الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما إشارة الرسول صلى الله عليه وسلم حين ضرب بالفأس في حفر الخندق وإلى ما فتحه اللَّه من المدائن لأمته
فخرج أبو نعيم [ (1) ] من طريق ابن وهب، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خرج يوم الخندق وهم محدقون حول المدينة فتناول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الفأس فضرب بها ضربة فقال:
هذه الضربة يفتح اللَّه- تعالى- بها كنوز الروم، ثم ضرب الثانية فقال: هذه الضربة يفتح اللَّه- تعالى- بها كنوز فارس، ثم ضرب الثالثة فقال: هذه الضربة يأتيني اللَّه- عز وجل بأهل اليمن أنصارا وأعوانا.
وخرجه البيهقيّ [ (2) ] من طريق محمد بن عبد اللَّه الحافظ قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علّون المقري ببغداد، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يونس القرشيّ، قال: حدثنا محمد بن خالد بن عثمة، قال: حدثنا كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف المزنيّ قال: حدثني أبي عن أبيه قال: خط رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الخندق عام الأحزاب من أجم السّمر طرف بني حارثة حين بلغ المداد، ثم قطع أربعين ذراعا بين كل عشرة،
فاختلف المهاجرون والأنصار- في سلمان الفارسيّ- وكان رجلا قويا- فقالت الأنصار: سلمان منا، وقالت المهاجرون: سلمان منا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: سلمان منا أهل البيت.
قال عمر بن عوف: فكنت أنا، وسلمان، وحذيفة بن اليمان، والنعمان ابن مقرّن، وستة من الأنصار في أربعين ذراعا، فحضرنا حتى إذا بلغنا الثديّ أخرج اللَّه من بطن الخندق صخرة بيضاء مدورة، فكسرت حديدنا، وشقّت
[ (1) ](دلائل أبي نعيم) : 2/ 498- 499، من الأخبار في غزوة الخندق، حديث رقم (429) ، أخرجه الطبراني بإسنادين في أحدهما حييّ بن عبد اللَّه، وثقه ابن معين، وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح، كما في (مجمع الزوائد) : 6/ 131.
[ (2) ](دلائل البيهقيّ) : 3/ 418- 420، باب ما ظهر في حفر الخندق من دلائل النبوة وآثار الصدق.
علينا، فقلنا: يا سلمان، ارق إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبره خبر هذه الصخرة، فإنا إن نعدل عنها فإن المعدل قريب، وإما أن يأمرنا فيها بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه، فرقى سلمان حتى أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية، فقال: يا رسول اللَّه، بأبينا أنت وأمنا، خرجت لنا صخرة بيضاء من الخندق مروه فكسرت حديدنا، وشقت علينا حتى ما يحيك فيها قليل ولا كثير، فمرنا فيها بأمرك، فإنا لا نحب أن نجاوز خطك، فهبط رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع سلمان في الخندق، ورقينا عن الشقة في شقة الخندق،
فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المعول من سلمان فضرب الصخرة ضربة صدعها، وبرقت منها برقة أضاء ما بين لابتيها- يعني لابتي المدينة- حتى لكأن مصباحا في جوف ليل مظلم، فكبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تكبيرة فتح، فكبر المسلمون.
ثم ضربها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الثانية، فكسرها، وبرق منها برقة أضاء ما بين لابتيها، حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تكبيرة فتح، فكبر المسلمون.
ثم أخذ بيد سلمان فرقى، فقال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه! لقد رأيت شيئا ما رأيته قط، فالتفت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى القوم، فقال: هل رأيتم ما يقول سلمان؟ قالوا: نعم يا رسول اللَّه، بأبينا أنت وأمنا، قد رأيناك تضرب، فخرج برق كالموج فرأيناك تكبر، ولا نرى شيئا غير ذلك، فقال:
صدقتم، ضربت ضربتي الأولى، فبرق الّذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى، كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها.
ثم ضربت ضربتي الثانية، فبرق الّذي رأيتم، أضاءت لي منها قصور الحمر من أرض الروم، كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها.
ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق منها، الّذي رأيتم، أضاءت منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، فأبشروا يبلغهم النصر، وأبشروا يبلغهم النصر، وأبشروا يبلغهم النصر.
فاستبشر المسلمون، وقالوا: الحمد اللَّه موعود صادق بأن اللَّه وعدنا النصر بعد الحصر، فطلعت الأحزاب، فقال المسلمون: هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً [ (1) ] .
وقال المنافقون: ألا تعجبون!؟ يحدثكم ويمنيكم، ويعدكم بالباطل، يخبركم أنه بصر من يثرب قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق، ولا تسطيعون أن تبرزوا!!.
فأنزل القرآن: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [ (2) ] .
وله من حديث هوذة بن خليفة قال: حدثنا عوف عن ميمون، قال:
حدثني البراء بن عازب قال: لما كان حين أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة لا تأخذ فيها المعاول، فشكونا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء فلما رآها ألقى ثوبة، وأخذ المعول، فقال:
بسم اللَّه، ثم ضرب ضربة فكسر ثلثها، فقال: اللَّه أكبر أعطيت مفاتيح الشام واللَّه إني لأبصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية، وقال: بسم اللَّه، فقطع ثلثا آخر، فقال: اللَّه أكبر أعطيت مفاتيح فارس، واللَّه إني لأبصر قصر المدائن الأبيض، ثم ضرب الثالثة، وقال بسم اللَّه، فقطع بقية الحجر، فقال:
اللَّه أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، واللَّه إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة [ (3) ] .
