الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نصائح بين يدي الحج
هذه نصائح وفوائد أقدمها إلى إخواننا الحجاج بين يدي الحج:
أولا: على الحاج أن يتقي ربه، ويحرص طاقته أن لا يقع فيما حرم الله عليه لقوله تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} ، وقوله صلى الله عليه وسلم:«من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» ، فإنه إن فعل ذلك كان حجه مبرورا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» (1). فلا بد من التحذير مما ابتلي به بعضهم لجهلهم أو ضلالهم:
أ- الإشراك بالله تعالى. فقد رأينا كثيرا منهم يقعون في الشرك كالاستغاثة بغير الله، والاستعانة بالأموات من الأنبياء أو الصالحين، ودعائهم من دون الله، والحلف بهم تعظيما لهم، فيبطلون بذلك حجهم، قال تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} ..
ب- تزين بعضهم بحلق اللحية فإنه فسق فيه مخالفات أربع مذكورة في «الأصل» .
ج- تختم الرجال بالذهب فإنه حرام لا سيما ما كان منه من النوع الذي يسمى اليوم بـ «خاتم الخطبة» ، فإن فيه أيضا تشبها بالنصارى.
ثانيا: على كل من أراد الحج ممن لم يسق الهدي (2)، أن ينوي حج التمتع لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه به آخر الأمر ولغضبه على أصحابه الذين لم يبادروا إلى امتثال أمره بفسخ الحج إلى العمرة، ولقوله:«دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» . ولما
(1) أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو مخرج في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم "1200" والإرواء "769".
(2)
كما هو شأن عامة الحجاج اليوم فإنه من النادر أن يسوق أحدهم هديه من الحل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فمن فعله فلا إنكار عليه أما من لم يسق الهدي وقرن أو أفرد فقد خالف فعله صلى الله عليه وسلم وأمره وإن رغم الناس كما قال ابن عباس. رواه مسلم "4/ 58" وأحمد "1/ 278 و 342".
قال له بعض الصحابة: أرأيت متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في أخرى وقال: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، لا بل لأبد أبد، لا بل لأبد أبد» (1). من أجل ذلك أمر صلى الله عليه وسلم السيدة فاطمة وأزواجه رضي الله عنهن جميعا بالتحلل بعد عمرة الحج ولذلك كان ابن عباس يقول: «من طاف بالبيت فقد حل، سنة نبيكم وإن رغمتم» (2).
فعلى كل من لم يسق الهدي أن يلبي بالعمرة في أشهر الحج الثلاثة فمن لبى بالحج مفردا أوقارنا ثم بلغه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالفسخ فينبغي أن يبادر إليه ولو بعد قدوم مكة وطوافه بين الصفا والمروة فيتحلل ثم يلبي بالحج يوم التروية يوم الثامن. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (3).
ثالثا: إياك أن تدع البيات في منى ليلة عرفة، فإنه واجب فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به في قوله: «خذوا عني مناسككم
…
».
وعليك البيات أيضا في المزدلفة حتى تصلي الصبح، فإن فاتك البيات فلا يفوتك أداء الصلاة فيها فإنه واجب منه بل هو ركن من أركان الحج على القول الأرجح عند المحققين من العلماء إلا للنساء والضعفة. فإنه يجوز لهم الانصراف بعد نصف الليل كما سيأتي.
رابعا: واحذر ما استطعت أن تمر بين يدي أحد من المصلين في المسجد الحرام فضلا عن غيره من المساجد وغيرها لقوله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه» . فهذا نص عام يشمل كل
مار ومصل، ولم يصح حديث استثناء المار في المسجد الحرام، وعليك أن تصلي فيه
(1) انظر صحيح أبي داود "1568 و 1571".
(2)
وسنده في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أدخل في حجكم هذا عمرة فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل إلا من كان معه هدي "صحيح أبي داود 1573 و 1580".
(3)
ولا ينافي ذلك ما روي عن عمر وغيره مما يدل على أن الحج المفرد أفضل كما ذكرته في الأصل. ثم رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية يتأول ذلك بأنه أراد إفراد العمرة في سفرة والحج في سفرة فراجعه في المجلد 26 من مجموع الفتاوى فإنه مهم.
كغيره إلى سترة لعموم الأحاديث الواردة في ذلك وفيه آثار خاصة عن بعض الصحابة مذكورة في «الأصل» .
خامسا: على أهل العلم والفضل أن يعلموا الحجاج حيثما التقوا بهم مناسك الحج وأحكامه وفق الكتاب والسنة وأن لا يشغلهم ذلك عن الدعوة إلى التوحيد الذي هو أصل الإسلام ومن أجله بعث الرسل وأنزلت الكتب، فإن أكثر من لقيناهم - حتى بعض من ينتمي إلى العلم - وجدناهم في جهل بالغ بحقيقة توحيد الله وصفاته، كما أنهم في غفلة تامة عن ضرورة رجوع المسلمين على اختلاف مذاهبهم وكثرة أحزابهم إلى توحيد كلمتهم وجمع صفوفهم على أساس الكتاب والسنة في العقائد والأحكام والمعاملات والأخلاق والسياسة والاقتصاد وغير ذلك من شؤون الحياة، وأن يتذكروا أن أي صوت يرتفع وأي إصلاح يقوم على غير هذا الأصل القويم والصراط المستقيم فسوف لا يجني المسلمون منه إلا تفرقة وضعفا وخزيا وذلا والواقع أكبر شاهد على ذلك. والله المستعان.
ولا بأس من المجادلة بالتي هي أحسن حين الحاجة، فإن الجدال المحظور في الحج إنما هو الجدال بالباطل المنهي عنه في غير الحج أيضا، كالفسق المنهي عنه في الحج أيضا، فهو غير الجدال المأمور به في مثل قوله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} . ومع ذلك فإنه ينبغي على الداعية أن يلاحظ أنه إذا تبين له أنه لا جدوى من المجادلة مع المخالف لتعصبه لمذهبه أو رأيه وأنه إذا صابره في الجدال فلربما ترتب عليه ما لا يجوز أنه من الخير له حينئذ أن يدع الجدال معه لقوله صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا
…
» الحديث (1).
[مناسك الحج والعمرة ص 7 - 10]
(1) وهو حديث حسن وهو بتمامه في صحيح الجامع الصغير في الجزء الثاني رقم "1477" طبع المكتب الإسلامي.