الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحج يكون قد جمع بين العمرة الواجبة وبين الفريضة الواجبة، فالحج إذن على كل حاج ممن ليس من أهل مكة أن ينوي إما القران بين العمرة والحج، وإما التمتع بالعمرة إلى الحج كما قال تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} البقرة: [196]. فكل من لم يكن مكيًا فعليه عمرة كما عليه حج، فإذا كان قد تمتع بالعمرة إلى الحج أو قرن بين العمرة والحج فقد أدى ما كان واجبًا عليه من العمرة، أما من لا يستطيع الحج بسبب أو آخر فعليه أن يؤدي عمرة لوحدها هذا جواب ما سبق.
(فتاوى جدة-موقع أهل الحديث والأثر- 16)
هل يؤخذ وجوب العمرة من قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله}
السائل: هل يؤخذ دليل: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] أن العمرة على الوجوب؟
الشيخ: نعم، لكن المقصود هنا عمرة الحج.
(الهدى والنور / 141/ 32: 02: 01)
طريقة أداء العمرة كما أداها الرسول صلى الله عليه وسلم
-
السائل: نريد أن تُبَيِّن لنا بارك الله في عمرك طريقة أداء العمرة كما أداها الرسول صلى الله عليه وسلم حتى إذا قمنا بها لا نخالف السنة، هذا مقصد من زيارتكم إلينا؟
الشيخ: جزكم الله خيرًا.
السائل: وإياكم.
الشيخ: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلاله في النار، قبل أن أذكر لكم ما يحضرني من أعمال العمرة على وجه السنة الصحيحة، أُريد أن أُذَكِّر والذكرى تنفع المؤمنين، وإن كان هذا الذي سأقوله ربما يكون تكراراً.
ولذلك قلت: إنما أقول ما أقول من باب التذكير ومن باب التعليم؛ لأن المفروض أن كل مسلم يعلم أن العمل الصالح يُشْتَرط فيه؛ ليكون عملاً صالحاً مقبولاً عند الله تبارك وتعالى، أن يتوفر فيه شرطان اثنان.
الشرط الأول: أن يُخْلِص فيه لله عز وجل، والشرط الثاني: أن يكون هذا العمل أو ذاك مطابقاً للسنة الصحيحة.
وها أنتم الآن اجتمعتم لتستمعوا لصفة العمرة على الوجه المشروع والثابت في السنة الصحيحة الذي أُريد أن أذكر به هو أنه ينبغي على كل مسلم يريد أن يتقرب إلى الله عز وجل بعبادةٍ ما، وانتم الآن على وشك السفر إلى العمرة إلى بيت الله الحرام؛ فإنه ينبغي عليكم أن تُخْلِصوا في عمرتكم هذه نِيّتكم، وأن تجعلوها خالصةً لله لا يشوبها ولا يخالطها شيء من أمور الدنيا، وأمور الدنيا التي قد تُفسد العمل وتجعله وزراً وذنباً، بينما كان المفروض أن يكون عبادة وأجرًا، من أهم ذلك: ألا يقصد المسلم بالعمرة حسن الصِّيت بين الناس بأن فلاناً اعتمر، وبخاصة إذا كانت العمرة في شهر هو أفضل الشهور بالنسبة للعمرة ألا وهو شهر رمضان المبارك، حيث قال عليه الصلاة والسلام:«عمرة في رمضان كحجة معي» .
فسواء كانت العمرة في رمضان أو في غيره من الشهور، فهي بلا شك عبادة عظيمة من عند الله تبارك وتعالى، وبخاصة إذا أضمر المسلم ونوى في نفسه أن يُتابع ما بين الحج والعمرة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «تابعوا بين الحج والعمرة،
فإن المتابعة بين الحج والعمرة ينفي الفقر ويغفر الذنوب» أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
فلذلك: أُذَكِّركم بأن تجمعوا في نفوسكم الإخلاص لله عز وجل كل الإخلاص في هذه العبادة؛ لتكون إن شاء الله بعد أن تؤدوها على وجه السنة مقبولة مرفوعة عند الله تبارك وتعالى، هذا الذي أردت التذكير به بين يَدَيّ ذكر أعمال العمرة.
-فأقول: لا بد للمعتمر -كما يقول العلماء، وهذا أمر يجب أن يستحضره المسلم دائماً وأبداً، ولكن من باب أَوَّلي- وهو قادم على الله تبارك وتعالى على بيته الحرام في سبيل العمرة أو الحج، أن يبرئ ذمته مما لبعض الناس من حقوق؛ حتى يكون عمله للعمرة كاملاً لا ينقصه شيء.
ويكثر السؤال في مثل هذه المناسبة: أن من كان عليه دَين لبعض الناس، فهل يجوز له أن يعتمر أو أن يحج، أم لا بد له من أن يُصَفِّي حسابه مع الدائن له؟
فالجواب في هذا: أن الأمر سهل إن شاء الله، وهو إذا كان الدائن يصبر على المدين القاصد للعمرة أو للحج، فلا بأس عليه من أن يحج أو يعتمر، وأما إذا كان قد حَلّ الأجل لوفاء الدين، وصاحب الدين -الدائن- لا يصبر، فعلى هذا الذي يريد أن يَحُجّ أو أن يعتمر أن يفي هذا الدين لصاحبه، ثم بعد ذلك يحج أو يعتمر.
أما إن أذن له فلا باس من ذلك، ما دام أنه يفي بِدَيْنِه بعد أن يحج أو أن يرجع من عمرته.
الآن نقول: لا شك أن للمسافر -أيَّ سفر- كان آداب في أثناء الطريق، فنبدأ منذ خروجه من بيته: فعليه أن يَخْرُج مُسَمِّياً بالله تبارك وتعالى، وبخاصة إذا كان يستحضر ورداً أو ذكراً ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فذلك هو الأولى لمن يرغب أن يستن بسنة النبي صلى الله عليه وسلم أعني لا يكفي أن يقول بسم الله، وهو بلا شك أمر لا بد منه عند خروجه من بابه، ولكنه يقول بسم الله توكلت على الله اللهم إني أعوذ بك أن أَزِلّ
أو أُزل أو أَضِل أو أُضل او أظلم او أُظْلَم أو أَجْهل أو يُجْهَل عليّ، وربما يوجد هناك أذكار أخرى في هذه المناسبة، وهي مذكورة في كتب الأوراد.
لكن الشاهد هو: أن يخرج مُسَمِّياً باسم وبوردٍ ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقُبيل ذلك يُوَدِّع أهله أيضاً بالذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أعلم إلا تلك العبارة الطَيِّبة المُخْتَصرة:«أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه» ثم ينطلق ويمشي، في أثناء الطريق لا بد له من أن يكون في الطريق هبوط وارتفاع، فهناك أذكار لطيفة جداً تُذَكِّر الذاكر بأن لله عز وجل الصفات الكاملة، ومنها: أنه عالٍ على خلقه عز وجل، فكلما هبط وادياً سَبَّح الله ونَزَّهه من كل صفة لا تليق به، وإذا كان على شُرُفٍ أو جبلٍ أو هَضَبة كَبَّر الله عز وجل، ولكن لا يُشْرع في هذه الحالة رفع الصوت بهذه الأذكار؛ لأن الأصل في كل الأذكار إلا ما استثناه الشارع الحكيم السر .. ولعلكم قد سمعتم أو قرأتم حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله تعالى عنه- قال:«كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم فكنا إذا هبطنا وادياً سَبَّحنا، وإذا عَلَوْنا شُرُفاً كَبَّرنا، ورفعنا أصواتنا» فقال عليه الصلاة والسلام: «يا أيها الناس، أربعوا على أنفسكم، إن من تدعونه ليس بأصمَّ ولا غائبًا، إنما تدعون سميعاً بصيرا» في رواية «إنما تدعون من هو أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته إليه» .
فبهذا الحديث وأمثاله لا يُشْرَع رفع الصوت بالأذكار إلا ما أشرنا إليه من استثناء، ومن ذلك المستثنى رفع الصوت بالتلبية كما سنذكر إن شاء الله إذا ذكرنا في أثناء تحدثنا عن العمرة.
السائل: في عدد مُعَيَّن للتكبير والتسبيح.
الشيخ: لا، فلا يزال يمضي هكذا إذا وصل، حتى إذا وصل إلى المدينة، هناك -بلا شك- يدخل المسجد النبوي ويصلي فيه ركعتين تحية المسجد، وهنا يغفل أكثر الحجاج والعُمَّار عن الآداب التي تتعلق بكل المساجد وبخاصة المسجد النبوي الذي نبعت منه تلك الآداب، فهم يغفلون عنها؛ والسبب في ذلك أنهم ما تَمَرَّنوا ولا تَمَرَّسوا على مثل هذه الآداب وهم في بلدهم، وحينما يدخلون في مساجدهم
ولذلك: فينبغي عند الدخول إلى المسجد أن يدخل باليمنى مُبَسْملاً -أيضاً- قائلاً بسم الله اللهم صَلِّي على محمد وسَلّم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك.
فما يتهافت عليه كثير من الناس يدخلون هكذا، كأنهم حمراً مستنفرة مستعجلين غير متذكرين الواجب للداخل إلى المسجد بعامة، وإلى مسجد الرسول عليه السلام بخاصة هذا الأدب الذي ذكرته أنفاً، ينطلقون فوراً إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم بزعمهم؛ ليُصَلُّوا عليه عند قبره، أما عند دخولهم المسجد فهم ينسون أو يتناسون .. هو الواقع الصلاة على النبي التي أمرهم بها فينقلونها من مكان أول دخول المسجد إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن في هذا العمل ليس فقط مخالفة للسنة ونقلها من مكان مشروع إلى مكان آخر غير مشروع، بالإضافة إلى هذا القلب والعكس في السنة، ففيه الآفة التي ابتلي بها كثير من المسلمين اليوم الذين لم يُرَبَّوا مع الأسف الشديد من علمائهم ومرشديهم على السنة، ذلك ما أعنيه هو الغلو في تعظيم الرسول عليه السلام ولا أقول في حُبِّه؛ لأن الحب الصحيح من أول شروطه هو طاعة المحبوب، كما قيل:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
…
إن السفينة لا تجري على اليبس
ثم يقول: إن المحب لمن يحب مطيع، في بعض الأقوال الأخرى، والآية في هذا تكفي، وهو قوله عز وجل:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله} فمن كان صادقاً في حُبِّه لنبيه صلى الله عليه وسلم فهذا الحب يظهر في منطلقة في كل حياته، وليس في بعض المظاهر التي يتعاطاها، وتتجلى على بعض الناس لمجرد الجهل بطريقة الحب، هذا ليس حباً.
