الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حل له الحل الأصغر، فإذا طاف حل له الحل الأكبر.
(الهدى والنور /390/ 03: 53: .. )
تقديم طواف الإفاضة على الرجم بسبب الزحام
السؤال: يا شيخ جزاك الله خيرًا، بالنسبة للزحمة الحاصلة الآن وكثرة المسلمين إن شاء الله، فهل يجوز أن نُقَدِّم طواف الإفاضة على الرجم، وهل يجوز أن نؤخر الرجم إلى الغروب مثلاً أو العصر -بارك الله فيك- وجزاك الله خيرًا.
الشيخ: الذي أفهمه من الأحاديث الكثيرة التي جاءت جواباً من النبي صلى الله عليه وسلم عن الأسئلة المختلفة في التقديم والتأخير حيث كان عليه الصلاة والسلام يقول: «لا حرج» ، حلق قبل أن يرمي، قال: لا حرج، سمعتم حديث أسامة بن شريك آنفاً بأنه سعى قبل أن يطوف، فقال:«لا حرج» . ردد هذه الكلمة مراراً وتكراراً، حتى قال الراوي أننا ظننا أنه ما سئل عن شيء قُدِّم وأُخِّر إلا وقال:«لا حرج» .
فالذي أفهمه من جوابه عليه السلام عن هذه الأسئلة ليس هو أن يصبح الحج فوضى، لا نظام له، فيحج الإنسان كيفما شاء وكيفما اتفق، لا، الأصل في ذلك إنما هو حجة النبي صلى الله عليه وسلم التي قال فيها ما ذكرته من قوله صلى الله عليه وسلم آنفاً:«خذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا» .
فالأصل إذاً: أن نُرَتب المناسك كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا شعر الحاج، وهذا يختلف من إنسان إلى آخر، من شاب إلى كهل، إلى شيخ من رجل مريض إلى رجل سليم، من امرأة غير حامل إلى امرأة حامل .. وهكذا، تختلف هذه الأمور بالنسبة للأفراد، وباختلاف ذلك يختلف الحرج، فقد يوجد حرج ما لإنسان ما لا يوجد مثل هذا الحرج لغيره.
فإذاً: الضابط والقاعدة في جواز التقديم والتأخير هو ملاحظة الحرج، فإذا كان هناك حرج في مثل ما جاء في السؤال أن يرمي في الوقت المشروع بعد طلوع
الشمس كما جاء في حديث ابن عباس السابق الذكر، لكنه شيخ كبير أو رجل عليل مريض يخشى على نفسه الزحمة، فله أن يُؤَخِّر كما جاء في بعض تلك الأحاديث من قول السائل:«يا رسول الله! ما رميت إلا وقد أمسيت. فقال: لا حرج» .
فإذاً: يجب أن نلاحظ هنا القاعدة وما يُبَرِّر أو يُسَوِّغ لنا الخروج عنها إلى الترخص، القاعدة أن نأتي بكل منسك من مناسك الحج موافقين في ذلك صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم الذي يجوز أو يجوز لنا الخروج عن هذا الأصل هو الخلاص من الحرج، أما من لا يجد في نفسه حرجاً فعليه أن يلتزم أن يضع كل منسك في موضعه تنفيذاً لأمر نبيه:«خذوا عني مناسككم» .
وأنا أُريد أن أُقَرِّب لكم هذه المسألة بمسألة أخرى جاء فيها ذكر الحرج، وهي تتعلق بالصلاة، فهذا من جهة.
ومن جهة أخرى أن بعض الناس لا ينتبهون إلى هذه النكتة التي ذكرتها فيما يتعلق بالحج، فإنها كذلك تتعلق بالصلاة، أعني بذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه، والحديث في صحيح مسلم، قال:«جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء دون سفر ولا مطر» .
وفي رواية: «خوف» .
قالوا وهنا الشاهد: ماذا أراد بذلك يا أبا العباس؟
كنية عبد الله بن عباس أبو العباس.
ما أراد بذلك صلى الله عليه وسلم بذلك يا أبا العباس؟
قال: «أراد ألَاّ يُحْرِج أمته» .
فقوله رضي الله تعالى عنه: أراد النبي صلى الله عليه وسلم بالجمع بين الصلاتين في المدينة دون وجود شرط الجمع ألا وهو السفر أو المطر أو الخوف، لم يكن شيء من هذه الأسباب.
إذاً: جاء السؤال: لماذا جمع الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة مقيماً بين الظهر والعصر من جهة، وبين المغرب والعشاء من جهة أخرى.
كان جوابه: [أراد ألاّ يُحْرج أمته].
فمعنى هذا الجمع ليس هو كما يقول بعض العلماء قديماً وحديثاً إنه يجوز للمقيم أن يجمع بين الصلاتين ترخصاً، لا ليس في الحديث، كان يمكن أن يؤخذ هذا من الحديث لو لم يكن السؤال الموجه إلى ابن عباس وجوابه، جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة، لو كان الحديث هكذا كان يمكن اعتباره دليلاً على جواز الجمع بدون أيَّ سبب، رخصة، كما هو الشأن في حالة السفر.
لكن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قد أجاب عن السبب، فقال:[أراد أن لا يُحْرِج أمته].
حينئذ الغاية من جمع الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الجمع وهو مقيم فتح الطريق لمن كان مقيماً ووجد في ظرف ما حرجاً في المحافظة على كل من الصلوات في وقتها، فحينئذٍ خلاصاً من الحرج يجوز له أن يجمع بين الصلاتين؛ لأن من قواعد الشريعة كما قال:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].
فإذاً: حيث كان الحرج جاز التَرَخُّص في الجمع بين الصلاتين، كذلك حيث كان الحرج في مناسك الحج جاز التقديم والتأخير، أما أن نجعل الأمر فوضى تعود مناسك الحج حسب الأهواء ويختل بذلك نظام:«خذوا عني مناسككم» فهذا لا يجوز أن يستدل عليه بجواب الرسول عليه السلام في تلك الأسئلة المختلفة بقوله: «لا حرج» لأن معنى ذلك أن ما فعلتم إنما كان لرفع الحرج، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].
مداخلة: [تأخير الرمي] بعد المغرب أو العصر؟