسير التحرير والتنوير) : 4/ 167.
[ (2) ] أسن اليوم وغيّر غدا: يريد احكم لنا اليوم بالدم، واحكم غدا بالدية لمن شئت.
إلى المدينة؟ فلم يزل بهم حتى رضوا بالدية، قال قوم محلّم: ائتوا به حتى يستغفر له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل طوال ضرب للحم في حلة قد تهيأ فيها للقتل، فقام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اللَّهمّ لا تغفر لمحلم، قالها ثلاثا فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ثوبه.
قال محمد بن إسحاق: زعم قومه أنه استغفر له بعد كذا في كتابي عن ابن حدرد، عن أبيه، وقيل: عن حجاج بن منهال عن حماد في هذا الإسناد عن أبي حدرد عن أبيه [ (1) ] .
عن عبد الرحمن بن الحارث، عن الحسن البصري قال: لما مات محلم بن جثامة دفنه قومه فلفظته الأرض، ثم دفنوه فلفظته الأرض، ثم دفنوه فلفظته الأرض، فطرحوه بين قزحين فأكلته السباع.
وذكر الطبري عن نافع، عن ابن عمر أن محلم بن جثامة مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فدفنوه، فلفظته الأرض مرة بعد أخرى، فأمر به فألقى به بين جبلين، وألقيت عليه حجارة، قال ابن عبد البر: وقال مثل ذلك أيضا قتادة.
وروى أنه مات بعد سبعة أيام ودفنوه فلفظته الأرض، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إن الأرض لتقبل من هو شرّ منه ولكن اللَّه أراد أن يريكم آية في قتل المؤمن.
قال ابن عبد البر: وقد قيل: أن هذا ليس بمحلم بن جثامة، وأن محلّم بن جثامة ترك حمص بآخره، ومات بها في إمارة ابن الزبير.
قال ابن عبد البر: ومعلوم أن قتله كان خطأ لا عمدا لأن قاتله لم يصدقه في قوله واللَّه- تعالى- أعلم.
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 4/ 306- 307.