الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعض أحكام العمرة والسفر
مداخلة: رحلة باص طلاب علم وكلهم يعني طيبين ما شاء الله.
الشيخ: وفي باص؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: في ظني سيكون من باب تحصيل الحاصل، مع وجودك معهم أن يؤَمِّروا عليهم أميراً؛ لأن الأمير موجود، لكن الذي يحتاج إلى تنبيه في الحقيقة هو: أن هذه الإمارة مؤقتة أولاً، وثانياً: لا يُشترط فيها ما يُشترط في الإمارة الكبرى، والولاية العظمى، يعني: لا ينبغي أن يؤخذ العهد والميثاق على المأمورين بأنهم يجب عليهم أن يطيعوا أميرهم في المنشط والمكره، وفي ماذا؟
مداخلة: ....
الشيخ: آه، لا، ليس هذا بالشرط إلا بالولاية الكبرى، لكن هذا من باب تنظيم الرحلة، وبخاصة إذا كانت إلى بيت الله الحرام، فلابد من تأمير أحدهم إذا لم يكن ثمة تأمير؛ لقوله عليه السلام:«إذا سافر ثلاثة فليؤمِّروا أحدَهم» .
وهذا بلا شك أمر من كمال الإسلام؛ لأن الإسلام يرفض الفوضى، حتى في هذه المعاشرة المنتهية القصيرة الأمد، وهي سفر الطريق.
فهذا أول ما أُلفت النظر إليه: أنه يجب أن يكون هناك أمير ينظم رحلتهم يأمرهم حيث يرى النزول بالنزول، ويأمرهم بالانطلاق حيث يرى أن الانطلاق هو خير لهم، وهكذا فهو منظم شؤونهم، فعليهم في حدود هذه المصلحة أن يتجاوبوا مع ذاك الأمير.
ناحية أخرى: تتعلق بشخص الأمير، وإن كان هذا أيضاً: أرجو أن يكون من باب تحصيل الحاصل، وهو أن يستشيرهم، وألا ينفرد بالرأي عنهم ودونهم، وإنما كما قال تعالى:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} ، فهو يستشيرهم ثم ينِّفذوا ما انتهى إليه
رأيه، وعلى الآخرين طاعته، ويتساءل الكُتَّاب العصريون اليوم تحت عنوان أصبح كأنه كليشة وهو: هل الشورى مُعْلِمة أو مُلْزِمة؟ في المسألة قولان، لكن الصحيح الذي لا نشك فيه أن الشورى غير ملزمة هي معلمة، هي تفتح الطريق على المستشير، المستشير [يستمع] الآراء ويجمعها إليه، ثم هو كالنحلة يستصفي منها خير تلك الآراء، ويأمر بتنفيذها، فالشورى مُعْلِمة وليست بمُلْزِمة.
بعد هذا تأتي بعض الأحكام الشرعية التي يَحسُن التذكير بها، منها: أنهم إذا كانوا مسافرين فنزلوا في مكان أدركتهم الصلاة، الصلاة الأولى صلاة الظهر، السنة: أن يجمع والحالة هذه بين الظهر العصر جمع تقديم، أما إذا كانوا منطلقين وقت صلاة الظهر، فلا يتعمدون النزول وإنما يستمرون في السفر حتى تدركهم العصر حينذاك ينزل بهم جميعاً، ويصلي بهم الظهر والعصر جَمْع تأخير، فإذاً: إن أدركتهم الصلاة وهم نازلون في وقت الظهر جَمَع بهم جَمْع تقديم، وإلا جَمَع بهم جَمْع تأخير.
ثم يجب عليهم جميعاً: أن يقصروا من الصلاة وألَاّ يُتِمُّوها؛ لأن القصر عزيمة وليس رخصة، وهذا على أصح قَوْلَي العلماء.
مداخلة: الرخصة ما هي .... ؟
الشيخ: كيف؟
مداخلة: عزيمة؟
الشيخ: عزيمة.
