الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وعلقت به، فأخذ النبل فجمعها، ثم أخذ لهم كفا من حصا، فحصب به حصنهم فرجف الحصن بهم، ثم ساخ في الأرض.
قال إبراهيم بن جعفر: استوى بالأرض حتى جاء المسلمون فأخذوه أهله أخذا وكانت فيه صفية بنت حيي وابنة عمها وصبيات من حصن النزار [ (1) ] .
وأما ما صنعه اللَّه سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم حتى فرت غطفان وتركت يهود خيبر
فذكر الواقديّ [ (2) ] وغيره: أن كنانة بن أبي الحقيق، خرج من خيبر في ركب إلى غطفان يدعوهم إلى نصرهم، ولهم نصف تمر خيبر سنة، وذلك أنه بلغهم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سار إليهم، قالوا: وكان رجل من بني مرة يكنى أبا شيم يقول: أنا في الجيش الذين كانوا مع عيينة من غطفان، أقبل: مدد اليهود، فنزلنا بخيبر ولم ندخل حصنا، فأرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن وهو رأس غطفان وقائدهم أن ارجع بمن معك، ولك نصف تمر خيبر هذه السنة، إن اللَّه وقد وعدني خيبر.
فقال عيينة: لست بمسلم حلفائي وجيراني، فأقمنا على ذلك مع عيينة إذ سمعنا صائحا لا ندري من السماء أو من الأرض: أهلكم، أهلكم بحيفاء [ (3) ]- صيح ثلاثة- فإنكم قد خولفتم إليهم!!.
وقال الواقدي- رحمه الله: إنه لما سار كنانة بن أبي الحقيق فيهم، حلفوا معه وارتأسهم عيينة بن حصن، وهم أربعة آلاف، فدخلوا مع اليهود في حصون النطاة قبل قدوم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام، فلما قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خيبر أرسل إليهم سعد بن عبادة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهم في
[ (1) ](مغازي الواقدي) : 2/ 667- 668، وقلل: جمع قلة، وقله أعلاه، وفي (البداية والنهاية) :«وأخذ المسلمون كل شيء أخذا باليد» .
[ (2) ](مغازي الواقدي) : 2/ 650- 652.
[ (3) ] حيفاء أو حفياء: موضع قرب المدينة.
الحصن، فلما انتهى سعد إلى الحصن ناداهم: إني أريد إن أكلم عيينة بن حصن، فأراد عيينة أن يدخله الحصن، فقال مرحب: لا ندخله فيرى خلل حصننا، ويعرف نواحيه التي يؤتي منها ولكن تخرج إليه، فقال عيينة: وقد أحببت أن يدخل فيرى حصانته ويرى عددا كبيرا، فأبى مرحب أن يدخله، فخرج عيينة إلى باب الحصن.
فقال سعد: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أرسلني إليك يقول: إن اللَّه قد وعدني خيبر، فارجعوا، وكفوا فإن ظهرنا عليها فلكم تمر خيبر سنة،
فقال عيينة:
بلغه عني أنا واللَّه ما كنا لنسلم حلفاءنا لشيء، وإنا لنعلم ما لك، ولمن معك، بما ها هنا طاقة، هؤلاء قوم أهل حصون منيعة، ورجال عددهم كثير وسلاح، إن أقمت هلكت ومن معك، وإن أردت القتال عجلوا عليك بالرجال والسلاح ولا واللَّه، ما هؤلاء كقريش، قوم ساروا إليك، فإن أصابوا غرة منك فذاك الّذي أرادوا، وإلا انصرفوا، وهؤلاء قوم يماكرونك الحرب، ويطاولونك حتى تملهم.
فقال له سعد بن عباده: أشهد ليحضرنك في حصنك هذا حتى تطلب الّذي عبادة عرضنا عليك، فلا نعطيك إلا السيف، ولقد رأيت يا عيينة من قد حللنا بساحته من يهود يثرب، كيف مزقوا كل ممزق! فرجع سعد إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبره بما قال، وقال سعد: يا رسول اللَّه إن اللَّه منجز لك ما وعدك، ومظهر دينه، فلا تعطه [ (1) ] تمرة واحدة يا رسول اللَّه، لئن أخذه السيف ليسلمنهم وليهربن إلى بلاده، كما فعل قبل ذلك اليوم في الخندق، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يوجهوا إلى حصنهم الّذي فيه غطفان، وذلك عشية وهم في حصن ناعم.
فنادى منادي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أصبحوا على رايتكم عند حصن ناعم الّذي فيه غطفان، قال: فرعبوا من ذلك يومهم وليلتهم، فلما كان بعد هذه من تلك الليلة سمعوا صائحا يصيح، لا يدرون من السماء أو الأرض: يا معشر غطفان أهلكم، أهلكم، الغوث، الغوث بحيفاء صيح ثلاثة لا تربة ولا مال.
[ (1) ] كذا في (الأصل)، وفي (المغازي) :«فلا تعط هذا الأعرابي» .
قال: فخرجت غطفان على الصعب والذّلول، وكان أمرا صنعه اللَّه- عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا أخبر كنانة بن أبي التحقيق وهو في الكتيبة بانصرافهم، فسقط في يديه [ (1) ] ، وذلّ، وأيقن بالهلكة وقال: كنا من هؤلاء الأعراب في باطل، إنا سرنا فيهم فوعدونا النصر، وغزوّنا، ولعمري لولا ما وعدونا من نصرهم ما نابذنا محمدا بالحرب، ولم نحفظ كلام سلام بن أبي الحقيق إذ قال: لا تستنصروا بهؤلاء الأعراب أبدا فإنا قد بلوناهم، وجلبهم لنصر بني قريظة ثم غروهم، فلم نر عندهم وفاء لنا، وقد سار فيهم حييّ بن أخطب، وجعلوا يطلبون الصلح من محمد، ثم زحف محمّد إلى بني قريظة، وانكشفت غطفان راجعة إلى أهلها.
