الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في ذكر خصائص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم التي لم يشركه فيها غيره
اعلم أنه يقال: خصه بالشيء يخصه خصا وخصوصا وخصصه واختصه أفرده به دون غيره، والاسم الخصوصية، والخصية، والخاصة، والخصيصي، وهي تمد وتقصر، وفعلت به خصية، وخاصة، وخصوصية، والخاصة من تخصه لنفسك، والخصتان كالخاصة، وخاصّه بكذا أعطاه شيئا كثيرا. قاله أبو الحسن على بن سيده في (المحكم)[ (1) ] .
اعلم أن أصحابنا- رحمهم الله قد أكثروا من ذكر هذا الفصل في أوائل كتب النكاح من مصنفاتهم، تأسيا، بالإمام أبي عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه ذكر طرفا من ذلك هنالك فقال:
إن اللَّه- تعالى- لما خص به رسوله من وجد وأبان بينه وبين خلقه، بينما فرض عليهم من طاعته افترض علينا أشياء خففها عن خلقه، ليزيده بها إن شاء اللَّه حظها على خلقه زيادة في كرامته، وتنبيها لفضيلته صلى الله عليه وسلم، قال: اقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي- رحمه اللَّه تعالى- بعد إيراده هذا في كتاب (الحاوي) : هذا فصل نقله المزني مع بقية الباب من أحكام القرآن للشافعي، فأنكر بعض المعترضين عليه إيراد ذلك في مختصره، لسقوط التكليف عنا فيما خص به الرسول صلى الله عليه وسلم، من تخفيف وتغليظ، ولوفاة زوجاته المخصوصات بالأحكام، فلم يكن فيه إلا التشاغل بما يلزم، عما يجب ويلزم، فصوب أصحابنا ما أورده المزني على هذا المعترض بما ذكروه من غرض المزني من وجهين:
أحدهما: أنه قدم مناكح النبي صلى الله عليه وسلم تبركا بها، والتبرك في المناكح مقصود كالتبرك بالخطب.
[ (1) ] كذا قاله ابن منظور في (اللسان) : 7/ 24- 25، نقلا عن (المحكم) لابن سيده.
والثاني: أن يسبق العلم بأن الأمة لا تساوى نبيها صلى الله عليه وسلم في مناكحه، وإن كانت تساويه في غيرها من الأحكام، حتى لا يقدم أحد على ما خطر عليه اقتداء به انتهى.
وقد حكى الصيمري عن أبي علي بن خيران أنه منع من الكلام في خصائص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في أحكام النكاح وكذا في الإمامة، كما حكاه الماورديّ، وأطلق في (الروضة)[ (1) ] الحكاية، عن الصيمريّ عنه، ووجهه أن ذلك قد انقضى، فلا عمل يتعلق به، فلا معنى للكلام فيه، وإنما يسوغ الاجتهاد في النوازل التي تقع، أو نتوقع، ومال إلى هذا الشيخ أبو حامد الغزالي ونسبه إلى المحققين تبعا لإمامه، فقال: وليس يسوغ إثبات خصائص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالأقيسة التي تناط بها الأحكام العامة في الناس، ولكن الوجه ما جاء به الشرع من غير مزيد عليه.
وقال إمام الحرمين: قال المحققون: وذكر الخلاف في مسائل الخصائص خبط غير مفيد، فإنه لا تعلق به حكم ناجز، تمس الحاجة إليه، وإنما يجزي الخلاف فيما [لا][ (2) ] نجد بدا من إثبات حكم فيه، فإن الأقيسة لا مجال لها في ذلك، والأحكام الخاصة تتبع فيها النصوص، ما لم ينقل فيه فالخلاف فيه هجوم على غيب من غير فائدة.
قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح بعد حكاية ذلك: وهذا غريب بلبح، وقال: إنه قد انقضى فلا عمل يتعلق به، وليس فيه من دقيق العلم ما يقع به التدريب، فلا وجه لتضييع الزمان برجم الظنون فيه، وأما الجمهور فإنّهم جوّزوا ذلك لما فيه من العلم.
وقال الثوري: وجه الصواب الجزم بجواز ذلك بل باستحبابه، ولو قيل بوجوبه لم يكن بعيدا أن لم يمنع منه إجماع، لأنه ربما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتا في الصحيح فيعمل به أخذا بأصل الناس، فوجب بيانها لتعرف،
[ (1) ](روضة الطالبين) : 5/ 362، كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في النكاح وغيره.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
ولا يشاركه فيها أحد، وأي فائدة أعظم من هذه؟ وأما ما يقع في أثناء الخصائص مما لا فائدة فيه اليوم فقليل جدا، لا تخلو أبواب الفقه عن مثله للتدرب، ومعرفة الأدلة، وتحقيق الشيء على ما هو عليه.
وقال ابن الرفعة في (المطلب) : قد يقال بالتوسط، فيتكلم فيما جرى في الصدر الأول من ذلك دون ما لم يجز منه، قال: وكلام الوسيط يرشد إليه، وأما جمهور الأصحاب فلم يعرجوا على ما ذكره ابن جبران وإمام الحرمين، بل ذكروا ذلك مستقصيا لزيادة العلم، لا سيما الإمام أبو العباس أحمد بن أحمد ابن القاضي الطبريّ صاحب كتاب (التلخيص) . وقد جاء في السنة ما بينه، وهو
قوله صلى الله عليه وسلم عام الفتح: إن اللَّه أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار، وقد رتب الحافظ أبو بكر البيهقيّ كلامه في ذلك في (سننه الكبير)[ (1) ]
ولكن فرعوا كثيرا من ذلك على أحاديث فيها نظر، سيرد ذكرها إن شاء اللَّه- تعالى-، وقد رتبوا الكلام فيها على أربعه أنحاء:
الأول: ما وجب عليه دون غيره.
الثاني: ما حرم عليه دون غيره.
الثالث: ما أبيح له دون غيره.
الرابع: ما اختص به من الفضائل دون غيره.
فذكروا في كل منها أحكام النكاح وغيرها ورتبها بعضهم على قسمين:
أحدهما: ما اختص به عن سائر إخوانه من الأنبياء صلوات اللَّه عليه وعليهم أجمعين.
الثاني: ما اختص به من الأحكام دون أمته.
[ (1) ](سنن البيهقيّ) : 7/ 36، كتاب النكاح.