الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحصل بذلك ضيق، فأنزل اللَّه- تعالى- الآية، فعلى هذا ونحوه لا تحريم، وهذا قويّ ودليل التحريم غير منهض قائله.
الثانية: نكاح الحرة الكتابية حرام عليه
قال إمام الحرمين: وقد اختلف في تحريم الحرة الكافرة عليه، قال ابن العربيّ [ (1) ] : والصحيح عندي تحريمها عليه، وبهذا يتميز علينا فإنه ما كان من جانب الفضائل والكرامة فحظه فيه أكثر، وما كان من جانب النقائص فجانبه عنها أظهر فجوز لنا نكاح الحرائر الكتابيات وقصر هو صلى الله عليه وسلم لجلالته على المؤمنات، وإذا كان لا يحل له من لم تهاجر لنقصان فضل الهجرة، فأحرى ألا تحل له الكتابية الكافرة لنقصان الكفر. انتهى [ (2) ] .
وخرّج الحاكم [ (3) ] من حديث عبد اللَّه بن أبي أوفى- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سألت ربي- عز وجل أن لا أزوج أحدا من أمتي ولا أتزوج إلا كان معي في الجنة فأعطاني،
قال الحاكم صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] .
[ (1) ] قال ابن العربيّ في قوله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة: 22]، قال فيها ثلاث أقوال:
الأول: لا يجوز العقد بنكاح على مشركة كانت كتابية أو غير كتابية، قال عمر في إحدى روايتيه، وهو اختيار مالك والشافعيّ إذا كانت أمة.
الثاني: المراد به وطء من لا كتاب له من المجوس والعرب، قاله قتادة.
الثالث: أنه منسوخ بقوله تعالى: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة: 5] . (أحكام القرآن) : 1/ 156.
[ (2) ](أحكام القرآن) : 3/ 1559.
[ (3) ](المستدرك) : 3/ 148، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4667)، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : صحيح.
خرّج البيهقيّ [ (1) ] من حديث حذيفة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال لامرأته: أن سرّك أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا، فلذلك حرم على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده لأنهن أزواجه في الجنة.
وإذا تقرر ذلك، فالجنة محرمة على الكافرين ولأن الكافرة تكره صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه أشرف من أن يضع ماءه في رحم كافرة، قال القاضي حسين:
لا يجوز له أن ينزع ماؤه في رحمها، خالفه أبو إسحاق من أصحابنا فقال: لا يحرم عليه نكاحها كما في موالاته وحكمه صلى الله عليه وسلم في النكاح إن سعى من حكم أمته وهي حلال لهم وله أولى وهذا القائل يقول: لو نكح كتابية لهديت إلى الإسلام كرامة له، وفي (الحاوي) للماورديّ أنه صلى الله عليه وسلم استمتع بأمته ريحانة بنت عمر بملك اليمين وكانت يهودية من بني قريظة بعد أن عرض عليها الإسلام فأبت ثم أسلمت بعد ذلك، وهذا دليل القائل على الأمة الكتابية كما سيأتي إن شاء اللَّه- تعالى-.
قال مؤلفه فيما نقله الماورديّ نظر،
فقد نقل الواقدي [ (2) ] أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما أخذها من سبي بني قريظة لنفسه صفية عرض عليها الإسلام فأبت فعزلها
[ (1) ](السنن الكبرى) : 7/ 69- 70، كتاب النكاح، باب ما خص به من أن أزواجه أمهات المؤمنين، وأنه يحرم نكاحهن من بعده على جميع العالمين.
[ (2) ](مغازي الواقدي) : 2/ 520- 521، باب غزوة بني قريظة.
وقال الواقدي: وحدثني ابن أبي سبرة، عن أبي حرملة، عن أخته أم عبد اللَّه
…
[قالت صفية] : فسار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلينا قبل الكتيبة، فسبيت في النزار قبل أن ينتهي النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكتيبة، فأرسل بي إلى رحله، ثم جاءنا حين أمسى فدعاني، فجئت وأنا مقنعة حييّة، فجلست بين يديه فقال: إن أقمت على دينك لم أكرهك، وإن اخترت اللَّه ورسوله فهو خير لك، قالت:
أختار اللَّه ورسوله والإسلام، فأعتقني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وتزوجني وجعل عنقي مهري،
فلما أراد أن يخرج إلى المدينة قال أصحابه: اليوم نعلم أزوجة أم سرية، فإن كانت امرأته فسيحجبها وإلا فهي سرية. فلما خرج أمر بستر فسترت به فعرف أني زوجة، ثم قدّم إلى البعير وقدّم فخذه لأضع رجلي، فأعظمت ذلك، ووضعت فخذي على فخذه، ثم ركبت. وكنت ألقى
حتى أسلمت، فسر بذلك ثم قال: فحدثني عبد الملك بن سليمان، عن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أيوب بن بشير المعاوي، قال: أرسل بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى بيت سلمى بنت قيس أم المنذر، وكانت عندها حتى حاضت حيضة ثم طهرت من حيضتها فجاءت أم المنذر فأخبرت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فجاءها في منزل أم المنذر فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن أحببت إن أعتقك وأتزوجك فعلت، وإن أحببت أن تكوني في ملكي أطؤك بالملك فعلت، فقالت: يا رسول اللَّه إني أخفّ عليك وعليّ أن أكون في ملكك، فكانت في ملك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يطؤها حتى ماتت عنده.
وحدثني بن أبي ذئب قال: سألت الزهريّ عن ريحانة فقال: كانت أمة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأعتقها وتزوجها فكانت تحتجب في أهلها وتقول: لا يراني أحد بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال الواقدي [ (1) ] : فهذا أثبت الحديثين عندنا.
فتبين أنه صلى الله عليه وسلم لم يطأ ريحانة إلا بعد أن أسلمت ويظل الاستدلال على جواز التسري بالأمة الكتابية وقد خرجوا على القول بجواز ذلك هل عليه تخييرها بين أن تسلم فيمسكها أم تقيم على دينها فيفارقها؟ فيه وجهان حكاهما الماورديّ أحدهما: عليه تخييرها لتصبح من أزواجه في الآخرة، والثاني ليس ذلك عليه لأنه لما خير ريحانة وقد عرض عليها الإسلام فأقام على الاستمتاع بها.
[ () ] أزواجه، يفخرن عليّ يقلن: يا بنت اليهوديّ
وكنت أرى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يلطف بي ويكرمني، فدخل عليّ يوما وأنا أبكي فقال: مالك؟ فقلت: أزواجك يفخرن عليّ ويقلن: يا بنت اليهوديّ.
قالت: فرأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد غضب ثم قال: إذا قالوا لك أو فاخروك فقولي: أبي هارون وعمي موسى. (مغازي الواقدي) : 2/ 674- 675، باب غزوة خيبر مختصرا.
[ (1) ] راجع التعليق السابق.