مداخلة: وليست رخصة.
الشيخ: عكست أنا.
مداخلة: القصر؟
الشيخ: القصر نعم. ماذا قلت أنا؟
مداخلة: أنت قلت ....
الشيخ: طيب، أقول: عليهم أنهم إذا جَمَعوا بين الصلاتين أن يقْصُرُوا؛ لأن القصر عزيمة، وليس برخصة بخلاف الجمع، الجمع بين الصلاتين إنما هو رخصة، بمعنى: لو أرادوا أن يصلوا كل صلاة في وقتها وهم سَفْر جاز لهم ذلك، ولكن الأحب إلى الله تبارك وتعالى من عباده: أن يتبعوا رخصه، كما قال نبينا صلوات الله وسلامه عليه:«إن الله يحب أن تُؤتَى رخصُه كما يحب أن تُؤتَى عزائمُه» .
وفي الحديث الآخر: «كما يكره أن تُؤتَى معصيتُه» .
«إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تُؤْتَى معصيته» .
لذلك فالأحب [والأفضل]: أن يجمع بين الصلاتين، وبخاصة يتأكد أو تتأكد هذه الرخصة في حالة كون هناك شيء من الحرج في التزام الأصل وهو: أداء كلٍّ من الصلاتين في وقتها، فهنا تتأكد الرخصة على الجماعة.
ولا ينبغي للمسلم أن ينصرف عن أن يتقبل رخصة الله تبارك وتعالى؛ لأن في ذلك معنى خفياً من الأنَفَة والكبرياء على رخصة الله تبارك وتعالى، كما أشار إلى ذلك عليه الصلاة والسلام حينما سأله سائل مذكراً بقوله تعالى:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] قال هذا السائل: ما بالنا يا رسول الله نقصر وقد أَمِنَّا؟ وربنا يقول: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ} [النساء: 101] ما بالنا نقصر وقد أَمِنَّا؟ قال عليه السلام: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» .
فهل يجوز للعبد أن يستنكف عن قبول صدقة سيده وهو سيد الأسياد تبارك وتعالى كما أشار إلى ذلك عليه السلام في الحديث الصحيح لما جاء رجل قال: أنت سيدنا، قال:«السيد الله» .
السيد الحق: هو الله تبارك وتعالى، فإذا كان العبد الرقيق إذا كان لا يَحْسُن به أن يَرُدّ من منحة سيده، وهو عبدٌ مخلوق مثله، فكيف يتجرأ العبد المخلوق أن يرد
صدقة الخالق تبارك وتعالى لذلك، ولو أننا عرفنا الفرق بين القصر وأنه عزيمة، وبين الجمع وأنه رخصة، فينبغي ألا نتساهل بهذه الرخصة وأن نتقبلها من ربنا شاكرين له تبارك وتعالى رأفته بنا.
إذاً: لابد من قصر الصلاة ويستحب الجمع بين الصلاتين، كذلك مما يحسن التذكير به: أن كل صلاتين جمعتا معاً لهما أذان واحد وإقامتان، ليس يؤذن لكل صلاة منهما، وإنما أذان واحد ولكن ليقام لكل منهما إقامة، وهذا أصح ما جاء عن الرسول عليه السلام، ومن حديث جابر بن عبد الله الأنصاري في قصة حجة النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع أقول هذا؛ لأن هناك بعض الروايات، وفي الصحاح أن هناك لما جمع الرسول عليه السلام في المزدلفة، قد أذَّن أذانين وأقام إقامتين.
فذكر الأذانين هنا شاذ في تعبير المحدثين غير محفوظ، والمحفوظ: أذان واحد للصلاتين وإقامتان، فإذا ما صلى الصلاة الأولى منهما أقيمت الصلاة مباشرة دون فصل بينهما بالأذكار فضلاً عن أن يكون الفصل بالسنن؛ لأن السنن تسقط في السفر، السنن التي تشرع أن يؤتى بها قبل الصلاة وبعد الصلاة كالظهر مثلاً، فهذه السنن كلها في السفر تسقط إلا سُنّتان: أولاهما: سُنة الفجر، والأخرى: سُنة الوتر، فسنة الفجر كما تقول السيدة عائشة رضي الله عنها «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعهما حضراً ولا سفراً» وهذا يدل على أهمية هاتين الركعتين.
