الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما نطق ذراع الشاة المسمومة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تخبره بما فيها من السم
فخرّج الحاكم [ (1) ] من حديث أبي قلابة الرقاشيّ، حدثنا أبو عتّاب سهل بن حماد، عن عبد الملك بن أبي نضرة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يهودية أهدت شاة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سميطا، فلما بسط القوم أيديهم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: كفوا أيديكم، فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة قال: فأرسل إلى صاحبتها: أسممت طعامك هذا؟ قالت: نعم، أحببت إن كنت كاذبا أن أريح الناس منك، وإن كنت صادقا علمت أن اللَّه سيطلعك عليه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:«اذكروا اسم اللَّه وكلوا، فأكلنا، فلم يضر أحدا منا شيئا»
قال: هذا حديث صحيح [الإسناد ولم يخرجاه][ (2) ] .
وخرّج البيهقيّ [ (3) ] من حديث عبد الملك بن أبي نضرة، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يهودية أهدت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إما شاة مسمومة وإما برقا مسموطا مسموما، فلما قربته إليه وبسط القوم أيديهم، قال: أمسكوا، فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة، فدعا صاحبتها فقال: أسممت هذا؟ قالت: نعم، قال: ما حملك عليه؟ قالت: أحببت إن كنت كاذبا أن أريح الناس منك، وإن كنت رسولا أنك ستطلع عليه، فلم يعاقبها.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر، عن الزهريّ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن امرأة يهودية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية بخيبر فقال: ما
[ (1) ](المستدرك) : 4/ 122، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7090) ، وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : صحيح.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (3) ](دلائل البيهقي) : 4/ 260، باب ما جاء في الشاة التي سممت للنّبيّ صلى الله عليه وسلم بخيبر، وما ظهر في ذلك من عصمة اللَّه جلّ ثناؤه ورسوله صلى الله عليه وسلم عن ضرر ما أكل منه حتى بلغ فيه أمره، وإخبار ذراعها إياه بذلك حتى أمسك عن البقية.
هذه؟ قالت: هدية، وحذرت أن تقول من الصدقة فلا يأكل، قال: فأكل النبي صلى الله عليه وسلم وأكل أصحابه، ثم قال: أمسكوا، ثم قال للمرأة: هل سممت هذه الشاة؟
قالت: من أخبرك هذا؟ قال: هذا العظم لساقها، وهو في يده، قالت: نعم، [قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:] لم، قالت: أردت إن كنت كاذبا أن يستريح الناس منك، وإن كنت نبيا لم يضرك، قال: فاحتجم النبي صلى الله عليه وسلم على الكاهل وأمر أصحابه فاحتجموا، فمات بعضهم، قال الزهريّ: فأسلمت، فتركها النبي صلى الله عليه وسلم، قال معمر: وأما الناس فيقولون قتلها النبي صلى الله عليه وسلم [ (1) ] .
قال البيهقيّ: هذا مرسل ويحتمل أن يكون عبد الرحمن حمله، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (2) ] .
وخرّج أبو داود من طريق ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: كان جابر بن عبد اللَّه يحدث أن يهودية من أهل خيبر سممت شاة مصلية، ثم أهدتها لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الذراع فأكل منها، وأكل رهط من أصحابه معه، ثم قال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ارفعوا أيديكم، وأرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية، فدعاها، فقال: أسممت هذه الشاة؟ قالت اليهودية: من أخبرك، قال: أخبرتني هذه التي في يدي للذراع، قالت: نعم، قال: فما أردت إلى ذلك؟ قالت: قلت إن كان نبيا فلم يضره [شيئا][ (3) ] ، وإن لم يكن نبيا استرحنا منه، فعفا عنها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولم يعاقبها، وتوفى بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة واحتجم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الّذي أكل من الشاة، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة، وهو مولى لبني بياضة من الأنصار [ (4) ] .
[ (1) ](المرجع السابق) : 260- 261، وما بين الحاصرتين زيادة للبيان.
[ (2) ](المرجع السابق) : 262.
[ (3) ] زيادة في (الأصل) : فقط.
[ (4) ](سنن أبي داود) : 4/ 648- 649، كتاب الديات، باب (6) فيمن سقى رجلا سما أو أطعمة فمات، أيقاد منه؟ حديث رقم (4510) ، وهو حديث منقطع، الزهريّ لم يسمع من جابر.
