الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة: التهجد كان واجبا عليه
فقال القفال: هو ما يصلى بالليل وإن قل، قال اللَّه- تعالى-: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [ (1) ] أو زيادة على ثواب الفرائض بخلاف تهجد غيره، فإنه جائز للنقصان المتطرق إلى الفرائض، وهو صلى الله عليه وسلم معصوم من تطرق الخلل إلى مفروضاته، فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. حكاه إمام الحرمين.
وذكر البغويّ في (تفسيره) نحوه، وقال الحسن وغيره: ليس لأحد نافلة.
إلا النبي صلى الله عليه وسلم لأن فرائضه كاملة، وأما غيره فلا يخلو عن نقص، فنوافله تكمل فرائضه، وأسنده البيهقيّ في (دلائل النبوة) عن مجاهد وكذا ابن المنذر في (تفسيره) ، وحكى ابن المنذر أيضا عن الضحاك نحوه، وذكره سليمان بن حبان، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، وذكر محمد بن نصر المروزي، عن أبي إسحاق أنه- تعالى- قال: نافِلَةً لَكَ قال: ليس هي نافلة لأحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن مجاهد قال: النافلة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة من أجل أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما عمل من عمل سوى المكتوبة فهو له نافلة، من أجل أنه لا يعمل ذلك في كفارة الذنوب، فهي نوافل له وزيادة، فالناس يعملون ما سوى المكتوبات لذنوبهم في كفارتها، فليس للناس نوافل وإنما هي للنّبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة.
وعن الحسن: لا تكون نافلة الليل إلا للنّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وعن قتادة: نافِلَةً لَكَ قال: تطوعا وفضيلة لك.
وخرّج من طريق وكيع: يعنى وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ قال محمد بن نصر: قد سمى ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- التطوع نوافل من الناس كلهم، لم يخص بذلك النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره، وهذا المعروف في اللغة، أن كل تطوع نافلة من الناس كلهم.
واستدل الرافعي وغيره بحديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
[ (1) ] الإسراء: 79.
قال: ثلاث هن على فرض، وهن لكم سنة: الوتر، والسواك، وقيام الليل [ (1) ] .
وهو حديث ضعيف، أخرجه البيهقي في (السنن) و (الخلافيات) من حديث موسى بن عبد الرحمن الصنعاني عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث هن عليّ فرض وهن لكم سنّة: الوتر، والسواك، وقيام الليل.
وموسى هذا هو موسى ابن عبد الرحمن الثقفي الصنعاني أبو محمد المفسّر. قال ابن عدي: منكر الحديث، وقد يقبل بابن جريح، عن عطاء، عن ابن عياش، وهذه الأحاديث بواطيل.
وقال البيهقيّ: موسى هذا ضعيف جدا ولم يثبت في هذا إسناد.
وقال الشيخ أبو حامد: إن الشافعيّ نص على أنه نسخ وجوب قيام الليل في حقه صلى الله عليه وسلم، كما نسخ في حق الأمة فإنه كان واجبا في ابتداء الإسلام على الأمة كافة.
قال ابن الصلاح، والنووي في (الروضة) : وهذا هو الصحيح تشهد له الأحاديث.
قال مؤلفه: قال الشافعيّ: سمعت من أثق خبره وعمله، يذكر أن اللَّه- عز وجل أنزل فرضا في الصلاة، ثم نسخه بفرض غيره، ثم نسخ الثاني بالفرض في الصلوات الخمس، قال: كأنه يعنى قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا* نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ [ (2) ]، ثم نسخه في [آخر] السورة بقوله: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ [ (3) ] فينسخ قيام الليل، أو نصفه، أو أقل، أو أكثر بما تقدم.
قال: ويقال: نسخ ما وصفت في المزمل بقول اللَّه- تعالى-: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً
[ (1) ](سبق تخريجه) . وموسى بن عبد الرحمن الثقفي الصنعاني منكر الحديث، ترجمته في (الكامل في ضعفاء الرجال) : 6/ 349، ترجمة رقم (210/ 1831) .
[ (2) ] المزمل: 1- 4.
[ (3) ] المزمل: 20.
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [ (1) ] فأعلمه أن صلاة الليل نافلة لا فريضة، والفرائض فيما ذكر من ليل ونهار، وقال: ففرائض الصلوات خمس، وما سواها تطوع. انتهى، فهذا ما أشار إليه الشيخ أبو حامد من نصّ الشافعيّ.
وقال محمد بن نصير المروزي في كتاب (قيام الليل) وقد حكاها عن الشافعيّ: فذهب الشافعيّ في الحكاية التي حكاها وغيره، إلى أن اللَّه- تعالى- افترض قيام الليل في أول سورة المزمل على المقادير التي ذكرها، ثم نسخ ذلك في آخر السورة، وأوجب قراءة ما تيسر في قيام الليل فرضا، ثم نسخ فرض قراءة ما تيسر بالصلوات الخمس.
[ (1) ] الإسراء: 78- 79.