ولذلك: فالذين يأتون خاصة أول ما يدخلون المسجد النبوي القبر النبوي، ويقفون هناك طويلاً أو قصيراً، ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم فقد نقلوا الصلاة من وقتها في حين دخول المسجد إلى ذلك المكان الذي لم يُشْرع، أولاً: فيه القيام والوقوف من أجل العبادة، ومنها الصلاة على الرسول عليه السلام ومن باب أولى ألَاّ يشرع عند ذاك المقام الدعاء إلى الله تبارك وتعالى، وبخاصة أنهم يُخِلُّون بأدب آخر ألا وهو
إما أنهم يَسْتَدْبرون القبلة بالدعاء، وإما على الأقل لا يستقبلونها فهم يقفون شرقاً وغرباً، وإن استقبلوا القبلة فهم يستقبلون بين أيديهم القبر النبوي، كل هذا مخالف للأدب الإسلامي؛ ولذلك لم يروَ عن أحد من السلف الصالح رضي الله عنهم أن يأتوا المسجد، أن يأتوا القبر النبوي حينما يدخلون المسجد كما يفعل جماهير الناس اليوم ويتكتلون هناك ويجتمعون، ثم يُخِلُّون بأدب آخر وهو أنهم يرفعون أصواتهم عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أدب أَخَلُّوا به حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم يجب تعظيمه واحترامه في حدود الشرع حياً وميتاً، ولا يُحْتَرم ولا يُعَظَّم بالإحداث في الدين كما ذكرت -آنفاً- من بعض ما يفعلون: رفع الأصوات عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم هو أيضاً من الغلو في الدين؛ لأن رفع الصوت أولاً بالذكر كما عرفتم -أنفاً- من حديث أبي موسى الأشعري ليس مشروعاً، وبخاصة في ذاك الوقوف الذين يقفون فيه عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذه الأفعال التي تقع من أولئك الجهال هو من الغلو الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث صحيح، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:«إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك الذين من قبلكم غُلُّوهم في دينهم» أولئك أهل الكتاب الذين قال الله عز وجل مخاطباً إياهم مباشرةً في القرآن الكريم يا {يَا أَهْلَ الكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الحَقَّ} وهذا يُذَكِّرني بالحديث الآخر الذي أخل بمعناه كثيرٌ من أهل العلم، فضلاً عن أن جماهير المسلمين أخلوا بمعناه عملياً، ذلك هو قوله عليه الصلاة والسلام:«لا تَطْرُوني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم؛ إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله» «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم؛ إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله» .
الإطراء في اللغة يأتي تارةً بمعنى المدح مطلقاً، أي أطرى مدح، وتارةً يأتي بمعنى المبالغة في المدح، وهذا الفرق يجب أن تتذكروه بمناسبة الكلام على هذا الحديث؛ لأن كون هذه الكلمة لغةً تُعْطي هذين المعنيين المدح مطلقاً والمبالغة في المدح، كان هذا من أسباب الخلاف في تفسير هذا الحديث.
فكثير من المتقدمين فضلاً عن .. المتأخرين، فَسَّروا «لا تطروني» أي لا تبالغوا في مدحي وهذا له وجه في اللغة، ولكن الألفاظ اللغوية التي تتضمن أكثر من معنى، لا يجوز للمسلم أن يجنح أو أن يميل إلى معنىً من هذه المعاني دون أن يراعي ما يتعلق بهذا اللفظ الذي جاء في مكان واحد أو في سياق واحد، هذا أولاً، وأيضاً دون أن يُراعي ما يتعلق بتلك الكلمة من نصوص أخرى كثيرة يمكن بها أن يستعين المسلم في ترجيح معنى من المعنيين اللذين يتضمنهما اللفظ من حيث اللغة.
فهؤلاء الذين فَسَّروا «لا تطروني» أي لا تبالغوا في مدحي لهم وجهة نظر من الناحية اللغوية كما ذكرت آنفاً، لكن المعنى الآخر وهو «المدح مطلقاً» هو الأولى بسياق هذا الحديث وبنهايته؛ لأننا إن فَسَّرنا الإطراء بمعنى «الغلو في المدح» لم يلتئم هذا المعنى مع تمام الحديث الذي هو «ولكن قولوا عبد الله ورسوله» .
إذا رجعنا إلى نص الحديث «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم» نتصور كان قائلاً يقول ولو بلسان الحال إذاً: ماذا نفعل يا رسول الله؟ الجواب يأتي مباشرة؛ لأن الشرع كامل بإيحاء الله عز وجل إلى نبي هذا الكمال المنصوص عليه في القرآن، فجاء الجواب بدون سؤال «قولوا عبد الله ورسوله» فتفسير المبالغة في المدح لا يلتقي مع أمر الرسول عليه السلام وهو:«قولوا عبد الله ورسوله» هذا شيء وشيء آخر: -وهو مهم في وجهة نظري-: أن هذا الحديث إذا فُسِّر بالمعنى الأول: «المبالغة في المدح» لا يتناسب مع تبويب بعض علماء الحديث، لهذا الحديث كالإمام أبي عيسى الترمذي الذي عقد باباً في كتابه الشهير «الشمائل المحمدية» بعنوان «باب تواضع النبي صلى الله عليه وسلم» هذا الباب لا يلتئم مع المعنى الأول.
لأن كل مسلم عنده شيء من العلم والصلاح واجب عليه أن يقول: «لا تبالغوا في مدحي» هذا ليس من باب التواضع، هذا واجب على كل إنسان، فأولى وأولى بنبي الإسلام، فكيف يليق أو كيف يلتقي عندئذٍ الحديث مع هذا التفسير مع الباب، باب تواضع النبي صلى الله عليه وسلم في تنافر وليس هناك تلاقي مطلقاً بين هذا المعنى وبين هذا الباب.
وكما تعلمون -إن شاء الله- أن علماء الحديث يُتَرْجمون عن جانب من جوانب فقه الحديث ومعناه في الباب الذي يعقدونه فوقه، فباب تواضع النبي صلى الله عليه وسلم إنما يلتقي مع نهيه المسلمين عن مدحه مطلقاً، وليس عن الغلو في مدحه؛ لأن هذا الغلو هو فرض على كل مسلم، فليس للرسول حينئذٍ فضيلة خاصة فيما إذا نهى عن المبالغة في مدحه؛ ولأن الذي يليق بتواضعه عليه السلام كما تدل على ذلك سائر شمائله صلى الله عليه وسلم إنما هو النهي عن المدح مطلقاً.
إذاً: صار عندنا حتى الآن أمران اثنان يُؤَكِّدان لنا تفسير الإطراء بمعنى المدح مطلقاً: «لا تمدحوني مطلقاً»
الأمر الأول: «قولوا عبد الله ورسوله» .
الأمر الثاني: تبويب وترجمة علماء الحديث لهذا الحديث بباب تواضع الرسول عليه السلام هذا لا يلتقي مع التفسير الأول ألا وهو المبالغة في المدح، وإنما النهي عن المدح مطلقاً، وشيء ثالث قوله صلى الله عليه وسلم:«كما أطرت النصارى عيسى بن مريم» يتوهم كثير من المتأخرين أن هذا التشبيه يعني النهي عن المبالغة في الإطراء، يتوهمون أن قوله عليه السلام:«لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم» أي أنه يعني: لا تُبالغوا في مدحي؛ لأن هذا الذي وقعت فيه النصارى.
الحق: أن هذا التفسير ظاهريًا مقبولاً، لكن الحقيقة التي يعرفها أهل العلم، والذين يُقَدِّرون قاعدة سد الذرائع المقررة في الشريعة، هم أبعد ما يكونون عن هذه الملاحظة التي تشبث بها المؤولون للإطراء هنا بمعنى المبالغة في المدح؛ ذلك لأننا إذا وقفنا عند هذا التشبيه فربما قيل «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم» ماذا قال النصارى في عيسى بن مريم؟ قالوا إنه الله، إذاً: أنتم لا تُغَالوا وتقولوا فيّ كما قال النصارى في عيسى إنه ابن الله أو نحو ذلك مما هو شرك صريح.
هل من قائل يقول: -ولو كان من أولئك الناس الذين يفسرون الإطراء بمعنى المبالغة- يقف عند هذا الظاهر، يقول:«كما أطرت النصارى عيسى بن مريم» أي:
لا تقولوا ابن الله، ما أظن عالماً يقول بهذا القول، وإن كان شاعرهم قد وقع في هذا السوء من الفهم، حينما قال:
دع ما ادعته النصارى في نبيهم
…
واحكم بما شئت مدحاً
…
يعني: هذا المدح ليس له حدود بس ابعد عن قول النصارى ابن الله، هذا هو الغلو في الدين الذي نهى الرسول عليه السلام في ذاك الحديث ونهى رب العالمين النصارى أن يغالوا في دينهم.
فصدق في بعض المسلمين قوله عليه الصلاة والسلام: «لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لوا دخلوا جحر ضَبٍّ لدخلتموه» وجاء في بعض روايات «سنن الترمذي» وغيره عبارة رهيبة جداً قال عليه الصلاة والسلام: «حتى ولوا كان فيهم من يأتي أُمّه على قارعة الطريق، لكان منكم من يأتي ذلك» .
ويا سبحان الله! هذا الحديث يكاد ينطبق بحرفيته على تقليد المسلمين أو على الأقل بعض المسلمين لهؤلاء الكفار من النصارى وغيرهم الشاهد نعود إلى ما أشرت إليه من باب سد الذرائع الذي نقطع به أن النصارى ما وقعوا في الشرك الأكبر في قولهم عيسى ابن الله طفرة وقفزة واحدة؛ لأن سنة الله في خلقة أن الشر لا يأتي إلا رويداً رويداً، هكذا الشيطان يزين لعدوه الإنسان أن يصل إلى الشرك الأكبر، بتقديم خطوات لطيفة جداً ناعمة لا يتنبه لها عدوه الإنسان إلا بعد أن يقع على أُمِّ رأسه في الشرك، وفي الشرك الذي أوقعه فيه الشيطان الرجيم؛ لذلك قال بعض الشعراء في بعض العصور:
أرى خلل الرماد وميض نار
…
ويوشك أن يكون لها ضرامُ
فإن النار من العودين تُذْكى
…
وإن الحرب أَوَّلها الكلام
وما معظم الشرر ومعظم إيش؟
السائل: ومعظم النار من مستصغر الشرر.
الشيخ: ومعظم النار من مستصغر الشرر، أي نعم.
والإسلام جاء بقواعد باب سد الذريعة كما هو معلوم في الكتاب والسنة، ولسنا في هذا الصدد.
فإذاً: كان من الحِكْمة البالغة ومن السياسة الشرعية الحكيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أغلق باب مدحه عليه السلام، إلا بما جاء في الشرع؛ خشية أن يُؤَدِّي المبالغة في مدحه إلى شيء يُخالف الشرع.
قد يبدأ المادح بكلمات مدح له عليه السلام لا غبار عليها، ولكن من الصعب بمكان أن يقف المادح عند حدود الشرع، إلا إذا كان عالماً بالمناهي التي جاءت في الشرع صراحةً، وبالمناهي التي لم تأت في الشرع صراحة، وإنما جاءت من باب سد الذريعة؛ لهذا نرى أن تفسير الحديث في السابق هو بمعنى «لا تمدحوني» «ولكن قولوا عبد الله ورسوله» ولو أن المسلمين التزموا أن يذكروا كل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل والمناقب فذلك يكفيهم عن أن يبتكروا مدحاً له عليه السلام كما قال ذلك الشاعر المصري، أغناهم ذلك عن أيِّ مدح؛ لأن الله عز وجل ليس بعد قوله {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وبعد ما جاء في الشرع كتابًا وسنةً من فضائل ومناقب للرسول عليه السلام فذلك خير وأبقى مما عليه بعض المسلمين اليوم من تنظيم قصائد وأناشيد يتخذونها -زعموا- في مدح الرسول عليه السلام.
ويكفي هذه الملاحظة التي سأذكرها تالياً: إن هذه الأناشيد التي يسمونها بالأناشيد الدينية بين كثير من المسلمين رجالاً ونساءً أصبحت تقوم مقام التغني بالقرآن، وهذا من وسائل الشيطان باسم تعظيم نبي الإسلام؛ يمدحونه ثم تُصبح هذه المماديح شريعة تَصْرفُهم عن شريعة الحق وعن التغني بالقرآن الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام:«من لم يتغنَّ في القرآن فليس منى» .