ومن طريق وهب بن بقية قال: حدثنا خالد عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية شاة مصلية بخيبر، نحو حديث جابر قال: فمات بشر بن البراء بن معرور، فأرسل إلى اليهودية، [وقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:] ما حملك على الّذي صنعت فذكر نحو حديث جابر، فأمر بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقتلت. ولم يذكر أمر الحجامة [ (1) ] .
قال البيهقيّ: ورويناه عن حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة ويحتمل أنه لم يقتلها [في الابتداء] ، ثم لما مات
[ (1) ](المرجع السابق) : حديث رقم (4511) ، وما بين الحاصرتين زيادة للبيان.
وقد اختلف الناس فيما يجب على من جعل في طعام رجل سما فأكله فمات، فقال مالك بن أنس: عليه القود، وأوجب الشافعيّ- في أحد قوليه- القود إذا جعل في طعامه سما وأطعمه إياه، أو في شرابه فسقاه ولم يعلمه أن فيه سما. قال الشافعيّ: وإن خلط بطعام سما فوضعه ولم يقل له فأكله أو شربه فمات فلا قود عليه.
قال الخطابيّ: والأصل أن المباشرة والسبب إذا اجتمعا كان حكم المباشرة مقدما على السبب، كحافر البئر والدافع إليها.
فأما إذا استكرهه على شرب السم فعليه القود في مذهب الشافعيّ ومالك، وعن أبي حنيفة: إن سقاه السمّ فمات: لم يقتل به، وإن أوجره إيجارا كان على عاقلته الدية.
ثم إنه ليس في هذا الحديث أكثر من أن اليهودية أهدتها لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأن بعثت بها، فصارت ملكا له، وصار أصحابه أضيافا له، ولم تكن هي التي قدّمتها إليهم وإليه، وما هذا سبيله فالقود فيه ساقط، لما ذكرنا من علة المباشرة وتقديمها على السبب.
وفي الحديث دليل على إباحة أكل طعام أهل الكتاب، وجواز مبايعتهم ومعاملتهم مع إمكان أن يكون في أموالهم الربا ونحوه من الشبهة.
وفيه حجة لمن ذهب إلى أن الهدية توجب العوض، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لا يقبل الهدية من يهودية إلا من حيث يرى فيها التعويض، فيكون ذلك عنده بمنزلة المعاوضة بعقد البيع. واللَّه- تعالى- أعلم. (معالم السنن) .
بشر بن البراء أمر بقتلها، وقال ابن لهيعة: حدثنا أبو الأسود عن عروة بن الزبير [ (1) ] .
وقال إسماعيل بن إبراهيم عن عمه موسى بن عقبة وقال محمد بن فليح:
حدثنا عقبة عن ابن شهاب قال: لما فتح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خيبر وقتل من قتل منهم أهدت زينب بنت الحارث اليهودية وهي ابنة أخي مرحب لصفية شاة مصلية وسممتها، وأكثرت في الكتف والذراع لأنه بلغها أنه أحب أعضاء الشاة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فدخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة، فقدمت إليهم الشاة المصلية، فتناول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الكتف وانتهش منها، وتناول بشر بن البراء عضوا فانتهش منه، فلما استرطها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استرط بشر بن البراء ما في فيه،
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أرفعوا أيديكم فإن كتف هذه الشاة تخبرني أن قد بغيت فيها،
فقال بشر بن البراء:
والّذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت فما منعني أن ألفظها إلا أني أعظمت أن أنغصك طعامك، فلما أسغت ما في فيك، لم أكن أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون استرطتها وفيها بغي، فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه مثل الطيلسان، وماطله وجعه حتى كان لا يتحول إلا ما حول [ (2) ] .
[قال جابر] : وفي رواية ابن فليح عن موسى، قال الزهري: قال جابر بن عبد اللَّه: واحتجم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الكاهل يومئذ حجمه مولى بني بياضه بالقون والشفرة وبقي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعده ثلاث سنين حتى كان وجعه الّذي توفى فيه فقال: ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطع الأبهر مني فتوفى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شهيدا [ (3) ] .
وقد ذكر ابن إسحاق [ (4) ] والواقدي قصة سم الشاة، وسياق الواقدي أنه قال في (مغازيه) [ (5) ] : لما فتح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خيبر واطمأن جعلت زينب ابنة
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 4/ 262- 263.