قالوا: فلما انتهى الغطفانيون إلى أهلهم بحيفاء، وجدوا أهلهم على حالهم، فقالوا: هل راعكم شيء؟ قالوا: لا واللَّه، فقالوا ولقد ظننا أنكم قد غنمتم، فما نرى معكم غنيمة ولا خيرا.
فقال عيينة لأصحابه: هذا واللَّه من مكائد محمد وأصحابه خدعنا واللَّه، فقال له الحارث بن عوف: بأي شيء؟ قال عيينة: إنّا في حصن النطاة بعد هدأة [ (2) ] ، إذا سمعنا صائحا يصيح، لا ندري من السماء أو من الأرض! أهلكم، أهلكم بحيفاء، صيح ثلاثة فلا تربة، ولا مال.
فقال الحارث بن عوف: يا عيينة واللَّه لقد غبرت أن انتفعت واللَّه إن الّذي سمعت لمن السماء، واللَّه ليظهرن محمد على من ناوأه، حتى لو ناوأته الجبال لأدرك منها ما أراد، فأقام عيينة أياما في أهله، ثم دعا أصحابه للخروج إلى نصر اليهود، فجاءه الحارث بن عوف، فقال: يا عيينة أطعني، وأقم في منزلك، ودع نصر اليهود، [محمد أحب إلينا من اليهود] مع أني لا أراك ترجع إلى خيبر، إلا وقد فتحها محمد صلى الله عليه وسلم ولا آمن عليك، فأبى عيينة أن يقبل قوله، وقال: لا أسلم حلفائي لشيء، ولما ولي عيينة إلى أهله، هجم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الحصون حصنا حصنا، فلقد انتهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى حصن
[ (1) ] سقط في يده: ندم وتحيّر وذلّ.
[ (2) ] الهدأة: أول الليل إلى ثلاثة.
ناعم ومعه المسلمون، وحصون ناعم عدة، فرمت اليهود يومئذ بالنّبل، وترّس أصحاب صلى الله عليه وسلم عن رسول اللَّه، وعلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومئذ درعان ومغفر وبيضة وهو على فرس يقال له الظرب، في يده قناة وترس، وأصحابه محدقون به، وقد كان دفع لواءه إلى رجل من أصحابه من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا، ثم دفع إلى آخر فرجع ولم يصنع شيئا، ودفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لواء الأنصار إلى رجل منهم، فخرج ورجع ولم يعمل شيئا، فحث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المسلمين، وسالت كتائب اليهود، امامهم الحارث أبو زينب يقدم اليهود يهد الأرض هدّا، فأقبل صاحب راية الأنصار فلم يزل يسوقهم حتى انتهوا إلى الحصن فدخلوه، وخرج أسير اليهوديّ يقدم أصحابه معه عاديته، وكشف راية أصحاب الأنصار حتى انتهى إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في موقفه، ووجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في نفسه حدة شديدة، وقد ذكر لهم الّذي وعدهم اللَّه، فأمسى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مهموما، وقد كان سعد بن عبادة رجع مجروحا وجعل يستبطئ أصحابه، وجعل صاحب راية المهاجرين يستبطئ أصحابه ويقول: أنتم، وأنتم!
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنّ اليهود جاءهم الشيطان فقال لهم: إنّ محمدا يقاتلكم على أموالكم! نادوهم: قولوا لا إله إلا اللَّه، ثم قد أحرزتم بذلك أموالكم ودماءكم، وحسابكم على اللَّه، فنادوهم بذلك فنادت اليهود: إنا لا نفعل ولا نترك عهد موسى والتوراة بيننا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبه اللَّه ورسوله، يفتح اللَّه على يديه، ليس بفرّار، أبشر يا محمد بن مسلمة غدا، إن شاء اللَّه يقتل قاتل أخيك وتولى عادية اليهود، فلما أصبح أرسل إلى عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو أرمد، فقال: ما أبصر سهلا ولا جبلا. قال: فذهب إليه فقال: افتح عينيك. ففتحهما فتفل فيهما. قال عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: فما رمدت حتى الساعة، ثم دفع إليه اللواء، ودعا له ومن معه من أصحابه بالنصر، فكان أول من خرج إليهم الحارث أخو مرحب في عاديته، فانكشف المسلمون وثبت عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فاضطربا ضربات فقتل عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن فدخلوه وأغلقوا عليهم، فرجع المسلمون إلى موضعهم،
فخرج مرحب وهو يقول:
قد علمت خيبر أني مرحب
…
شاكي السلاح بطل مجرب
أضرب أحيانا وحينا أضرب
فحمل عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقطره على الباب وفتح الباب، وكان للحصن بابان.
وحدثني ابن أبي سبرة، عن خالد بن رباح، عن شيوخ من بني ساعدة قالوا: قتل أبو دجانة الحارث أبا زينب، وكان يومئذ معلما بعمامة حمراء، والحارث معلم فوق مغفره، وياسر وأسير وعامر معلمين.
قال وحدثني ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد اللَّه قال: لما نظر عيينة بن حصن إلى حصن الصعب بن معاذ، والمسلمون ينقلون منه الطعام، والعلف، والبرّ، قال: ما أحد يعلف لنا دوابنا ويطعمنا من هذا الطعام الضائع، فقد كان أهله عليه كراما، فشتمه المسلمون وقالوا: لك الّذي جعل لك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذو الرقيبة فأمسكت [ (1) ] .
[ (1) ] شرح معنى «ذو الرقيبة» ، في سياق الفقرة التالية.