لعلي استطردت كثيراً بمناسبة دخول المسجد النبوي والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، لكني أرى أن هذا أمر يجب التنبيه عليه لكثرة المخالفين والمبتعدين عن الشرع حينما يدخلون مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويتيممون الشطر قِبَل قبره قلت -آنفاً- إن السلف الصالح لم يكن من عادتهم إذا جاؤوا مسافرين، أي إذا شَدُّوا الرحال إلى مسجد
الرسول عليه السلام، إلا أن يطبقوا في مسجده الآداب التي تطبق في كل مساجد بلاد الإسلام، وقد يأتي بعضهم إلى قبره كما ثبت عن عبد الله ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- ولكنه لا يزيد على قوله: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا عمر أو يا أبتي، فقط هذه الكلمات الطيبات سلام، فيُعامل النبي صلى الله عليه وسلم كما يُعَامِل خليفته الأول أبا بكر ثم أباه عمر، يُسَلِّم عليهم جميعاً، ثم لا يتردد على قبره ما أقام في المدينة كما يفعل الزوار اليوم، بعد كل صلاة ستجدون [ذلك]، هذا من آثار الغلو بديل أن يجلسوا بعد الصلاة وأن يأتوا بالأوراد والأذكار المشروعة والتي يترتب من ورائها أن يغفر الله لهم ذنوبهم جميعها، إذا بهم يقفزون والشاطر منهم الذي بيقترب من النافذة، وكأنما يصافحون النبي عليه السلام.
هذا كله من باب الغلو في الدين، لم يكن الصحابة أبداً بعد السلام يفعلون شيئًا من ذلك؛ علماً أن قبر النبي في عهد الصحابة لم يكن في المسجد، كانت الحجرة التي دفن فيها الرسول عليه السلام لا تزال كما كانت في أول عهدها حينما كان الرسول حياً يخرج منها إلى المسجد، ينتهي من الصلاة يعود إليها وهي شرقي المسجد، هكذا كانت الحجرة في زمن الصحابة، فما كانوا هم يومئذٍ يستطيعون أن يستقبلوا القبر وأن يستدبروا الكعبة، لم يكن ذلك في مكنتهم وفي قدرتهم ذلك؛ لأن جهة القبلة لم يكن مسجداً.
ومن آثار الابتداع في الدين الذي وقع في عهد الوليد بن عبد الملك لما أدخلوا القبر النبوي إلى المسجد، وأفرغوه من جميع النواحي، فصار عملياً كأنه كعبة، ومن ذلك أنهم اليوم -كما سترون ذلك إن شاء الله- ترون هؤلاء الناس عقب الصلاة يستدبرون القبلة ويستقبلون القبر، لم يكن هذا ممكنًا يومئذ، ومن الآثار المخالفة الأحاديث الرسول التي تنهى عن إدخال القبر بالمسجد، والأحاديث في ذلك كثيرة وكثيرة جداً، حسبنا الآن التذكير بحديث واحد ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«ألا إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد» فدخل القبر أو أدخلوا القبر إلى المسجد؛ فصار الناس الصالحون -زعموا- لا يصلون في الروضة -مثلاً- وإنما يتقصدون الصلاة في هذه السُّدّة التي
يستقبلون بها القبر الشريف، كل ذلك من الغلو في الدين، ولذلك فبتحذير رسول الأمة نحذركم أنتم الحريصون على اتباع السنة أنكم إذا دخلتم المسجد النبوي: ادخلوه بالتسمية وبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأن يفتح لكم أبواب الرحمة، ثم تُصَلُّون تحية المسجد، ثم لا مانع أن تذهبوا إلى القبر من أيّ جهة للسلام فقط، على ما كان يفعله عبد الله بن عمر.
وأُذَكِّر: بأن الأيام التي تقررونها لبقائكم مسافرين بعيدين عن بلدكم، فاجعلوا من هذه الأيام أكثرها في المسجد الحرام والقليل منها في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام لما تعلمون من فضيلة، من [فرق] فضيلة الصلاة في المسجد المكي والمسجد النبوي، فالصلاة في مسجد الرسول عليه السلام إنما هو بألف صلاة بينما الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، ثم لا يَغُرَنَّكم ذلك الحديث الذي قد تقرؤونه في بعض جدران المسجد وقد تسمعونه من بعض الألسنة، وهو ومن آثار هذا الحديث الضعيف المنكر أنها أيضاً تعكس في الفضائل الشرعية، فتجد جماهير العمار والحجاج يكثرون الإقامة في المدينة أكثر من إقامتهم في مكة، هنا صدق على هؤلاء -مع الأسف الشديد- قوله تبارك وتعالى الذي قاله في حق اليهود {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} وهذا بالتمام من التَشَبُّه باليهود وبالنصارى، ألا وهو الغلو في الدين.
فإذا ما عجلتم - نعود على العمرة إن شاء الله - فإذا ما عجلتم أن تنطلقوا إلى العمرة وتيسر لكم الاغتسال، إما في المنزل الذي أنتم نازلون فيه أو هناك عند ذي الحُلَيْفة حيث بنيت بعض الحمامات للاغتسال هذا يعني مشروع، وبعد ذلك لا ينبغي أن تُحْرموا بالعمرة، إلا بعد أن تصلوا ركعتين، وأرجوا الانتباه لما سأقول: هاتان الركعتان ليستا من سنة الإحرام، وإنما هما من سنة الميقات هذا ميقات ذي الحليفة؛ حيث جاء في الحديث الصحيح في البخاري وغيره أن جبريل عليه الصلاة والسلام جاء النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بات هناك لما حج حجة الإسلام قال:«إن جبريل أتاني وقال: إنك بالوادي المقدس، فصلِّ ركعتين في الوادي المبارك» من أجل الوادي هذا الذي يمر من ذي الحليفة شُرِعت هاتان الركعتان، ومعنى هذا، أي:
معنى قولي: ليست هاتان الركعتان من سنة الإحرام، أن المسلمين الذين يُحْرمون من مواقيتهم كيلملم وغيره مما يحرم فيها المسلمون من نحو الرياض والطائف ونحو ذلك، فهؤلاء لا يُسَنّ لهم أن يُصَلّوا شيئاً يسمى بركعتي الإحرام.
نعم، السنة إذا تيسر أن يُحْرِم بعد فريضة صلاها مع جماعة، فهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد تكون هذه الصلاة بالنسبة لبعض الناس الذين هم كأهل المدينة هم ليسوا مسافرين، فقد تكون هذه الصلاة بالنسبة إليهم تماماً فيصلون الظهر أربعاً، وقد تكون قصراً بالنسبة للمسافرين.
فهي على كل حال فريضة وليست نافلة.
فهاتان الركعتان بالنسبة إليكم ينبغي أن تَحْرِصوا على صلاتهما في الوادي المبارك، ألا وهو وادي ذا الحليفة، بعد ذلك تُلَبُّون بتلبية العمرة دون التلفظ بالنية، وإنما بالعمرة لبيك اللهم بعمرة وهذا ليس نية أو ليس بالمعنى الصحيح تلفظاً بالنية حتى يقاس عليه جواب التلفظ في سائر العبادات كالوضوء والطهارة من الحدث الأكبر والحدث الأصغر والنية عند الشروع في الصلاة، كل هذه النِّيَّات مقرونة باللفظ فهي من مُحْدَثات الدين، وإنما النية في القلب أما في الحج ففي التلبية يقول:«لبيك اللهم بحج، لبيك اللهم بحج وعمرة، أو بحجة وعمرة لبيك اللهم بعمرة» هذا يقوله المُلَبّي جهراً.
ثم ينبغي ألَاّ تنسوا أن تقرنوا مع هذه التلبية مباشرة، لا تفوتكم العبارة التي تُعْرَف عن الفقهاء بالاشتراط وذلك أن يقول المُلَبِّي لبيك اللهم بعمرة، اللهم مَحِلِّي حيث حبستني، اللهم مَحِلِّي حيث حبستني، أولاً: ما معنى هذا الكلام وما ثمرته؟
معنى هذا الكلام: «محلي» أي: تَحَلُّلي من العمرة إذا ما قدرت عليَّ أمرًا لا أملكه كمثلاً عَرَج، تَكَسُّر -لا سمح الله- كمرض فجائي، وما شابه ذلك من الموانع، بحيث يضطر أن لا يتابع مناسك العمرة أو مناسك الحج هذا معنى هذا الورد النبوي «اللهم محلي» أي تَحَلُّلي من الإحرام حيث حبستني بأمر تقدره عليَّ لا
قدرة لي على رده؛ لأنه لا راد لما قضاه الله عز وجل، هذا هو المعنى، أما الأثر وثمرته فهو مهم جداً وذلك مما يغفل عنه جماهير الحجاج والعُمَّار حيث جاء في الحديث الصحيح «من حَجّ فَكُسِر أو عُرِج فعليه هدي، وحج من قابل» .
أي: هذا الذي لَبّى بالعمرة ثم قُدِّر عليه أمر فلم يستطع إتمام هذه العمرة، عليه واجبان لا بد له منهما كلاهما.
الواجب الأول: أن يُقَدِّم هديًا لأنه عَطَّل هذه العبادة الخاصة.
والأمر الآخر: أن هذه العمرة يجب عليه أن يقضيها فيما بعد حينما يتمكن من قضائها، هذا حكم عام.
أما من اشترط على رَبّه عز وج وقال: «اللهم محلي حيث حبستني» فحبسه بحابس فحينئذٍ لا شيء عليه، إن شاء أن يعيد العمرة تطوعاً كما ابتدأها فلا شك أن له ذلك، لكن لا يجب عليه، كذلك الحج وهو أهم، الحج تعلمون له مناسك أكثر من العمرة من البيات في منى والوقوف في عرفه والبيات في مزدلفة ورمي الجمار ونحو ذلك، فهذا الذي حج بعد حجة الإسلام ولَبَّى بالحج في الميقات ثم لم يشترط على ربه ما ذكرنا، ثم حبسه حابس، فعليه هدي وعليه أن يُعيد الحج في العام القادم ولو كان حَجّ فريضةً الحج حجة الإسلام قد أسقطها عنه، لكنه في المرة الأخرى نوى أن يتقرب على الله عز وجل بِحَجَّة متطوعاً، ثم حبسه حابس ولم يستطع أن يُكْمِلها وأن يتمها كما قال تعالى {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للهِ} .
فإذا لم يكن قد اشترط ذلك الشرط فعليه هدي وعليه حج من قابل.
ولذلك: فاحرصوا كُلّ الحرص على أن تشترطوا عقب التلبية هذه، ولا يفيدكم ذلك شيء إذا ما تذكرتم ما فاتكم بعدما أن قطعتم شوطاً في الطريق، ثم تنطلقون إن شاء الله .. ، وأنتم تكثرون من التلبية -ولا أقول الآن رافعين أصواتكم بل- مبالغين في رفعكم لأصواتكم؛ لأن هذه شعيرة من شعائر الحج والعمرة؛ لأن الصحابة قالوا إنهم كانوا يرفعون أصواتهم حتى لما وصلوا مكاناً اسمه الروحاء بُحّت أصواتهم، وهذه سنة لا مِثْلَ لها في الأذكار الشرعية إطلاقاً، أي: أجهدوا
أنفسهم برفعهم أصواتهم بالتلبية: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» حتى ما أكملوا المشوار إلى مكة ما وصلوا الروحاء ما أذكر كم المسافة لكن ما أظن
…
نعم خمسة وثمانين كيلو ما وصلوا إلى ذلك المكان إلا وقد بُحّت أصواتهم.
إذاً: من شعائر الحج والعمرة التلبية جهراً، والمبالغة في الجهر بهذه التلبية، وهذا أنا أرى في هذا حِكْمة لأن الناس يشعرون بشيء من الحلاوة النفسية لما بدهم يذكروا الله يرفعوا أصواتهم، فكأن الله عز وجل جعل لهم متنفسًا لإشباع رغبتهم هذه في ظرف ما ألا وهو الحج والعمرة.
ارفعوا أصواتكم .. بهذه المناسبة، أما ما سوى ذلك فخير الذكر الخفي كما هو معروف في الكتاب والسنة، وحسبكم آنفاً حديث أبي موسى الأشعري «أربعوا على أنفسكم» بصورة جماعية ثم هنا ملاحظتان، الأولى: ما سبق سائر البيان، وهو التلبية هذه لا يشترط فيها أن تكون تلبية الجماعة بصوت واحد بل لا يجوز أن يكون الأمر كذلك قلت لا يشترط ثم أضربت فقلت بل لا يكون أن يجوز كذلك، وإنما كل واحد يُلَبِّي حسب طاقته، وحسب قِصَر نفسه أو طول نفسه.
ومن شؤم ومن أخطاء الذكر الجماعي كما يفعله بعضهم عقب صلاة الفجر والمغرب ظاهرة سيئة جداً، واحد بيكون نَفَسُه قصير بيقطع الجملة، ثم بيشوف الجماعة سبقوه بيلحقهم، وما بينتبه بأن القطع والوقف يكون محرماً على نظام القراءة والتجويد -مثلاً- هي كانت ملاحظ عندنا في سوريا في بعض المساجد.
من شؤمهم أيضاً وسوء أعمالهم أنهم يربطون التهليلة الأولى بالأخرى، على الأقل ما بيأخذوا نفس ولا يفسحون المجال لكل فرد من هؤلاء المُهَلِّلين أن يأخذ نفسًا في آخر التهليلة، وهو على كل شيء قدير انتهت: لا إله إلا الله، لا بيوصلها: وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله، واحد نفسه انقطع وين عند لا إله، وهذا كنا نسمعه مش فَرَضية عند: لا إله إلا إله كفر شرك لا إله وحدها ما فيها ضرر المهم المهم أنهم يربطون أصوات بعضهم ببعض، فيقعون في مخالفات لفظية هي شرك
لفظي طبعاً، إنسان لا يحكم عليه بالشرك والكفر؛ لأن هذا كما قلنا شرك لفظي ليس شركاً قلبياً ولكن ما الذي أوداهم وأوصلهم إلى هذا الشرك اللفظي والابتداع في الدين!
ولذلك: الأذكار كُلُّها ومنها التلبية في الحج والعمرة، كل واحد بيلبي حسب نشاطه ونَفَسِه، ما بيربط صوته وحرفه مع حرف زميله الذي بجنبه.
ومن الملاحظ أنه في كثير من الأحيان تلتقي الأصوات، وهذا ما فيه مانع؛ لأنه بداهة فكما أنه لا يُشْرَع في الملبي أن يتقصد، أن يمشي صوته مع صوت من يُلَبِّي، كذلك لا ينبغي أن يقصد أنه يفترق عنه؛ لأنه كل من الأمرين هو تَكَلُّف منهي عنه شرعاً هذه هي الملاحظة الأولى.
الملاحظة الثانية: وقد تكون غريبة بالنسبة لجماهير الناس، وهي أن النساء يشتركن مع الرجال في رفع أصواتهن بالتلبية، سيقال هنا ما يقال -مثلاً-إن صوت المرأة عورة، نحن وإن كنا لا نجد في الكتاب ولا في السنة ما يدل على أن صوت المرأة عورة، لكننا نرى أن المرأة يجب أن لا ترفع صوتها في مخاطبتها للرجال فضلاً عن تلاوة القرآن وعند ذكرها للأوراد والأذكار الواردة في الشرع، إلا في هذه الشعيرة من شعائر الحج ألا وهي التلبية.
ولَعَلّ الحكمة في ذلك: أن هذه الظاهرة الإسلامية التي لا مثل لها في الشريعة نفسها، فضلاً عن الشرائع الأخرى، أن صوت المرأة يضيع هنا على خلاف لو كانت المرأة في جو هادئ فترفع صوتها ولو بقراءة كلام الله كتاب الله عز وجل، كما يذاع أحياناً عن أُمّ كلثوم هذه المغنية، فنشروا لها تلاوة للقرآن، هذا طبعاً لا يجوز في الإسلام، أما التلبية مع أصوات الجمهور يذهب صوت النساء في صدى صوت الرجال ولا يظهر أن زينب ولا عائشة ولا أم كلثوم هنا اللّي عَمّ يرفعوا هذا الصوت تضيع القضية، فلعله هذا من حكمة شرعية رفع النساء أصواتهن في هذه التلبية للحج أو في العمرة.
ويستمر هؤلاء الحجاج والعُمَّار في التلبية، مع ملاحظة الأدب السابق: التسبيح والتكبير في الوديان والجبال، حتى يصلوا على مشارف مكة، فهناك تنقطع التلبية ويدخلون المسجد من أيِّ باب تيسر له، إذا تيسر له الدخول من باب السلام، فذلك لعله من الأولى إذا تيسر له ذلك؛ لأنه من الصعب في هذا الزمن بسبب ازدحام الحجاج والعمار أن يتمكن المسلم من أن يأتي بكل هذه السنن التي كانت مُيَسَّرة يومئذ لوجود عدد لا يزدحم هذا الازدحام الموجود اليوم.
فإذا دخل المسجد الحرام أو أراد أن يدخل المسجد الحرام، أُذَكِّر أيضاً بأن الأدب هو هو، أي: أن يدخل بالتسمية وبالدعاء، كما قلنا بالنسبة لمسجد الرسول عليه السلام ثم يأتي إلى المسجد ثم يدخل إلى المسجد، ويذهب على الحجر الأسود فيستقبله ويُقَبله إن تيسر له ذلك وهذا نادر جداً جداً أيضاً؛ للسبب الذي ذكرته أنفاً من شدة الزحام، فإذا تيسر له تقبيل الحجر الأسود دون أن يؤذي أحداً من المسلمين بسبب زحامه لهم، فذلك هو من تمام السنة، وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما صح عنه: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلك ما قَبَّلتك.
وفي هذا تنبيه أن العبادات توقيفية، ومعنى توقيفية أنها ليست بالرأي والاجتهاد والاستنباطات، الاجتهاد والاستنباط إنما هو في الأحكام العملية التي لا بد للمسلم أن يتخذ موقفاً خاصاً منها، أما العبادات فهي توقيفية مع النص نقف ولا نجتهد ولا نقيس ولا نُوَسِّع من فروع هذا الأثر العُمَري والفقه الذي تضمنه، المصحف فيه كلام الله المنزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم هل نُقَبِّلُهُ؟
الجواب: لا، لماذا؟ لأنه لم يكن من عمل السلف، ومن أحسن ما جاء في «مصنف أبن أبي شيبه» أنه سئل عن زخرفة المصحف، فقال: إنما أنزل للعمل به وليس لزخرفته، أو ما يشبه هذا الكلام فالمصحف
…
ابن مسعود، أنا قلت ماذا؟ كيف ما ذكرت ابن مسعود جزاك الله خيرًا هو عبد الله ابن مسعود كما في «مصنف ابن أبي شيبة» .
فالشاهد: أن المصحف بلا شك بما فيه من كلام الله، هو أسمى وأعلى من الحجر الأسود، ولو كان من حجارة الجنة، ولكن لما كان السلف الصالح لا يفعلون ذلك، أولاً: ثم ذكرت لكم ثانياً: عن ابن مسعود أنه أنكر ذلك، ولفت النظر إلى الغاية من إنزال القرآن وهو العمل به.
وهنا أقول إن الشيطان من مكائده أيضاً لعدوه الإنسان يُزَيِّن له إذا قرأ أن يُقَبِّله، ويعتبر هذا الشيء عظيم جداً، ولكن قد يقرأ بآيات تحريم الربا أن من يرابي فهو محارب لله ولرسوله فلا يهمه ذلك.
فإذاً: حينما يقف لتقبيل الحجر الأسود إن يُسِّرَ له ذلك فعل وإلا أشار إليه بيده يشير بيده، والآن يُقبل يده مذكور في الرسالة والا ما فيه؟
السائل: لا، شيخنا.
ما فيه، بس بالإشارة، حتى الرسول كان أحياناً يُشِير إليه بالعصا، كان بعض السلف -وهذا مما لا يُقَلّد فيه- يزاحم في تقبيل الحجر حتى يَدْمي وجهة، لكن هذا يعني الرسول صلى الله عليه وسلم قال ناصحاً لعمر:«إني أراك قويًا، فلا تزاحم الناس على تقبيل الحجر» والغريب أن الذي كان يزاحم هو ابن هذا ابن هذا هو يبدو أنه ما بلغته نصيحة النبي لأبيه ومن هنا يقال: ما منا من أحدٍ إلا رَدَّ ورُدَّ عليه إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم.
المهم: إنكم من لم يعتمر إلا في هذه المرة إن شاء الله، سيرى عجباً عجاباً، سيرى الناس يصفون ويتزاحمون ويتكتلون على الحجر، والشرطي واقف وفي يده مقرعه يقرع بها الناس، هذا ليس إسلاماً إن تيسر لك أن تُقَبِّل فعلت، ما تيسر أشرت ثم مضيت.
فهذا أول شيء ينبغي أن يفعله المعتمر، أن يُقَبِّل الحجر الأسود أو يلمسه بيده أو يشير بيده
السائل: أحياناً يكون على الحجر الأسود وعلى الركن اليماني
الشيخ: كيف؟
السائل: الحجر الأسود الركن اليماني أحيانا يكون عليه عطر.
الشيخ: ما مر بنا فيما قرأنا واطَّلعنا من أحاديث الرسول عليه السلام هذا التعطير الخاص، عندنا نص عام في تجمير المساجد تجمير المساجد تطييبها، فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك؛ فمن هذه الحيثية لا أرى مانعاً من تطييب أركان الكعبة؛ لأن المسجد الحرام ما شاء الله بلد ساحة كبيرة جداً، فلا يمكن تطييبه بيعني طيب بسيط يوضع في طرف من المسجد من المساجد المعروفة، فلا أرى في ذلك مانع .. نعم
السائل: ما هذا أردت شيخنا، المحرم ممنوع من الطيب، فإذا أردتُ لمس الركن اليماني والحجر الأسود.
الشيخ: هذا الذي أردته، هذا بالنسبة إليه ليس محظوراً؛ لأنه لا يقصد ذلك، لكن بإمكان الذين يُطَيّبون بطيب يتنقل إلى أيدي العمار أو الحجاج، فهذا خطأ من أولئك وليس خطأ من هؤلاء الحجاج أو الطوافين، ما أدري الآن الطيب يوضع بنفس الحجر الركن، وأنت لمست يوم ما الطيب وشعرت بيدك.
السائل: نعم، بعد الفجر يطيبوه
الشيخ: بعد الفجر.
السائل: أيَّ واحد عطّر، بيعطر بنفسه.
الشيخ: أي واحد مين يعني من الحجاج وإلا الموظفين؟
السائل: الموظفين.
الشيخ: هذا المهم، هذا لا ينبغي أن يكون، أما ذول الحجاج جهله ما يعلمون ذلك.
السائل: نتكلم عن الإنسان المُحْرم، ما تستطيع أن تمنع هذا أو هذا؟
الشيخ: طيب، هذا المحرم من أين يأتي بالطيب؟
السائل: أنا ما باتكلم عن الطيب، أنا بأتكلم عن الذي بيطيب.
الشيخ: أنا سألتك من الذي يُطَيِّب؟
السائل: ما في فرق، أناس ربما الحكومة.
الشيخ: هذا السؤال لما عَمْ جاء السؤال: إنه كيف موظفين بيطيِّبوا [في] صلاة الفجر أنت قلت: لا ما في أيّ وقت وعَمَّمت الناس هكذا، هم يطيبون!
السائل: نعم يا شيخ.
الشيخ: طيب، أنا بأسأل الآن هو محرم الإزار والرداء، شو حامل الطيب معه.
السائل: مش كل المسلمين يا شيخنا.
الشيخ: أنت قلت هكذا، المهم لا يجوز هذا العمل، تطييب هذا المكان بطيب يتنقل إلى أيدي الحجاج المحرمين، هذا ما ينبغي، طيب بعد التقبيل يبدأ بالطواف هنا حينما يبدأ الطواف، نأخذ عبرةً من بعض الاجتهادات في العصر الحاضر، فهو حينما يكون مستقبلاً الحجر الأسود بوجهه؛ إما لتقبيله مباشرة إن تيسر له ذلك، وأستدرك الآن فأقول: وبوضع جبهته -أيضاً- على الحجر، كما في بعض الأحاديث صحيح، وإلا لمسه بيده، وإلا أشار إليه بيده فهو يكون مستقبلاً في كل هذه الأحوال للحجر الأسود، يأخذ يميناً إلى اليمين، فهو أيضاً مما يدخل في عموم حديث عائشة رضي الله عنها:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحِب التَّيَمُّن في كل شيء: في تَرَجُّله وفي تَطَهُّره وفي تَنَعُّله وفي شأنه كله» .
من هذا الشأن: أنه يأخذ يميناً عندما يريد أن يطوف وليس يساراً، فأرجوا الانتباه إلى هذه الملاحظة، وباعتبار أنه أخذ يميناً الكعبة الآن تصبح يساره، فلا ينبغي لأن يُشْكل الأمر، أنه هنا لما أخذ يميناً صارت الكعبة يساراً، أن الساقي في المجلس حينما يدخل يبدأ بمن عن يساره هذا خطأ في العصر الحاضر، أَخَذَه من كون الكعبة صارت عن يسار الطائف.
لكن يجب أن نلاحظ الابتداء، كيف كان الابتداء؟ أنه أخذ يميناً وهو مستقبل الحجر الأسود، هذا الاستقبال هو السنة.
فحينئذٍ: لا بد للمسلم لو تُرِك وشَأْنَه، إما أن يأخذ يميناً ويطوف أو يساراً، فهذه المسألة ليست من الرواية والاجتهاد، وإنما بتطبيق سنة الرسول عليه السلام التي جاء فيها:«خذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامكم هذا» وكذلك كان صلى الله عليه وسلم.
فإذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم استقبل الحجر وَقَبَّله ووضع جبهته عليه، ثم أخذ يميناً صارت الكعبة بطبيعة الحال على اليسار، ما بيهمنا إحنا بالنتيجة قلنا بالبدء بدء العمل، أنه كان بدأ يميناً ويسارًا الكعبة يساراً، كذلك الساقي الذي يدخل -مثلاً- من هذا الباب يبدأ بالآخر الذي جالس هناك؛ لأنه هذا يمينه ما بيبدأ بهذا الأخ الذي هو عن يساره هكذا تشبيه القضية وتقريب هذه إلى هذه حتى تكون على بَيّنه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أنها متجاوبة كلها غير متنافرة، البدء بتقبيل الحجر الأسود، ثم المشي يميناً يلتقي تماماً مع حديث عائشة:«وفي شأنه كله» فلا إشكال حينئذٍ إذا دخل الساقي أن يبدأ بيمينه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ أيضاً بالمشي حول الكعبة بيمينه.
السائل: يا شيخ بارك الله فيك، بعد أن يستقبل الحجر يبدأ خطواته وهو مستقبل الكعبة؟
الشيخ: لالالا، أنت ما حججت؟
السائل: نعم.
الشيخ: أنت حججت؟
هذا هو السبب يا أخي، هو يستقبل، كيف أنت تستقبل زاوية من زواياه الأربعة التي فيها الحجر، فهو لا يستقبل الكعبة لا يجعل الكعبة رأساً، إنما يمشي قليلاً وعلى حسب الزحام.
إذا فرضنا الآن الكعبة خالية، يعني ما في حولها إطلاقاً، راح يمشي وكتفه ويده اليسرى تمس الجدار الشرقي من الكعبة، لكن هذا خيال؛ لأن الواقع حتى في أيام الزحام لا بد أن يكون هناك ناس قريبين من جدار الكعبة، فهو يمشي يميناً لا بد من خطوه على الأقل لا بد، نعم لا بد من خطوه قد تتلوها خطوات بسبب أيش؟ الزحام، لكن أنا أردت آنفاً أن أُصَوِّر الموضوع بحيث لا يُشْكِل هذا الأمر: أن الكعبة صارت عن يساره.
إذاً: يبدأ الإنسان بيساره لا، فهو لا بد هذه مثلاً الزاوية فهو لما يقف هنا لا بد ما يمشي هكذا حتى يستلم الطريق حتى ولو لم يكن أحد، أما لو كان في لازم يمشي خطوات، كما أنت تصورت، أي نعم، في هذه الحالة بعد أن ينطلق بيكون هو مُحْرِم بإزار ورداء، كثير من الحجاج نراهم مع الأسف خاصة الأجانب عفواً الأعاجم من هم أمثالنا، يعني ينطلقون من ساعة إحرامهم وإنشاء الله ما يحرمون من بلدهم؛ لأنه ذَكَّرني هذا الأفغاني الذي أمامي الآن، أنه أنا في دمشق الشام منذ ثلاثين أربعين سنة، رأيت شيخاً مُحْرِماً وكاشفًا عن كتفه، فسلمت عليه، قلت له خيرًا ما هذا؟ قال هو محرم من بلده من أفغانستان، لماذا؟
لأن هناك أحاديث تحض على أن يُحْرِم المحرم من دارة أهله.
هذه الأحاديث -والحمد لله- ليست صحيحة الإسناد؛ بالتالي هي منكرة المتن، لماذا؟ لأنها تخالف هدي الرسول عليه السلام، فرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحرم من مسجده ولو كان مكان غير الميقات يُسْتَحب الإحرام منه لكان مسجد الرسول عليه السلام أولى بذلك الإحرام منه، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُحرم، وأعني لم يُحْرِم وهنا دقيقة أرجو أن تلاحظوها معي أي لم ينوِ الإحرام، ليس معنى «لم يحرم» ما لبس الإحرام، لا قد يلبس الإحرام الإنسان من دويرة أهله كلبس، خاصة إذا كان يريد أن يركب الطائرة -مثلاً- فقد لا يتيسر له أن ينزع ثيابه ويلبس إزاره ورداءه لا، فإذاً: هو بيحرم يعني بيلبس الإزار والرداء، وقد يخجل أن يظهر أمام الناس
هكذا، فيتعذر عليه، فإذا ما قارب الميقات رفع العباية هذه ورفع القلنسوة من رأسه إلى آخره.
فالرسول لبس الإحرام من بيته، لكنه ما نوى الإحرام إلا من ذي الحُلَيْفة؛ ويعجبني بهذا الصدد أثر كنت قرأته فيما أظن في كتاب «البدع والنهي عنها» لابن وضاح القرطبي أو لعل ذلك في كتاب «الاعتصام للشاطبي» على كل حال أثر رائع جداً، أن الإمام مالك رحمه الله وتعلمون أنه كان إمام دار الهجرة المدينة، رأى رجلاً قد أحرم وهو في المدينة، سأله عن ذلك قال يريد أن يتقرب إلى الله تبارك وتعالى، قال له: أنت تريد أن تتقرب إلى الله بمخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له: وأيُّ مخالفة هذه، إنما هي خطوات من ذا الحليفة من المدينة إلى ذي الحليفة، فذكر عبارة معناها لا يحظرني الآن بالضبط وإنما أَنْكر عليه أشد الإنكار، نعم.
-ذَكَّره بقوله تبارك وتعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ
…
}.
فأنكر عليه أشد الإنكار وقال مُحَذِّراً له من هذه المخالفة، قوله تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} هنا قال ذلك الرجل: أيُّ فتنة هذه، وإنما هي خطوات، فَذَكَّره بأن رسول صلى الله عليه وسلم وهو أعبد منك وأتقى لله منك، فلوا كان الذهاب إلى العمرة والإحرام من المدينة كان الرسول عليه السلام فعل ذلك.
فالشاهد: أن كثيراً من هؤلاء الحجاج الأعاجم، يُحْرِمون ليس فقط من الميقات، بل وقبل الميقات، ثم يكشفون عن منكبهم الأيمن، فهذا الكشف بدعة إلا في أثناء الطواف، وطواف القدوم فقط طواف القدوم فقط، فيطلع يكشف عن كتفه اليمين ويلقي بقية الإزار على كتفه الشمال ويهرول يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، وفي البقية يمشي مشيته العادية، وليس هنا في أثناء الطواف ذكر خاص إلا ما بين الركن اليماني والحجر الأسود وذلك أن يقرأ الآية الكريمة {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} أما بقية الجهات فما تيسر له إن شاء تلا ما تيسر له من القرآن، أو ذكر الله بأيّ نوع من الأذكار، أو تحدث مع صاحبه في بعض
المسائل الشرعية الدينية خاصة فيما يتعلق بمناسك الحج، كل ذلك لا بأس به، لكن يبتعد عن الكلام الذي لا فائدة منه، كما تعلمون من أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الطواف صلاة، وإنما أباح الكلام فلا يتكلم إلا بخير.
فهذا من الأمور المتعلقة بالطواف، والأشواط تكون كما تعلمون سبعاً، تكون كما ذكرنا بالاضطباع والكشف عن المنكب الأيمن والإسراع، ثم لا يسرع في بقية الأشواط الأربعة.
وهنا في خلاف هل الرملان هذا مربوط مع الاضطباع، أم الاضطباع يستمر إلى آخر شوط، والذي ترجح فيما بقي في ذاكرتي أنه يظل مضطبعاً إلى أخر الشوط، أما الرملان ففي الأشواط الثلاثة الأولى، بعد أن ينتهي من هذا الطواف، فاتني تذكير: إذا مر بالركن اليماني، الكلام هنا كان كلام من الركن الأسود إن تيسر له اللمس ففعل وإلا مضى، وهذا أهون تجربةً، أهون بكثير من لمس الحجر الأسود فضلاً عن تقبيله، ولكن مع ذلك: ينبغي ألَاّ يُزَاحم، خاصةً إذا كان بين يديه النساء، هذا اللمس هو السنة، ليس هناك التقبيل، فيلمس إن تَيَسّر وإلا مضى في سبيله، ولا ينبغي أن لا ينسينه اللمس هذا أن يقرا الآية المذكورة آنفاً بين الركنين.
فإذا ما انتهى من الطواف سبعه أشواط، يَمَّم شطر المقام مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام هذا وجه كلام نظري، الآن دخول الكعبة لا يتمكن منه عامة الناس!
السائل: لا، أحياناً بيطوفوا على الكعبة.
الشيخ: آه، لا، هذا الذي لا يطوف من وراء الحجر، هذا طواف غير صحيح، لأن الحجر كما جاء في الحديث الصحيح من الكعبة، لما النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فتح مكة دخل جوف الكعبة وصلى ركعتين، ووصف بلال رضي الله عنه -وصفاً دقيقاً- صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أنه كان بينه وبين جدار الكعبة ثلاثة أذرع، صلى بين العمودين، ثم لما خرج أرادت السيدة عائشة أن تفعل فعل نَبِيّها وزوجها فقال لها عليه الصلاة والسلام «صَلّي في الحجر فإنه من الكعبة، وإن قومكِ لما بنوا الكعبة،
قصرت بهم النفقة؛ ولولا أن قومكِ حديثوا عهد بالشرك، لهدمت الكعبة ولبنيتها على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولجعلت لها بابين بابًا يدخلون منه، ولجعلت لها بابين مع الأرض بابًا يدخلون منه، وباب يخرجون منه» لكن الرسول عليه السلام خشي أن تثور فتنه من ضعفاء الإيمان، فيما لو هدم الكعبة ووسعها وأدخل الحِجْر فيها؛ ولذلك قال لها:«صلي في الحِجْر، إنه من الكعبة الصلاة» .
