الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الحديث الثاني: إيجاب دفع المار بين يدي المصلي إذا كان يصلي إلى السترة وتحريم المرور عمدا وأن فاعل ذلك شيطان. وليت شعري ما هو الكسب الذي يعود به الحاج إذا رجع وقد استحق هذا الاسم: «الشيطان» ؟ والحديثان وما في معناهما مطلقان لا يختصان بمسجد دون مسجد ولا بمكان دوم مكان فهما يشملان المسجد الحرام والمسجد النبوي من باب أولى، لأن هذه الأحاديث إنما قالها صلى الله عليه وسلم في مسجده فهو المراد بها أصالة والمساجد الأخرى تبعا. والأثران المذكوران نصان صريحان على أن المسجد الحرام داخل في تلك الأحاديث، فما يقال من بعض المطوفين وغيرهم أن المسجد المكي والمسجد النبوي مستثنيان من النهي لا أصل له في السنة ولا عن أحد من الصحابة، اللهم سوى حديث واحد روي في المسجد المكي لا يصح إسناده ولا دلالة فيه على الدعوى كما سيأتي بيانه في «بدع الحج» «الفقرة 124» .
[حجة النبي صلى الله عليه وسلم ص 21]
أهمية اغتنام أهل العلم لموسم الحج في تعليم الحجاج وبيان الجدل المذموم في الحج
على أهل العلم والفضل أن يغتنموا فرصة التقائهم بالحجاج في المسجد الحرام وغيره من المواطن المقدسة فيعلِّموهم ما يلزم من مناسك الحج وأحكامه على وفق الكتابة السنة، وأن لا يشغلهم ذلك عن الدعوة إلى أصل الإسلام الذي من أجله بعثت الرسل وأنزلت الكتب ألا وهو التوحيد، فإن أكثر من لقيناهم حتى ممن ينتمي إلى العلم وجدناهم في جهل بالغ بحقيقة التوحيد وما ينافيه من الشركيات والوثنيات، كما أنهم في غفلة تامة عن ضرورة رجوع المسلمين على اختلاف مذاهبهم وكثرة أحزابهم إلى العمل الثابت في الكتاب والسنة في العقائد والأحكام والمعاملات والأخلاق والسياسة والاقتصاد وغير ذلك من شؤون الحياة، وأن أي صوت يرتفع وأي إصلاح يزعم على غير هذا الأصل القويم والصراط المستقيم
فسوف لا يجني المسلمون منه إلا ذلا وضعفا والواقع أكبر شاهد على ذلك والله المستعان. وقد تتطلب الدعوة إلى ما سبق شيئا قليلا أو كثيرا من الجدال بالتي هي أحسن كما قال الله عز وجل: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} - النحل: 125. فلا يصدنك عن ذلك معارضة الجهلة بقوله تعالى: «
…
فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج» - البقرة: 196.
فإن الجدال المنهي عنه في الحج هو كالفسق المنهي عنه في غير الحج أيضا وهو الجدال بالباطل وهو غير الجدال المأمور به في آية الدعوة قال ابن حزم رحمه الله «7/ 196» : «والجدال قسمان: قسم واجب وحق وقسم في باطل فالذي في الحق واجب في الإحرام وغير الإحرام قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ} ومن جادل في طلب حق به فقد دعا إلى سبيل ربه تعالى وسعى في إظهار الحق والمنع من الباطل، وهكذا كل من جادل في حق لغيره أو لله تعالى، والجدال بالباطل وفي الباطل عمدا ذاكرا لإحرامه مبطل للإحرام وللحج لقوله تعالى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وهذا كله على أن «الجدال» في الآية بمعنى المخاصمة والملاحاة حتى تغضب صاحبك. وقد ذهب إلى هذا المعنى جماعة من السلف وعزاه ابن قدامة في «المغني» «3/ 296» إلى الجمهور ورجحه. وهناك في تفسيره قول آخر: وهو المجادلة في وقت الحج ومناسكه واختاره ابن جرير ثم ابن تيمية في «مجموعة الرسائل الكبرى» «2/ 361» وعلى هذا فالآية غير واردة فيما نحن فيه أصلا. والله أعلم. ومع ذلك فإنه ينبغي أن يلاحظ الداعية أنه إذا تبين له أنه لا جدوى من المجادلة مع المخالف له لتعصبه لرأيه وأنه إذا صابره على الجدل فلربما ترتب عليه ما لا يجوز، فمن الخير له حينئذ أن يدع الجدال معه لقوله صلى الله عليه وسلم:«أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا» . رواه أبو داود بسند حسن عن أبي أمامة وللترمذي نحوه من حديث أنس وحسنه وفقنا الله والمسلمين لمعرفة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم واتباع هديه.
[حجة النبي صلى الله عليه وسلم ص 23 - 25]