الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من مناسك الحج
الشيخ: [أُذَكِّر] كذلك بالحديث الذي هو وقت هذه الساعة التي نحن محرمون وحجاج، حيث قال عليه الصلاة والسلام:«خذوا عني مناسككم؛ فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا» .
ونحن اليوم أصبحنا في يوم عرفة، وعما قريب سننطلق ملبين مهللين إلى عرفة، وذلك يكون اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، بعد طلوع فجر هذا اليوم ننطلق إن شاء الله إلى عرفة، وقبل الصعود إليها نصلي الظهر والعصر جَمْع تقديم في مسجد نمرة، ذلك لمن تيسر له الصلاة مع الإمام في هذا المسجد، أو فيما حوله؛ لأن الحجاج والحمد لله جمع غفير جداً، فقد لا يتمكنون كلهم وجميعهم من أن يصلوا صلاة واحدة، مع إمام واحد، هذا هو الأصل أن يصلوا معه، فإن فاتهم ذلك، فيصلون جماعات في منازلهم، في خيامهم، بعد ذلك، أعني بعد دخول وقت الظهر، وصلاتها جمع تقديم مع العصر، السنة أن يبدأ الناس في الصعود إلى عرفة، والوقوف عليها.
وقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عند عرفة، ولكنه قد بَيَّن للناس أن وقوفه ذاك ليس مُلْزِماً للناس جميعاً به، وأن يتحروا الوقوف موقفه، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:«وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف» ، ولذلك فلا ينبغي للحجاج أن يتكلفوا الوقوف هناك، فإن الدين يُسْر، ومن يشاد هذا الدين يغلبه، يقف الحاج في أي مكان يتيسر له من عرفة، ولكن عليه أن يتحرى أن يكون موقفه داخل عرفة، وأن لا يقع هذا الموقف خارجها كما يبلغنا أحياناً عن بعض الحجاج، وهناك لآفتات مكتوب عليها حدود عرفة، ولذلك فعلى كل حاج أن يُلَاحِظها إن كان قارئاً، وإلا فالأمر كما قال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
فبعض الناس قد لا يقرؤون، وبخاصة بعض النساء، فعلى هؤلاء جميعاً أن يقوموا بواجب السؤال، حتى لا يقعوا في الوقوف خارج عرفة، فإن فعلوا ذلك فقد ذهبت حجتهم أدراج الرياح، لقوله عليه الصلاة والسلام:«الحج عرفة» .
وأذكر أيضاً بأننا في ذلك الموقف لا ينبغي أن نُضَيِّع وقتنا هناك بشيء من الحديث الدنيوي أو المناقشات في بعض المسائل العلمية أو في المزح والضحك؛ فإنها ساعة قَلَّما تُعَوَّض، وعلينا أن نستقبل القبلة، ومن كان قادراً أن يَظَل قائماً مُسْتَقْبِلاً القبلة يذكر الله تبارك وتعالى، ويدعو متذللاً .. متخشعاً لله عز وجل هكذا، حتى يرى الشمس قد غربت عن شماله.
إن من الحِكْمة أو من حِكْمة جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين الظهر والعصر، هو تفريغ هذا الحاج، ليتوجهوا إلى الله تبارك وتعالى بطلباتهم ورغباتهم وأدعيتهم، يهتبلونها فرصة يتوجهون فيها إلى الله عز وجل بقلوبهم، والتلبية هناك واردة أو مستمرة: لبيك اللهم! لبيك، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في تلبيته هذه أحياناً: إنما العيش عيش الآخرة، لبيك اللهم! لبيك، إنما العيش عيش الآخرة.
كما صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير ما قلته أنا والنبيون قبلي دعاء عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» ، فيكثر إذاً: الحاج هناك من ذكر الله، والتلبية، والدعاء، والتهليل متذللاً متخشعاً كما ذكرنا، حتى تغرب الشمس، وحينذاك ينطلق الناس إلى مزدلفة، وفي مزدلفة يشرع بل يجب تأخير الصلاتين، والجمع بينهما بعد دخول وقت العشاء جمع تأخير، يصلى كما تعلمون المغرب ثلاث ركعات، والعشاء ركعتين، ثم لا سهر ولا سمر ولا جلسات علمية ولا شيء، وإنما النوم مبكراً اتّباعاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ليستيقظوا جميعاً مُصْبِحين مُبَكِّرين ليصلوا صلاة الفجر في الغَلَس، لقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة مهجره، أن يصلي صلاة الفجر في الغلس؛ حتى قالت السيدة عائشة -رضي الله تعالى عنها-:[إن كان النساء المؤمنات لينصرفن من صلاة الفجر وهن لا يُعْرَفن من الغلس]، هكذا كان هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، وهو في المدينة، أما في المزدلفة، فقد بَكَّر أكثر من ذي قبل بصلاة الفجر، حتى قال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، أنه ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة في الغلس، إلا صلاة الفجر في مزدلفة، وهو يعني بذلك في الغلس الشديد، فهو كناية عن أن النبي صلى الله عليه وسلم بَكَّر جداً في صلاة الفجر في الغلس، وذلك لكي ينطلق عليه الصلاة والسلام هو ومن
معه من صَحْبه الكرام إلى المشعر الحرام، ليقوموا هناك أيضاً مستقبلي القبلة بذكر الله والدعاء له، ثم ينطلق من هناك إلى منى لرمي جمرة العقبة، وهذا الانطلاق أمر واجب بالنسبة للرجال أن يكون بعد صلاة الفجر وأن يكون رميهم للجمرة الكبرى بعد طلوع الشمس لصحة حديث ابن عباس الذي كان مع الضعفة الذين أذن لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن ينصرفوا من المزدلفة بعد نصف الليل
خلافاً لعامة الناس، ومع ذلك قال لابن عباس ومن كان هو معهم من الضعفة، «لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس» أما النساء، أما الشيوخ العجزة، فقد أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ينطلقوا من المزدلفة بعد نصف الليل، ذلك ليتحاشوا وليتنكبوا زحمة الناس، وأن لا يتضرروا بمثل تلك الزحمة، ولكن لا يوجد - وهذا أمر أرى لزاماً عليَّ التنبيه عليه - وهو أنه لا يوجد حديث وأرجو الانتباه لما أقول، لا يوجد حديث صحيح مرفوع أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للضعفة وللنساء الذين سمح لهم أو لهن عليه الصلاة والسلام بالانصراف من المزدلفة بعد نصف الليل، لا يوجد حديث صحيح صريح أنه عليه الصلاة والسلام أذن لهم أن يرموا الجمرة قبل طلوع الشمس، بل حديث ابن عباس صريح على خلاف ذلك:«لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس» .
نعم. لقد وقعت بعض الحوادث من بعض الأفراد أنهم رموا قبل طلوع الشمس، رموا ليلاً، وانصرفوا إلى الكعبة، إلى بيت الله الحرام، لكن هذا قد يكون أولاً لعذر، وقد يكون ثانياً لغير عذر ولكن لِفَهْم خاص، ولا نجد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم عَلِم مثل هذا الواقع وأَقَرَّه، ولو كان شيء من ذلك لوجب استثناء مثل هذا الواقع من القاعدة العامة:«لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس» .
هذا ما رأيت من المناسب الآن التنبيه عليه.
(الهدى والنور/389/ 00: 00: 00)