ومن طريق محمد بن إسحاق قال: حدثنا سعيد بن يحيى قال: حدثني أبي قال: ابن إسحاق: فحدثني من سمع حميلا يتحدث، عن أنس بن مالك قال: قسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الخندق بين المهاجرين والأنصار، وظل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومه ذلك بعمل فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بمعوله ضربة، وبرقت برقة، فخرج نور من قبل اليمن، ثم ضرب أخرى فخرج نور من قبل فارس، فعجب سلمان من
[ (1) ] الأحزاب: 22.
[ (2) ] الأحزاب: 12.
[ (3) ](المرجع السابق) : 241، باختلاف يسير في اللفظ.
ذلك فقال رسول اللَّه: أرأيت؟ قلت: نعم، قال: لقد أضاء لي أبيض المدائن، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن اللَّه قد بشرني في مقامي هذا بفتح اليمن، والروم، وفارس.
وقال: محمد بن إسحاق، عن الكلبي عن أبي صالح، عن سلمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ضربت في ناحية الخندق فعصت عليّ صخرة ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قريب مني فلما رآني أضرب، ورأى شدة المكان [جاء] فأخذ المعول من يدي، فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة، ثم ضرب به ضربة أخرى، فلمعت برقة أخرى، قال: فقلت: بأبي أنت وأمي! ما هذا الّذي رأيت تحت المعول؟ قال: وقد رأيت ذلك يا سلمان؟ قلت: نعم، قال: أما الأولى فإن اللَّه فتح بها عليّ اليمن، وأما الثانية فإن اللَّه فتح بها عليّ الشام والمغرب، وأما الثالثة فإن اللَّه فتح بها عليّ المشرق.
ومن طريق الحسن بن سفيان قال: حدثنا عبد الرحمن بن المتوكل، حدثنا فضيل بن سليمان، حدثنا محمد بن أبي يحيى عن العباس بن سهل، بن سعد، عن أبيه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الخندق، فأخذ الكرزن [ (1) ] فحفره، فصادف حجرا فضحك، فقيل: لم ضحكت يا رسول اللَّه؟ قال: ضحكت من ناس يؤتي بهم من قبل المشرق في الكبول يساقون إلى الجنة، وهو كارهون.
قال أبو نعيم: فأخبر صلى الله عليه وسلم بانتشار المسلمين وظهورهم حتى يسبوا سبايا الأمم مقيدين مسوقين إلى بلاد الإسلام يسترقون فيسلمون.
وقال الواقدي في (مغازيه) : وحدثني أبيّ بن عباس بن سهل عن أبيه، عن جده قال: كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، فأخذ الكرزن [ (2) ] ، وضرب
[ (1) ] الكرزن والكرزين: قال أبو حنيفة: الكرزن، بفتح الكاف والزاى جميعا، الفأس لها حدّ،
وفي الحديث عن العباس بن سهل عن أبيه قال: كنت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فأخذ الكرزين يحفر في حجر إذ ضحك، فسئل: ما أضحك؟ فقال: من ناس يؤتى بهم من قبل المشرق في الكبول يساقون إلى الجنة وهم كارهون،
قال: أبو عمرو: إذا كان لها حد واحد فهي فأس وكرزن وكرزن، والجمع كرازين وكرازن. (لسان العرب) : 13/ 358.
[ (2) ] راجع التعليق السابق.
به، [فصادف حجرا] ، فصلّ الحجر فضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول اللَّه مم تضحك؟ قال: أضحك من قوم يؤتي بهم من المشرق في الكبول يساقون إلى الجنة وهم كارهون [ (1) ] .
وحدثني عاصم بن عبد اللَّه الحكمي، عن عمر بن الحكم قال: كان عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يضرب يومئذ بالمعول، فصادف حجرا صلدا، فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المعول وهو عند جبل بني عبيد، فضرب ضربة فذهبت أولها برقة إلى اليمن، ثم ضرب أخرى فذهبت برقة إلى الشام، ثم ضرب أخرى فذهبت برقة نحو المشرق، وكسر الحجر عند الثالثة، فكان عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: والّذي بعثه بالحق لصار كأنه سهلة [ (2) ] ،
وكان كلما ضرب ضربه تبعه سليمان ببصره فيبصر عند كل ضربه برقة، فقال سلمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا رسول اللَّه رأيت المعول كلما ضربت به أضاء ما تحته، فقال: أليس قد رأيت ذلك؟ قال:
نعم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم إني رأيت في الأولى قصور الشام، ثم رأيت في الثانية قصور اليمن، ورأيت في الثالثة قصر كسرى الأبيض بالمدائن، وجعل يصفه لسلمان، فقال: صدقت والّذي بعثك بالحق إن هذه لصفته، وأشهد أنك رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هذه فتوح يفتحها اللَّه عليكم بعدي يا سليمان، لتفتحن الشام ويهرب هرقل إلى أقصى مملكته، وتظهرون على الشام فلا ينازعكم أحد، ولتفتحن اليمن، ولتفتحن هذا المشرق، ويقتل كسرى فلا يكون [كسرى] بعده، قال سلمان: فكل هذا قد رأيت [ (3) ] .
[ (1) ](مغازي الواقدي) : 2/ 449، وما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط.
[ (2) ] السهلة: رمل ليس بالدقاق.
[ (3) ](مغازي الواقدي) : 2/ 449- 450، وما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط.