الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيمته [ (1) ] ، فمن جمع هذه الخصال على غاية مراتب الكمال أحق بالحب، وأولى بالميل [ (2) ] .
المسألة الثالثة عشر: أنه صلى الله عليه وسلم لا ينقض وضوؤه بالنوم بخلاف غيره
ودليله ما خرّجه البخاريّ من حديث سفيان، عن عمرو قال: أخبرنى كريب، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم نام حتى نفخ، ثم صلى، وربما قال: اضطجع حتى نفخ، ثم قام فصلى، ثم حدثنا به سفيان مرة بعد مرة، عن معمر، عن كريب، عن ابن عباس قال: بتّ عند خالتي ميمونة ليلة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، فلما كان في بعض الليل قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فتوضأ من شنّ معلقة وضوءا خفيفا يخففه عمرو، ويقلله، وقام يصلي، فتوضأت نحوا مما توضأ، ثم جئت، فقمت عن يساره، وربما قال سفيان: عن شماله، فحولني فجعلني عن يمينه، ثم صلى ما شاء اللَّه، ثم اضطجع، فنام حتى نفخ، ثم أتاه المنادي، فآذنه بالصلاة، فقام معه إلى الصلاة، فصلى ولم يتوضأ، قلنا لعمرو: إنّ أناسا يقولون: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تنام عينيه، ولا ينام قلبه، قال عمرو: سمعت عبيد بن عمير يقول: رؤيا الأنبياء وحي، ثم قرأ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ [ (3) ] .
[ (1) ] في (الأصل) : «شيمه» ، وما أثبتناه من (الشفا) .
[ (2) ](الشفا) : 2/ 24- 25، فصل في معنى المحبة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم وحقيقتها، ثم قال: وقد قال عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في صفته صلى الله عليه وسلم: من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، وذكرنا عن بعض الصحابة أنه كان لا يصرف بصره عنه محبة فيه صلى الله عليه وسلم.
[ (3) ] الصافات: 102.
ذكره البخاريّ في أول الوضوء، وترجم عليه باب التخفيف في الوضوء [ (1) ] .
وذكره في كتاب [الآذان] في باب وضوء الصبيان، ومتى يجب عليهم الغسل، والطهور [ (2) ] .
وخرّجه مسلم في كتاب الصلاة به مثله أو نحوا منه، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، ثم أتاه بلال فأذنه بالصلاة، فخرج، فصلى الصبح، ولم يتوضأ، قال سفيان: وهذا للنّبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة لأنه بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه، ولا ينام قلبه [ (3) ] . وخرّجه البخاريّ ومسلم من طرق عديدة.
وخرّج الترمذي [ (4) ] من حديث مالك، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي سلمة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول اللَّه أتنام قبل أن توتر؟ قال: يا عائشة إن عينيّ تنامان ولا ينام قلبي.
قال ابن عبد البر: وأما
قوله صلى الله عليه وسلم إن عينيّ تنامان، ولا ينام قلبي،
فتلك من علياء مراتب الأنبياء
[قال:] تنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا. واللَّه أعلم.
قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رؤيا الأنبياء وحي لأن الأنبياء يفارقون سائر البشر في نوم القلب، ويساوونهم في نوم العين، فلو سلط النوم على قلوبهم كما يصنع بغيرهم، لم تكن رؤياهم أكثر من سواهم، وقد خصهم اللَّه- تعالى- من فضله بما شاء أن يخصهم به، ومن هنا كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينام حتى ينفخ، ثم يصلي ولا يتوضأ، لأن الوضوء إنما يجب بغلبة
[ (1) ](فتح الباري) : 1/ 317 ن كتاب الوضوء، باب (5) التخفيف في الوضوء، حديث رقم (138) .
[ (2) ](فتح الباري) : 2/ 438، كتاب الأذان، باب (161) وضوء الصبيان، ومتى يجب عليهم الغسل والطهور؟ وحضورهم الجماعة والعيدين والجنائز وصفوفهم، حديث رقم (859) .
[ (3) ](مسلم بشرح النووي) : 6/ 294- 295، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (26) الدعاء في صلاة الليل وقيامه، حديث رقم (186) .
[ (4) ](سنن الترمذي) : 2/ 302- 303، أبواب الصلاة، باب (208) ما جاء في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، حديث رقم (439) .
النوم على القلب لا على العين، فكان صلى الله عليه وسلم يساوي أمته في الوضوء من الحدث، ولا يساويهم في الوضوء من النوم، كما لم يساويهم في وصال الصوم وغيره مما جرت عادتهم به، فإن قيل كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتوضأ، قيل له:
كان يتوضأ لكل صلاة وما جاء عنه قط أنه قال: وضوئي هذا من النوم، وليس ببعيد أن يتوضأ إذا خامر النوم قلبه، وذلك نادر، كنومة في سفره عن صلاة الصبح، ليس لأمته أن الصلاة لا يسقطها خروج الوقت، وإن كان مغلوبا بنوم، أو نسيان، وهذا واضح.
روى حماد بن سلمة، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نام حتى سمع غطيطه، ثم صلى ولم يتوضأ [ (1) ] .
قال عكرمة: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم محفوظا، وإن ذلك منه كان نادرا ليس لأمته كما سنّ في من نام، أو نسي كما
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إني لأسن.
وذكر عند عبد الرزاق عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قيل لي: لتنم عينك، ولتغفل،
فقال: يا أمير المؤمنين ما يذكر من شأن ذاك أو ذاك، فقال عمر: هبلتك أمك أدركه! مرتين، أو ثلاثا،
وقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لنا: إن رجلا يقال له أويس من قرن من أمره كذا،
فلما قدم الرجل لم يبدأ بأحد قبله، فدخل عليه، قال: استغفر لي، فقال:
ما بدا لك، قال: إن عمر قال لي كذا وكذا، قال: ما [أنا] بمستغفر لك حتى تجعل لي ثلاثا، قال: وما هن؟ قال: لا تؤذيني فيما بقي، ولا تخبر بما قال لك عمر أحدا من الناس، ونسي الثالثة.
قال المؤلف- رحمه الله: وقد روى من وجوه أن أويسا [ (2) ] قتل بصفين مع على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
[ (1) ](فتح الباري) : 2/ 242- 243، كتاب الأذان، باب (57) يوم عن يمين الإمام بحذائه سواء إذا كانا اثنين، حديث رقم (697) من حديث شعبة عن الحكم، قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما
[ (2) ] هو أويس القرني، القدوة، الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبو عمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليمانيّ، وقرن بطن من مراد، وفد على عمر، وروى قليلا عنه، وعن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-.
عن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم:
أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال:
من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم، قال: فكان بك برص، فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال:
نعم، قال: ألك والدة؟ قال: نعم،
قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على اللَّه لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل، فاستغفر لي. قال:
فاستغفر له.
وجد في قتلى صفين مع أصحاب علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 6/ 161، (طبقات خليفة) : ترجمة رقم (1044)، (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء) : 2/ 79، (لسان الميزان) : 1/ 471، (سير الأعلام) :
4/ 19- 33. وأحاديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، ونومه ولا يتوضأ، وتنام عيناه ولا ينام قلبه المقدس. ذكرها البيهقي في (السنن الكبرى) : 7/ 62، باب كان ينام ولا يتوضأ.