الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالثة: أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل متكئا
خرّج البخاريّ [ (1) ] من طريق مسعر عن عليّ بن الأقمر، سمعت أبا جحيفه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل: لا آكل متكئا.
وخرّجه ابن أبي خيثمة بهذا الإسناد مثله، وخرّجه أبو داود [ (2) ] من طريق سفيان، عن عليّ بن الأقمر بهذا الإسناد مثله سواء.
وخرّج البخاريّ [ (3) ] من طريق جرير بن منصور، عن عليّ بن الأقمر، عن أبي جحيفة، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل عنده: لا آكل وأنا متكئ.
وخرّجه النسائي من طريق شريك عن عليّ بن الأقمر، عن أبي جحيفة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أما أنا فلا آكل متكئا.
وخرّج عبد الرزاق عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد، فإنما أنا عبد، وخرّجه البيهقي في (شعب الإيمان)[ (4) ] وفي (دلائل النبوة) .
وخرّج ابن سعد [ (5) ] ، عن أبي النضر، عن أبي معشر، عن سعيد [المقبري] ، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: يا عائشة إن شئت لسارت معي جبال الذهب، أتاني ملك وإن حجزته لتساوي الكعبة، فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: إن شئت
[ (1) ](فتح الباري) : 9/ 675، كتاب الأطعمة، باب (13) ، حديث رقم (5398) .
[ (2) ](سنن أبى داود) : 4/ 140- 141، كتاب الأطعمة، باب (17) ما جاء في الأكل متكئا، حديث رقم (3769) .
[ (3) ](فتح الباري) : 9/ 675، كتاب الأطعمة، باب (13) الأكل متكئا، حديث رقم (5399) .
[ (4) ](شعب الإيمان) : 5/ 107، باب (39) في المطاعم والمشارب، الأكل متكئا، حديث رقم (5975) .
[ (5) ](طبقات ابن سعد) : 1/ 381، ذكر صفة مأكله صلى الله عليه وسلم، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[كنت][ (1) ] نبيا [مليكا][ (2) ] ، وإن شئت [نبيا] عبدا، فأشار إليّ جبريل [أن] ضع نفسك، فقلت: نبيا عبدا، فكان بعد ذلك لا يأكل متكئا، ويقول: آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد.
وخرّج النسائي من طريق بقية الزبيدي قال: حدثني الزهريّ، عن محمد بن عبد اللَّه بن عباس قال: كان ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يحدث أن اللَّه- تعالى- أرسل إلى بيته صلى الله عليه وسلم ملكا من الملائكة، ومعه جبريل- عليه السلام، فقال له الملك: إن اللَّه يخيّرك بين أن تكون عبدا نبيا وبين أن تكون ملكا فالتفت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير، فأشار جبريل بيده أن تواضع، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا بل أكون عبدا نبيا، فما أكل بعد هذه الكلمة طعاما متكئا.
ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهريّ، قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم ملك لم يأته قبلها ولا بعدها، فقال: إن اللَّه يخيرك بين أن تكون نبيا ملكا، أو نبيا عبدا
…
الحديث بنحوه.
وعن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد. خرّجه البزار
وقال: لا نعلمه يروي بإسناد متصل إلا من هذا الوجه، ولا نعلم رواه عن ابن عمر إلا نافعا، ولا عنه إلا عبيد اللَّه، ولا عنه إلا مبارك، تفرد به حفص وقال: ومبارك كان مدلسا، وقد اختلف في ذلك، هل كان حراما عليه صلى الله عليه وسلم أو مكروها؟ فيه وجهان:
أشبههما كما قال الرافعي وغيره: أنه كان مكروها فإنه لم يثبت فيه ما يقتضي
[ (1) ] من (الأصل) فقط.
[ (2) ] كذا في (الأصل)، وفي (الطبقات) :«ملكا» ، وله من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن شعيب بن عبد اللَّه بن عمرو، قال إسحاق بن عيسى في حديثه عن أبيه قال: ما رئي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط، ولا يطأ عقبه رجلان.
ومن حديث الفضل بن دكين، أخبرنا مسعر، كلاهما عن عليّ بن الأقمر، قال: سمعت أبا جحيفة يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا آكل متكئا. (المرجع السابق) : 1/ 380.
التحريم واجتناب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الشيء واختياره غيره، لا يدل على كونه محرما عنده.
وقال النووي [ (1) ] : والصحيح أنه كان مكروها في حقه صلى الله عليه وسلم، لا حراما، وقال ابن شاهين: لم يكن محرما عليه وإنما هو أدب من الآداب.
والثاني: أنه كان حراما عليه وجزم به صاحب (التلخيص) لما فيه من الكبر والعجب، فعلى أنه ليس بحرام لا يبقى من باب الخصائص، فإنه يكره لغيره أيضا الأكل متكئا على كل من تفسيريه، وإذا تقرر ذلك فما المراد بالمتكئ؟ فيه خلاف، قال ابن سيده: توكأ على الشيء واتكأ تحمل واعتمد، والتكأة العصا يتكأ عليها في المشي، واتكأ الرجل جعل له متكأ، وضربه فاتكأه، ألقاه على جانبه الأيسر [ (2) ] ، وفسر الخطّابيّ المتكئ هنا بالمتمكن في جلوسه من التربع، وشبهه المعتمد على الوطاء تحته، قال: وكل من استوى
[ (1) ](روضة الطالبين) : 5/ 348- 349، كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في النكاح وغيره، وقال في هامشه: لم يبين المصنف المراد بالاتكاء، وعن الخطابي: المراد به الجالس المعتمد على وطاء تحته، وعن ابن الجوزي: أن المراد به المائل على جنب، وفسره القاضي عياض في (الشفاء) بما ذكره الخطّابيّ.
[ (2) ] قال الزجاج: هو ما يتكأ عليه لطعام أو شراب أو حديث، وقال المفسرون في قوله- تعالى-:
وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً أي طعاما، وقيل للطعام متكأ لأن القوم إذا قعدوا على الطعام اتكئوا، وقد نهيت هذه الأمة عن ذلك،
قال النبي صلى الله عليه وسلم: آكل كما يأكل العبد، وفي الحديث: لا آكل متكئا.
المتكئ في العربية كل من استوى قاعدا، على وطاء متمكنا، والعامة لا تعرف المتكئ إلا من مال في قعوده معتمدا على أحد شقيه، والتاء فيه بدل من الواو، وأصله من الوكاء، وهو ما يشد به الكيس وغيره، كأنه أوكأ مقعدته وشدها بالقعود على الوطاء الّذي تحته.
قال ابن الأثير: ومعنى الحديث: أني إذا أكلت لم أقعد متمكنا فعل من يريد الاستكثار منه، ولكن آكل بلغة، فيكون قعودي له مستوفزا. قال: ومن حمل الاتكاء على الميل إلى أحد الشقين، تأوله على مذهب الطب، فإنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلا، ولا يسيغه هنيئا، وربما تأذى به. (لسان العرب) : 1/ 200- 201 مختصرا.