في الحجر لا مانع مجرد الصلاة، الدخول في أثناء الطواف في الحجر كما قال الأخ السائل فهذا بلا شك يعني نصف الطواف، لا يعتبر حينئذٍ طوافه طوافاً صحيحاً، فمن فعل ذلك فعليه الإعادة، أما مجرد الصلاة كما نراهم يتزاحمون أيضاً هناك هذا لا وجه للتزاحم؛ لأنه مجرد سنة صلاها فعلها الرسول عليه السلام في جوف الكعبة، وأمر السيدة عائشة إذا أرادت أن تصلي كما هو صلى فتصلي بالحجر، أما التزاحم في الصلاة هناك خاصة اختلاط النساء مع الرجال، هذا ليس من السنة في شيء.
بعد الطواف سبعاً يأتي المقام مقام إبراهيم عليه السلام، ولا بد أن يصلي هناك ركعتين.
وهنا -كما لاحظ من حج أو أعتمر- يصير زحام شديد جداً عند المقام؛ ولذلك فيلتزم المصلي هناك نفس الأدب الذي قلناه في تقبيل الحجر أو في لمس الركن اليماني أو في الصلاة في الحجر، يعني يبتعد عن الزحام وبخاصة إذا كان هناك بعض النسوة الجريئات الجاهلات، حيث أنهن يختلطن مع الرجال بعضهن، فعلى الرجل أن يبتعد عن الزحام أولاً، وعن زحمة النساء ثانياً، ولو كلفه ذلك أن يصلي بعيداً عن المقام؛ لأن معنى قوله تبارك وتعالى في القرآن {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فهذا النص القرآني يطبق على قدر الإمكان، فيقول العلماء: إن النص المطلق يجري على إطلاقه، ومعنى هذا: أن الذي يريد أن يصلي يقترب من المقام ما استطاع إلى ذلك سبيلا، لم يتيسر له في الصف الأول مثلاً أو اتجاه المقام تماماً يأخذ يميناً يأخذ يساراً يتأخر الصف الثاني صف ثالث رابع، مهما اشتد الزحام هو يبتعد عن الزحام
يميناً ويساراً، وخلفا ويكون قد حقق هذا النص القرآني؛ لأن النص مطلق {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} حتى لو أدى الأمر لشدة الزحام أن يصلي في السدة هناك في الخلف، يعني قريباً من الأبواب، لكن هذا فيما أظن يعني نادر جداً.
ثم الذي ينبغي أن يُلاحظه المصلي هناك أن يحاول أن يتفق هو وبعض إخوانه، بحيث يحولون بين المارة وبين صلاتهم أن يقطعوها؛ لأن الجهل القائم على حديث مجهول، يعني عند أكثر الناس، حتى بعض أهل العلم ضَعَّفه أولاً، ثم لو صح دلالته ثانياً، حيث يحتجون به أن المسجد الحرام مستثنى من إثم المرور بين يدي المصلي، ومستثنى من الأمر باتخاذ السترة وهذه دعوى باطلة لا أصل لها في السنة، وشبهتهم في ذلك حديث مروي في بعض السنن «النسائي» وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى والناس الطائفين يَمُرُّون بين يديه.
قلنا: إن هذا الحديث، أولاً: لا يصح من حيث إسناده؛ لأن فيه جهالة في بعض الرواة التي لم تثبت عدالتهم، ثانياً: لو صَحَّ هذا الحديث، وليس فيه أن الطَوّافين كانوا يمرون بين يدي الرسول، بمعنى بينه وبين موضع سجوده، لأن هذا هو المحذور الممنوع بالنسبة للمارّ بين يدي المصلي، إنما هو مرور بين المصلي وبين موضع سجوده، أما إذا مَرّ وراء موضع السجود فهذا لا إثم على المار، ولو كان المصلي لم يتخذ سُتْرةً، إنما الإثم على هذا المصلي الذي لم يتخذ سترة، فإذا مر المار بين يدي المصلي أي بين موضعه وبين موضع سجوده وهو عالم ومنتبه كما يفعلون هناك في المسجد الحرام، أن يخاصمونك ويقاتلونك بدل أن تقاتلهم؛ لأن الرسول كما تعلمون قال «فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان» هم يقاتلونك لأنك منعته أن يمر بين يديك، بهذا الزعم الباطل: أن المسجد الحرام يباح فيه المرور بين يدي المصلي.
السائل: النساء يمرون بين يدي الرجال؟
الشيخ: النساء أشكل؛ لأن هذا في المذهب الصحيح يُبْطل الصلاة، لكن هذا يُذَكِّرنا بفائدة السترة، وهذه من مشاكل الجهل بالسنة أكثر الحُجَّاج أو كثير من الحجاج حتى لا نكون مبالغين في القول، كثير من الحجاج تبطل صلاته بمرور
النساء بين أيديهم؛ السبب أنهم ما اتخذوا سترة، ويكفيك أن تتخذ سترةً رجل جالس يسبح يذكر الله يصلي على رسول الله إلى آخره فمرّت امرأة بينك وبين هذا الجالس فصلاتك صحيحة، أما تقف هكذا في المسجد الحرام في ساحته تصلي والناس يمرون رجالاً ونساء حتى بعضهن يكاد يمس بدنك وربما ترميك أرضاً من المزاحمة؛ هذا يجعل هذا المرور من النساء يبطل الصلاة إبطالاً، كما لو صلى بغير وضوء، ويُنْقِص من فضيلة الصلاة فيما إذا كان المار غير المرأة.
لذلك السترة واجبة الاتخاذ في كل المساجد، ومنها المسجد الحرام.
فهذا الحديث أولاً: عرفتم ضعفه من حيث إسناده، وعرفتم أن دلالته ليست قاطعة، لأن الطَّوَّافين كانوا يمرون بين الرسول عليه السلام وبين موضع سجوده، فليس فيه هذا البيان حتى يقال المسجد الحرام له هذه الخصوصية.
فإذاً: ما بُنِي على فاسد فهو فاسد، هذا أولاً، وثانياً: كيف نضرب النصوص القاطعة والآمرة باتخاذ السترة وأنه إذا مَرَّ بين يدي المصلي ثلاثة أنواع ومنها النساء تبطل الصلاة، إلا إذا كان قد اتخذ سترة، يقطع قال عليه السلام: يقطع صلاة أحدكم، إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل: المرأة والحمار والكلب الأسود، قالوا: مابال الكلب الأسود؟ قال: هو شيطان، نعم.
السائل: ..
لا لا، كل المساجد، الحديث مطلق كما ترى ويُبَيِّن أهمية السترة:«يقطع صلاة أحدكم» .
أولاً: لاحظوا معي هذا الحديث وين قاله الرسول؟ في المدينة فهو يخاطب أهل المدينة مباشرة، ثم المسلمين كافة:«يقطع صلاة أحدكم، إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل» شبر أو شبرين «المرأة والحمار والكلب الأسود» إلى آخر الحديث.
السائل: أنت تفضلت: أن المرأة إذا مَرَّت بين يدي المصلي في المسجد الحرام وعنده ستره أمامه السترة، هل هذا الحكم مُتَوَقِّف في المسجد الحرام فقط؟
الشيخ: سامحك الله، لكني بأعذرك وأعذر نفسي، يعني لأن العِرْق دَسَّاس يعني يا أخي، الحديث شو بيقول، الحديث الذي تلوناه شو بيقول؟
السائل: نعم، «يقطع صلاة المرء» .
الشيخ: عم بيقول «في المسجد الحرام» ؟
السائل: لا، أنت خصصت أنه المرأة إذا مرت
…
الشيخ: يا أخي، هذا ما اسمه تخصيص -بارك الله فيك- هذا اسمه ذكر، يعني جزء من أجزاء النص العام، عَمّ نحكي نحن عما يقع في المسجد الحرام، فقلت: إنه من فوائد السترة أنها تمنع إبطال صلاة المتستر بهذه السترة إذا مرت امرأة، عم بنحكي عن المسجد الحرام، هذا ليس تقييداً وليس تخصيصاً، إنما هو جزء من أجزاء النص العام الذي أوردت الحديث عليك مراراً، وَلَفَتُّ نظرك أخيراً أن الرسول قال هذا الحديث، أين في المدينة إلى أن قال:«يقطع صلاة أحدكم» .
قلت: هذا بصورة خاصة ثم شمل الحكم كافة المسلمين، فالحكم عام إنما أنا أتحدث عما يقع في المسجد الحرام واضح إن شاء الله، الحمد لله.
فالشاهد: فالمسجد الحرام في هذه المسألة لا يختلف عن سائر مساجد الدنيا، لا بد لكل مُصَلِّ من أن يتخذ سترة، ولا يتورط بما قد يسمع من هذا الحديث، لأنه أولاً: ليس صحيح السند، وثانياً: ليس صريح الدلالة.
ولا بد أن يتوفر في النص أمران اثنان، الأمر الأول: أن يكون ثابتاً، ولو في أدنى درجات الثبوت، فعند العلماء وهو الحسن، ثم: لا بد أن يكون إما صريحاً أو يغلب غلبةً ظنية أن الحكم كذا وكذا، أما إذا لم يكن فيه هذا المعنى ولو بغلبة الظن، والأحكام الشرعية تُبْنَى تارةً على اليقين، وتارة على غلبة الظن، لا هذا ولا هذا موجود في الحديث لا من حيث الثبوت ولا من حيث الدلالة.
ثم لَفَتُّ نظركم أن معنى هذا وهذا مخالف لعموم الأحاديث التي تأمر باتخاذ السترة، وبخاصة هذا الحديث الأخير:«يقطع صلاة أحدكم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل، المرأة والحمار والكلب الأسود» .
لذلك قلنا: أشد ما يكون القطع هو حينما يريد أن يصلي الحاج أو المعتمر صلاة ركعتي الطواف عند المقام، فلا بد هناك من أن يتعاون الإخوان، أنه يقف واحد في وجه من يمر، أنا مثلاً أُريد أن أصلي هنا، فهذا يقف هنا، إذا رأى رجلاً يريد أن يمر يمنعه، أو يريد أن يجتاز هكذا أو أيضاً منعه هكذا، ثم نتبادل هذا يصبح مكان ذاك وذاك مكان هذا وهكذا حتى تكون الصلاة كاملة وغير مشغول بال الإنسان بدفع هذا الذي كاد أن يمر.
