الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مداخلة: طيب، واحد بيقول: إن [كان] اثنين قَادِرين على الحج لكن كسل هيك ما بِدّهم، وابنهم ملتزم بيصير يحج عنهم نافلة؟
الشيخ: نافلة، كل شيء يفعله فلهم أجر، لكن فريضة ما تسقط عنهم.
مداخلة: إيه، لا بد هم يؤدوا الفريضة إذا كانوا قادرين؟
الشيخ: إيه نعم.
(الهدى والنور /325/ 56: 26: 00)
الحج عن الميت هل يكون بأجرة أو بغير أجرة
؟
مداخلة: الحج عن الميت، بأجرة أو بغير أجرة
…
نريد التفصيل فيه يا شيخ.
الشيخ: أولًا: الحج عن الميت ليس على إطلاقه؛ لأن القاعدة كما قال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] وقد جاء في موطأ الإمام مالك من أثر عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لا يصوم أحد عن أحد، ولا يحج أحد عن أحد، فعلى هذا فينبغي أن نظل على هذه القاعدة إلا ما استثني، وفيما علمت ليس هناك ما صح استثناؤه إلا ما هو داخل تحت هذه القاعدة:{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] فحج الولد مثلًا عن أبيه .. عن أمه قد جاء في ذلك أحاديث، وحسبكم في ذلك شهرة حديث الخثعمية التي لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فسألته عن أبيها قالت:«إن أبي شيخ كبير لا يثبت على الرحل أفأحج عنه؟ قال: حجي عنه» .
وفي هذا الحديث أو في غيره قال عليه الصلاة والسلام: «أرأيت إن كان على أبيك دين، أفكنتي تقضينه عنه؟ قالت: بلى، قال عليه السلام: فدين الله أحق أن يقضى» ولم نر حديثًا صحيحًا صريحًا يدل على جواز حج الغير عن غيره ممن لا علاقة نسبية بينهما، كل ما في الأمر في هذا الباب إنما هو حديث شبرمة الذي جاء في السنن، وفي مسند الإمام أحمد، وفي غيرها من كتب السنة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع
رجلًا يقول في تلبيته: لبيك اللهم عن شبرمة، فقال له عليه الصلاة والسلام: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي، قال: هل حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة».
فهذا الحديث قد يحتج به من يذهب إلى شرعية الحج عن الغير لأن شبرمة لم يكن في الحديث ما ينص على أنه كان أبًا له، وإنما قال: هو أخ لي أو قريب لي، فإذا كان أخًا فاستقام الاستدلال بهذا الحديث حينذاك على أنه يجوز أن يحج أيضًا عن غير والديه، وإن كانت الرواية ليست عن أخ له إنما عن قريب
…
أقرب وأصح في الاحتجاج؛ لأن الأخ أقرب قريب، أما قريب بعد الأخ فيكون أبعد عنه.
لكن يرد على هذا الاستدلال الذي ظاهره الصحة أمران اثنان:
الأمر الأول وهو مهم جدًا في نظري: أن هذا الحديث الذي جاء بهذا اللفظ: أخ لي أو قريب لي، هذا ليس هو نص الحديث الذي كان جوابًا من الملبي للرسول عليه السلام حين سأله: من شبرمة؟ فلا يستقيم في الجواب خاصة من مسئول من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول مترددًا بين قوله: أخ لي أو قريب لي؛ لأن هذا التردد إنما يصح بالنسبة للحافظ الذي قد يهم، أم من كان موكلًا أو نائبًا للحج عن الغير وهو يدري يقينًا إن كان هذا الغير هو أخ له أو أبًا له أو أو إلى آخره.
فإذا تذكرنا هذه الحقيقة عرفنا حينئذٍ أن قول الراوي: أخ لي أو قريب لي، لم يصدر من الملبي وإنما هذا من أحد الرواة، فالراوي هو الذي شك ولم يحفظ المتن، فقال عن لسان المجيب وهو الملبي: أخ لي أو قريب لي، وإلا فيكاد يكون مستحيلًا أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه: هذا الذي تلبي عنه من هو؟ فيجيبه على التردد كأنه يعمي عليه نسبة هذه القرابة بينه وبين المحجوج عنه، لو فرد منا سأل أخاه: من هذا؟ فلا يستقيم جوابه لو قال: هذا أخ لي أو قريب لي، وبخاصة إذا كان السائل هو الرسول صلى الله عليه وسلم.
فهذه الملاحظة تؤكد لنا أن هذا الحديث رواه الراوي غير ضابط لمتنه، فلا نستطيع أن نقول: إن المحجوج عنه كان أخ له أو كان قريبًا له، لا شك أن القرابة
واسعة الدائرة جدًا فحينئذ لا يستقيم الاحتجاج بهذا التردد بأن يقال: بأنه حج عن غير أبيه؛ لأن الراوي لم يضبط هذه اللفظة.
وقد وجدت في معجم الطبراني الصغير وربما في غيره أيضًا أن المسئول والحاج عن شبرمة قال في الجواب: هو أبي، وحينئذ يكون الحديث كحديث الخثعمية لا يصح الاستدلال عن الحج حجة البدل الحج عن الغير ولو كان غير أبويه، هذا أول ما يرد على هذا الحديث.
الشيء الثاني: لو سلمنا فرضاً وجدلًا أن المحجوج عنه هو ليس أبًا له ولا أمًا، فحينئذ يحتمل أن يكون حج هذا الحآج عن شبرمة عن وصية صدرت عن شبرمة، وحينئذ فيأخذ الحديث مجالًا آخر: وهو تنفيذ وصية من أوصى بالحج عنه، فحينئذ فتنفيذ هذا الوصية أمر مشروع، ومعلوم عند الفقهاء أن الحديث أو الدليل إذا طرقه الاحتمال سقط به الاستدلال، وبخاصة إذا كان يخالف قاعدًة شرعيًة:{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39].
وإذا فتح باب الحج عن الغير انفتح باب واسع جدًا من الإحداث في الدين في اعتقادي فيجوز حينئذٍ أن يصلي الإنسان عن غيره وأن يصوم صيامًا مطلقًا عن غيره، ونحو ذلك مما يختلف كل الاختلاف مع قوله تبارك وتعالى المذكور آنفًا:{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39].
بقي الجواب عن أخذ الأجرة: أعتقد أننا إذا حصرنا دائرة حجة البدل بين الولد ووالديه فحينئذٍ يبطل كثير مما يتعلق بموضوع أخذ الأجرة، اللهم إلا في حالة واحدة: إذا أوصى رجل كان يجب عليه الحج، ثم لأمر ما أو لغيره لم يحج ولم يقض حجة الإسلام فأوصى بأن يحج إما أن يعين شخصًا بعينه أو يطلق فيقول: أن يحج رجل عالم فاضل صالح عني وله كذا، فقوله: وله كذا يعتبر جعالة، وكما نقول في كثير من المناسبات بالنسبة للرواتب التي يأخذها الموظفون في بعض الوظائف الشرعية كالإمامة والخطابة والأذان ونحو ذلك، فهذه الرواتب لا يجوز لهؤلاء الذين خصصت لهم أن يأخذوها على أنها أجور لهم على عباداتهم؛ لأن ذلك يفسدها عليهم ويذهب أجر الآخرة عنهم، وإنما يأخذونها على أنها رواتب، فكذلك إذا كان هناك رجل أوصى بأن يحج شخص ما عنه وجعل له جعالة فأراد أن يتقرب إلى الله عز وجل