[ (2) ](المرجع السابق) : 263- 264.
[ (3) ](المرجع السابق) : 264- وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (4) ](سيرة ابن هشام) : 4/ 308- 309، قصة الشاة المسمومة، وموته صلى الله عليه وسلم شهيدا.
[ (5) ](مغازي الواقدي) : 2/ 677- 678.
الحارث اليهودية تسأل: أي الشاة أحب إلى محمد؟ فيقولون: الذراع والكتف، فعمدت إلى عنز لها فذبحتها، ثم عمدت إلى سم لا بطيّ، قد شاورت اليهود في سموم فأجمعوا لها على هذا السم بعينه، فسمت الشاة وأكثرت في الذراعين والكتفين، فلما غابت الشمس صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المغرب وانصرف إلى منزله، وجد زينب جالسة عند رحله فيسأل عنها فقالت: أبا القاسم، هدية أهديتها لك، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فأمر صلى الله عليه وسلم بالهدية فقبضت منها ووضعت بين يديه،
ثم قال لأصحابه وهم حضور أو من حضر منهم: ادنوا فتعشوا، فدنوا فقمدوا أيديهم، وتناول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الذراع وتناول بشر بن البراء عظما فانتهش رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منها نهشا وانتهش بشر، فلما ازدرد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ازدرد بشر.
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ضعوا أيديكم فإن هذه الذراع تخبره أنها مسمومة،
فقال بشر بن البراء: قد واللَّه يا رسول اللَّه وجدت ذلك من أكلتي التي أكلتها، فما منعني أن ألفظها إلا كراهية أن أنغص إليك طعامك، فلما تسوغت ما في يدك، لم أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون ازدرتها وفيها بغى، فلم يرم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان وماطله وجعه سنة لا يتحول إلا ما حوّل، ثم مات منه، ويقال: لم يرم مكانه حتى مات.
وعاش رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ثلاث سنين،
ودعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بزينب، فقال: سمعت الذراع؟ فقالت: من أخبرك؟ قال: الذراع، قالت: نعم، [قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:] وما حملك على ذلك؟ قالت: قتلت أبي، وعمي، وزوجي، ونلت من قومي ما نلت، فقلت: إن كان نبيا فستخبره الشاة بما صنعت، وإن كان ملكا استرحنا منه.
فاختلف علينا فيها، فقال قائل: أمر بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقتلت، ثم صلبت، وقال قائل: عفى عنها، وكان نفر ثلاثة قد وضعوا أيديهم في الطعام ولم يسيغوا منه شيئا، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أصحابه فاحتجموا أوساط رءوسهم
من الشاة، واحتجم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تحت كتفه اليسرى، ويقال: احتجم على كاهله، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة.
قالوا: فكانت أم بشر بن البراء تقول: دخلت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه وهو محموم فمسسته فقلت: ما وجدت مثل [ما] وعك عليك على أحد، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: كما يضاعف لنا الأجر كذلك يضاعف لنا البلاء، زعم الناس أن برسول اللَّه ذات الجنب، ما كان اللَّه ليسلطها عليّ، إنما هي همزة من الشيطان ولكنه من الأكلة الّذي أكلت أنا وابنك يوم خيبر، ما زال يصيبني منها عداد [ (1) ] حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري [ (2) ] ، فمات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شهيدا.
ويقال: إن الّذي مات من الشاة مبشر بن البراء، وبشر أثبت عندنا، وهو المجتمع عليه.
قال الواقدي: سألت إبراهيم بن جعفر عن قول زينب ابنة الحارث قتلت أبي؟ قال: قتل يوم خيبر أبوها الحارث وعمها يسار، وكان أجبن الناس، وكان الحارث أشجع اليهود، وأخوها زبير قتل يومئذ وكان زوجها سيدهم وأشجعهم سلام بن مشكم، كان مريضا، فقتل وهو مريض، وهو أبو الحكم كان صاحب حربهم، ولكن اللَّه شغله بالمرض [ (3) ] .
[ (1) ] العداد: اهتياج وجع اللديغ، وذلك إذا تمت له سنة من يوم لدغ هاج به الألم.
[ (2) ] الأبهر: العرق المعلق بالقلب.
[ (3) ](المرجع السابق) : 678- 679.