«أنا في الحقيقة صارت معي أول حَجَّة حججتها ما شفت حالي غير كدت أنصرف عن صلاتي، ليش أنا عم بأصلي لا أكاد أضع يدي وهكذا، في الأخير الله بلاني بواحد مصري، وكانوا المصريين يومئذٍ مطربشين، تعرف مو مطربشين؟ طربوش، فواحد مصري في حدود أربعين خمسة وأربعين في العمر مطربش، أراد أن يمر منعته أراد أن أيش يجتاز رغم أنفي فَصَدَيّته، حينئذٍ عرف أنه أنا يعني رجعي تماماً كما يقولون، فوقف علي ما تركني يمشي في سبيله لأني مخطئ في زعمه، بعد ما سَلّمت صاح في وجهي، تعرف المصريين لَسِنِين قرقرقر بيحكي شي بِيُفهم وشي ما بيُفهم، بعدين أدخل مين الشرطي الذي يقف عند المقام الشرطي مع الأسف بيوافقه النظر، بِيدّعي ما عندهم، قال يا شيخ في قول أنه هوني يعني ما في ضرر بالمرور بين يدي المصلي، وأنا حديث عهد بالمسجد ويعني مش قوي في العلم معتد يعني بعلمي، سألت ما في عندكم هون علماء نسألهم، قالوا لا، في بعض الغرف كانت يومئذٍ الآن ما أظنها موجودة، إلا غرف خاصة، وما اهتدينا، وجمعنا مع بعض علماء مجلس عامر وهذول العلماء كما تعلمون اختلفوا علينا منهم من يقول بمقتضى هذاك الحديث.
وأَذْكُر لكم أنه أنا يومئذ على قَدِّي كما يقولون، فوجئت بهذا الحديث، فوجئت ما كان عندي خبر عنه، وبعضهم بيقول لا ما بيجوز مرور لا في هذا المسجد يعني كما نحن قَدّ منا الآن؛ فكان ذلك مفتاحًا للبحث مني في هذا الحديث، لأنه شَغَل بالي في الحقيقة، كان هناك مكتبه اسمها قديماً مكتبة المسجد الحرام، نُقِلت خارج شو اسمه هذا الطريق؟
السائل: الملك عبد العزيز
الشيخ: فكانت المكتبة غرفة كبيرة جداً من غرف المسجد الحرام، صرت أتردد عليها وأقمت أنا هناك زمنًا طويلاً والحمد لله إلى أحد عشر من شهر محرم الحرام تأخرت بعد الحج، فكان ديدني أنه أدخل المكتبة وأراجع فيها خاصة في هذا الحديث، فَتَبَيّن لي من يومها وتأكدت من ذلك أن هذا الحديث ضعيف؛ لذلك ذكرته في «ضعيف سنن النسائي» ونظرت في دلالته أيضاً، دلالته ليست واضحة إطلاقاً، فقلت الحمد لله هذا ربي الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله؛ ولذلك فواجبي أن أُذَكِّركم بأن تأخذوا حِذْرَكم من أن تتعرض صلاتكم بأمثال هؤلاء الجهلة، ولا يكون ذلك إلا بهذه الطريقة التي ذَكَرتُها لكم، يعني الواحد بيصلي والآخر بيقف بين يديه يمنع المارة أن تمر.
ثم بعد ذلك تنطلقون وتذهبون على ماء زمزم وتشربون منه، وتكثرون منه والمهم أن تستحضروا يعني النية القلبية مع الله تبارك وتعالى، وأن تدعوا هناك بما يهمكم من أمور دينكم، للحديث الذي يقول:«ماء زمزم لِمَا شُرِبَ له» وهذا الحديث قد صح عندنا بمجموع طرقه، وبخاصة أن كثيراً من الحفاظ قد لمسوا أثر شُرْبهم لهذا الماء المبارك فيما نووا عند شربه، كالحافظ مثلاً «الذهبي» والحافظ «بن حجر العسقلاني» فكلاً منهما دعا هناك عندما شربا هذا الماء، واستجاب الله عز وجل لهما، تُكْثِرون إذاً من شرب الماء هناك، لكن هذا الشرب هو وسيلة، والغاية هو أن تجمعوا قلبكم مع ربكم، وأن تسألوه ما يَهُمّكم من أمور دينكم ثم دنياكم.
فإذا ما انتهيتم من ذلك، عدتم إلى استقبال الحجر على الوصف الذي سبق أن شرحناه لكم، ثم بعد ذلك تقصدون الوقوف في الصفا، في أحاديث الحقيقة وصَحَّ بعضها، لكن في هالزحمة وفي هالجهل الذي ذكرنا بعضه لا يتمكن المسلم الهادي المتسنن أن يقف هناك قريبًا من باب الكعبة ويلتزم الجدار بذراعية ويضرع إلى الله عز وجل ويبكي على ذنوبه ومعاصيه، فهذا إن أمكن في بعض الأوقات من العمرة حيث لا تكون الزحمة يكون هذا شيء طيب.
السائل: بالنسبة للمُلتزم يعني، حين الطواف في أيّ شوط من الأشواط، وإلا بعد ما ينتهي من الأشواط، الملتزم؟
الشيخ: لا، في أيّ شوط.
السائل: في أيّ شوط؟
الشيخ: نعم.
السائل: شيخنا هنا، جزك الله خيرًا استفدنا منكم في كتابك ذلك الذي نقل عن ابن تيمية وأنت تؤيد هذا الكلام في الملتزم، قلت: إذا لم يتسع مكان له في الملتزم يلتزمه حقيقةً، يتنحى قليلاً قليلاً عن الملتزم ويدعوا، نقلاً عن ابن تيميه هذا القول، وأنت تؤيده يعني كان، يعني تقريبًا الموضوع.
الشيخ: إذا ما أمكنه.
مداخلة: إذا ما أمكنه من الالتزام في شدة الازدحام، فإنه يبتعد قليلاً عن الازدحام ويدعو في منطقة الملتزم؟
مداخل آخر: الواقع أستاذ أن المُلْتَزم أخف من غيره في الزحام، كلهم بيلتزموا تحت الباب بيتركوا المكان اللي بين الحجر وبين الباب.
الشيخ: لا، موجود كثير بعد الباب.
السائل: أكثر ناس أستاذ أكثر ناس تحت الباب.
الشيخ: إذاً: هذه فرصة لمن يريد أن يُحَقِّق ذلك.
السائل: حوالي صفحة شيخنى نقلتها نقلاً عن ابن تيمية.
الشيخ: ما شاء الله، والله أنا بعيد عهد، وما استطعت الحقيقة برغم أنه أخونا الأفغاني نَبّأني من أيام عن هذه الجلسة، بس ما تفرغت أني أُرَاجع الموضوع ولو في رسالتي.
السائل: في رسالتك تقريباً صفحة تكلم عن هذا الموضوع، نقلاً عن ابن تيمية وأنت تؤيد هذا.
الشيخ: جزك الله خيرًا.
مداخلة: ولعله في الرسالة مذكور شيخنا أنه ما صح الالتزام إلا من فعل السلف الصالح، ما صح شيء في المرفوع.
الشيخ: ما صح شيء في المرفوع، إن كان هذا مذكوراً فيجب إعادة النظر، لأنه أنا أوردت بعض الأحاديث في صحيح الجامع
…
نعم.
السائل: كان يضع صدره.
الشيخ: نعم صدره كذا، على كل حال ذَكِّرونا لأُعِيد النظر في الرسالة وأشوف أيهما أصح، فإذا صعد الحاج أو المعتمر إلى الصفا فينبغي أن يستقبل الكعبة، ومن المُلاحظ الآن بسبب البنيان الذي أُقيم منذ سنين، والأعمدة تحول بين الواقف في ذلك المكان وبين رؤيته الكعبة، إلا إذا دَقَّق النظر فبإمكانه أن يرى سواد الستائر الممدودة على الكعبة بين عمودين فقط، ولذلك: فينبغي أن يتحرى هذا أنه غير واضحة الكعبة، حينما يقف على الصفا ثم يرفع يديه هناك ويدعو بالدعاء الوارد بالتهليلة، ويدخل الدعاء بين كل تهليلة وأخرى وليس للقيام في الصفا ليس له حد محدود، وإنما يُكْثِر من التهليل ومن الدعاء ويكون الدعاء بين هذا الذكر، وأيضاً هنا ينبغي أن يلاحظ إلا إذا كان على سبيل التعليم، لا يُنَصِّب أحدهم نفسه إماماً يدعوا والآخرون يُؤَمِّنون، شأنهم في ذلك كما يفعلون عقب دبر الصلوات هذا الاجتماع
على الدعاء دبر الصلاة ليس من السنة في شيء، كذلك الحكم هناك كل واحد يستقبل الكعبة ويذكر الله بما هو وارد من التهليل ويدعو بما هو أحوج ما يكون إليه كإنسان مذنب مع الله مذنب مع عباد الله، فيطلب من الله عز وجل أن يغفر له وأن يستجيب له ما يسأله من خير الدنيا وخير الآخرة، فكلاً لنفسه ولا يشترك أحد مع غيره، وإذا كان هناك نساء فينبغي أن يجعلوا النساء خلف يعني قريب من الأثر الباقي من الجبل لأنه بيصير زحام هناك شديد جداً، خاصة في موسم الحج وفي موسم العمرة في رمضان، فإذا ما أنتهى من التهليل ومن الدعاء بين ذلك والتكبير أيضاً
…
والآية، نعم أي نعم، ذَكَّرنا الأخ، يقول كما قال عليه السلام: «نبدأ بما بدأ الله به، ويقرا الآية {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} إلى آخرها، فلا بد من الذين يهيؤون أنفسهم لهذه العمرة، أن يستحضروا هذه الأوراد وهذه الأذكار بتمامها، ثم ينزل ويسعى فأول السعي وآخره مشي عادي، لكن ما بين العلمين فَيَرْكُض.
وهنا خلاف بين العلماء بالنسبة للنساء: هل يُسَنّ لهن أن يشاركن الرجال في الركض أم لا، هذا الخلاف يُشْبه تماماً -ولو من بعض النواحي- رفع النساء أصواتهن بالتلبية، فنحن هناك رَجَّحنا دون أيَّ تَردُّد ترفع الصوت ولو بين النساء، أما هنا فلنا وجهة نظر، فنقول: إذا كان المَسْعَى خالياً من الرجال أولاً، وكانت المرأة بحجابها الشرعي ثانياً، وذلك بأن يكون حجابها فضفاضاً ليس ضَيِّقاً وليس قصيراً، فأنا لا أرى مانعاً من أن تَسْعَى بين العلمين لأن أصل السعي ما الحكمة في ذلك؟ لأن أصل السعي هو من زوجة إبراهيم عليه السلام لما ركضت فمن يومئذٍ صارت هذه سنة، فأصل من سَنَّ هذه السنة هي امرأة فينبغي أن تكون خاصة بالنساء، ولا ينبغي العكس أن يكون خاص بالرجال فعلى الأقل أن يشترك الجنسين في أصل مشروعية هذه السنة، ولكن إذا لم يتوفر ما ذكرته من الشرط بالنسبة للمرأة، فتمشي إذاً: كما مشت في أول المسعى وفي آخره أيضاً، فإذا ما وصل إلى المروة، والصفا والمروة عبارة عن جبلين صغيرين مع الزمن فَرَشوه بالبلاط
والرّخام ونحو ذلك، حتى يعني معالم جبل المروة قُضي عليها بالمرَّة، أما بالصفا بقي شيء في المؤخرة.
فهناك أيضاً يجتهد في استقبال الكعبة ولا سبيل له إلى رؤيتها فبِده يأخذ فوتوغرافية المسجد الحرام الحاج والمعتمر بده يأخذ فوتوغرافية المسجد الحرام، ويُقَدِّر أن الكعبة هنا أو هنا كثير من الحجاج لجهلهم أولاً، ولعدم استحضارهم موقع الكعبة بالنسبة للمسجد الحرام الذي صار المسعى فيه جزءًا منه، يستقبلوا الصفا يعني هالطريق الذي هو المسعى بيستقبلوه لجهلهم، بينما الواقع إذا فرضنا هذا هو المسعى طويل ينبغي أن يقف هكذا، ينحرف انحرافًا نصف دائرة تقريباً إلى اليمين، نعم على كل حال هذه قضية اجتهادية.
فإذا كان مسلم مُرَخَّص له بقوله تعالى إذا كان لا يرى الكعبة {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} فيُغْتَفر له أن لا يُصِيب باستقباله عين الكعبة ولو كان في المروة لكن لا بد له من الاجتهاد، فإذا اجتهد وانحرف فلا مانع؛ كما نفعل نحن اليوم في الصلاة إذا كنا في البرية في العراء.
وهنا لا بد أن نُذَكِّركم بأمر هام جداً جداً جداً حيث أن كثيراً من الحجاج تَبْطُل صلاتهم، ذلك لأنه في المسجد الحرام ينحرفون عن الكعبة، والكعبة على مرمى من بصرهم، ما نقول الذي يكون مثلاً في المروة وأُقيمت الصلاة فيصلي هناك، فقد يكون منحرفًا يميناً ويسارا وحكمه حينئذ كحكمنا هنا إذا صلينا خارج المساجد نجتهد، لكن أكثر المصلين الكعبة يرونها ولا يستقبلون الكعبة لغفلتهم لجهلهم، ولخطأ الهندسة الذي بنيت هذه الأبنية الجديدة اليوم، أنا كنت أرى إن رأيتم الخط الأسود الذي يتصل مع الركن الأسود، ركن الحجر الأسود، الحجر ممدود بلاط أسود، هذا شيء طيب؛ من شان ما يتجاوز الطائف بدون ما يبدأ بالإشارة على الأقل للركن الأسود.
كنت أرى أن هذه الإصلاحات الضخمة التي كَلَّفتهم ملايين مملينة، ينبغي أن يُبَلّط البلاط خطوطًا منحنية؛ بحيث الذي يقف هناك في آخر الخط أو هنا لا يخرج
عن استقبال القبلة، الناس هالمهندسين جهلة بلا شك، يعني ولا عندهم خاطرة أو مخطط بناء مسجد عادي فضلا عن تجديد بناء المسجد الحرام، خاصة الطابق الأول البلاط مفروش كالعادة، وليس في هذه الخطوط التي تمتد الآن في المساجد الخيطان، هذه أعتبرها من البدع؛ لأنها تؤدي إلى تعطيل تنظيم الصفوف والعناية بتسوية الصف ووو إلى أخره.
أما في المسجد الحرام مثل هذه الخطوط أراها من المصالح المرسلة، لأنه هناك لا يمكن إلا بمثل هذا القيد المادي أن تبنى أن تصف هذه البلاطات، بحيث أنه كل من وقف في أي مكان من هذا الصف يجد نفسه أيه؟ مستقبلاً الكعبة، فنحن نجد مصلين أمامي -مثلاً- صف أنا باصلي هيك وهو بيصلي هيك والكعبة هيك وكثيرًا ما فعلنا، ويمكن بعض إخوانا الحاضرين نجي نمسك واحد نعمله هيك بتلاقي مثل العمود الباطون .. هذا بسبب انحراف فقهي؛ لأنه في المذهب الحنفي إذا قيل للمصلي أنت مستقبل الجهة المخالفة للكعبة الكعبة هيك فالتفت مثلاً يميناً، فإذا أنت تجاوبت مع هذا الكلام بَطُلت صلاتُك، يعتبرون هذا مكالمة حتى رووا حديثاً في ذلك مروي في «سنن أبي داود» أنه الكلام المفهم للمصلي فهو مبطل للصلاة، وهذا في سنده رجل مجهول أيضاً والحمد لله.
الشاهد حاولنا أن نيممه الصف [في] المسجد الحرام أبداً، مثل الباطون بعدما صلى في حوالي ناس قلنا له: يا أخي هذا عَمّ بيصلي غير متجه للكعبة، وقلنا له أشرنا له ما جاوب، قال هذا هندي أو باكستاني أو ما بعرف نسيت شو قال لي؟
السائل: .. إفريقي.
الشيخ: إفريقي.
السائل: أي نعم.
الشيخ: إفريقي يعني شو عليه هلا، {لا تزرُ وازرةٌ وِزْرَ أخرى} يعني أنت هلا تأثرت لأن هذاك الأفغاني أحرم من الأفغان.
المقصود: أنه يجتهد هناك في المروة في استقبال القبلة أولاً، ثم في الذكر المشروط وهو بين يدي ذلك، ويتحاشى الاختلاط مع النساء، لأنه الحقيقة إذا أقيمت صلاة بيصير الجماعة خليط مليط يعني نساء ورجال في صف واحد، فليحذر ما استطاع ذلك، ثم ينزل قاصدًا الصفا ويسعى أيضاً بين العَلَمين وكذا يُعيد ذلك حتى يأتي بسبعة أشواط.
وهنا خلاف فقهي لا قيمة له؛ لأن السنة قاطعة في الموضوع، فبعض المذاهب مثل المذهب الحنفي يقول انطلاقاً من الصفا إلى المروة ومن المروة إلى الصفا هو شوط واحد؛ ولذلك فلا بد من سبعة أشواط، ويكون الانتهاء حيث كان الابتداء.
وهذا مخالف للسنة الصحيحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أنهى الشوط السابع في المروة ما جاء إلى الصفا، ولذلك فهذه مخالفة صريحة؛ ناتجة من رأي صدر من بعض أهل العلم -طبعاً- لكن يبدو بأنه لم تكن قد جاءته السنة الصريحة بأن الشوط من الصفا إلى المروة يُعَدُّ واحداً، وهكذا رجوعاً إلى الصفا الثاني وهكذا سبعة أشواط آخرها يكون بطبيعة الحال في المروة.
وبذلك تنتهي أعمال العمرة، ولا يبقى عنده سوى التحلل إما بالحلق وهو الأفضل أو تقصير.
وهنا أيضاً شيء لا بد من لَفْت النظر، الحلق معروف أنه استئصال شعر الرأس بالموس أو نحوه، شعر الرأس كله، التقصير كذلك ينبغي أن يكون شاملاً لجميع شعر الرأس، لكن ليس على طريقة الاستئصال والحلق.
فما يقال في بعض الآراء والأقوال: إنه يكفي أن يأخذ من بعض الجوانب من الرأس، فهذا أولاً: ليس له دليل عملي في السنة، ثم هو خلاف عموم قوله تبارك وتعالى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} فمحلقين رؤوسكم ومقصرين، طبعاً هنا من حيث المعنى هو واضح والحمد لله، فيه مضاف محذوف مُحَلِّقين شعور رؤوسكم أو مقصرين، فكما أن معنى مُحَلِّقين الشعور كل الشعر، كذلك مُقَصِّرين كل الشعر، ولا يجوز الاقتصار على جانب مثلاً من تحت أو من هون أو من هون، وإنما يقصه
قصًا لا يتقصد إبقاء جانب بدون قص وأن يكون القص الإتيان على كل الجوانب، قد يفوته مثلاً لأنه ليس كالموس قد يفوته جانب بدون قص، لا مانع من ذلك أما أن يتقصد كما يفعل بعضهم بيكون الولد ...... ماسكاً المقص في أعلى المروة، بيجي بقص له شعره لهالحاج وانتهى الأمر عنده، ليس هذا هو المقصود {وَمُقَصِّرِين} رؤوسكم.
ولذلك: يجب الاهتمام بهذه القضية، وكلكم يعلم إن شاء الله بأن الحديث الصحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمُحَلِّقين ثلاثاً، فقال اللهم اغفر أو ارحم المُحَلِّقين، اللهم اغفر للمُحَلِّقين، اللهم اغفر للمحلقين ثلاثًا، قالوا يا رسول الله وللمقصرين؟ قال «وللمُقَصِّرين» أي هذا أمر جائز ولكنه مرجوح، أما الراجح فهو الذين دعا لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثاً.
ثم أنا أُلاحظ شخصياً أن في الحلق فيها حكمة بالغة بالنسبة لبعض الشباب في العصر الحاضر بعض الشباب الذين يُعْنَون بتربية شعورهم ويعجبهم شعرهم، بيربوا مثلاً تواريت أو شاليش أو ما شابه ذلك فهناك في الحج؛ لأن الشرع بيرغمه أنه حاج شو بدي أسميها .. هذا الزائد أطح شعرك لله فقط، فهنا بتكون عبودية واضحة جداً «ولذلك أخطأ بعض شيوخ الصوفية حينما جعلوا من آداب المريد مع شيخهم أنه لما بِدّه يبايع الشيخ على الطريقة، لازم يحلق رأسه، هذا شرك عملي والعياذ بالله، نعم»
الله المستعان، ولذلك فليكن يعني هَمُّكم إذا اعتمرتم وأنتم قاصدون لمعرفة السنة والإقتداء به عليه السلام، فهو بلا شك الحلاقة ولَمَّا حَلَق صلى الله عليه وسلم بادر الصحابة الحريصين بالتبرك بشيء من أثاره، أن يتخاطفوا شعره عليه السلام.
فإذاً: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} هذا ما يحضرني الآن من سياق عمرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
السائل: تذكر بعد الاضطباع أنه يُرَجِّع الإحرام من أجل الصلاة يرجع الإحرام؟
الشيخ: أحسنت، أي نعم: هذه ناحية أيضاً مما يُخلّ الحُجَّاج والعمار، فقد ذكرت لكم -آنفاً- أن بعضهم يعني يضطبع من ساعة إحرامه، بينما عرفتم من سياقي -آنفاً- لمناسك العمرة أن الاضطباع إنما يَبْدأ به عند البدء بالطواف، وفي طواف القدوم فقط.
مع ذلك فهؤلاء الحجاج يستمرون هكذا في إحرامهم، ويقفون المواقف في منى وفي عرفة ولا يَتَحَلَّلون إلا بعد الرمي والذبح.
ومعنى هذا: أنهم يصلون كل الصلوات وهم كاشفون عن منكبهم الأيمن، وهنا يقعون في مخالفة جذرية لحديث نبوي صحيح ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«لا يصلين أحدكم وليس على عاتقيه من ثوبه شيء، فهم يصلون كاشفين عن منكبهم» وهذا خلاف هذا الحديث، فهي إذاً، أولاً: عبادة مُقَيَّدة بطواف القدوم فقط، الكشف عن المنكب مُقَيّد بطواف القدوم فقط، ثم على العكس من ذلك لَمَّا بِدّه يصلي ركعتي الطواف عند المقام، يجب أن يكون مستوراً منكبيه كليهما معاً، فإذا صلى هكذا عَرَّض صلاته للبطلان لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم من الصلاة إلا وهو ساتر لمنكبية «لا يصلين أحدكم وليس على عاتقيه من ثوبه شيء» وأرجو في نهاية هذه الجلسة، أولاً: أن تلتزموا ما ذُكِّرتم به من الواجبات والسنن والمستحبات، وثانياً: ليبلغ الشاهد الغائب، لا بد أنكم ستلتقون هناك مع كثير من العُمَّار، فيجب أن تُذَكِّروهم بأخطائهم، وبما يجب عليهم من مراعاة أحكام العمرة التي ثبتت في السنة الصحيحة؛ حتى يُكْتب لكم أجر الدال على الخير كفاعله؛ ولأنه يدخل في قوله عليه السلام «من سن في الإسلام سنة حسنة» ؛ لأن هذا الذي سيأخذ منك هذه النصيحة سيطبقها في نفسه فتكون سنة مستمرة، ثم قد ينقلها أيضاً إلى غيره، وهكذا يكون لك ثواب كل من استدل بدلالتك على الخير.
السائل: بالنسبة المرأة، هَلّا الرجل إما يحلق وإما يقص شعره، ولكن المرأة نرى بعض النساء يأخذن من عدة شعرات؟
الشيخ: ليس عليهن إلا ذلك، نعم.
(الهدى والنور/562/ 35: 20: 00)