ويؤكد ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» .
فالركعتين هاتين اللتين يستهين بهما بعض المصلين: سنة الفجر خير من الدنيا وما فيها؛ لذلك كان عليه السلام يصليهما ولو كان مسافراً.
كذلك سُنة الوتر، فكان عليه الصلاة والسلام يحافظ أيضاً عليها حتى في السفر حتى وهو راكب على ناقته، ولم يتيسر له أن ينزل من دابته على الأرض فيصلي وهو راكب.
أيضاً: إذا انتهوا من الصلاة الأولى وأقيم للصلاة الأخرى، فلا فَصْل بينهما لا بالسنة ولا بالأذكار المعروفة بعد دبر كل صلاة، فإذا أقاموا الإقامة الثانية للصلاة الأخرى، وانتهت الصلاة هنا لا نجد في السنة ما يحول بيننا وبين الإتيان بالأذكار المعهودة المعروفة دبر الصلوات في كل الأوقات، أما الفصل بين الفريضتين فلا فصل، فهذا معروف عندنا.
فإذا ما وصلوا إلى المدينة والسفر طبعاً سيكون بَرًّا، وهناك في المسجد النبوي لابد من التنبيه أن كثيراً من الناس يتقصدون إتيان قبر الرسول صلى الله عليه وسلم للسلام عليه، هذا القصد وإن كنا لا نمنع منه لذاته، ولكنهم يُشْعِروننا بأن هؤلاء الناس الذين يذهبون إلى قبر الرسول عليه السلام يشعروننا بأن السلام على النبي صلى الله عليه وسلم لا يصله إلا إذا كان المسلم قريباً من قبره، وهذا الإشعار باطل، لا فرق في سلام المسلم على النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يكون بجانب قبره، أو يكون في أقصى المشرق أو المغرب، لا فرق بين هذا وذاك إطلاقاً من حيث الناحيتين، من حيث أن سلام هذا وهذا يصل الرسول عليه السلام بدون فرق.
ومن ناحية أخرى: لا فرق بين الذي يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم بجانب قبره، وبين من يصلي عليه في المشرق أو المغرب من حيث أنه لا يسمعه، من حيث أن الرسول لا يسمع هذا السلام سواءً كان بجانب القبر، أو كان بُعْد المشرقين.
فالناس حينما يتقصدون الإتيان إلى القبر، أنا أفهم جيداً أن هذه المعاني الشرعية [عندهم] خاوية على عروشها، لن تتثقف بهذه الثقافة النبوية ما الدليل على هذا الذي نقول؟ ألا هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«إن لله ملائكة سَيَّاحين يبلغوني عن أمتي السلام» .
وقبل أن أصل إلى الهدف، أو بُعَيد وصول الهدف، أَذْكر قصة تأكيداً لهذا المعنى، فإذا دخل داخل المسجد لا تأخذنه العواطف، فيسارع للوصول إلى قبر الرسول؛ لكي يسلم عليه، وينسى هذه المعاني الشرعية التي ذكرناها أولاً، ثم ينسى سنة الدخول بالرِّجل اليمنى إلى المسجد النبوي مُسلِّماً عليه حيث هو يدخله.
جُلّ الناس ولا أقول كل الناس يُؤخَذُون بالعواطف الجامحة التي لا حدود لها، يُضَيِّعون الواجب في تحصيل ما ليس فيه فائدة، يُضَيِّعون أمر الرسول لنا بأننا إذا دخلنا المسجد أن نقول: بسم الله اللهم صل على محمد وسلم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك.
كل هذه الأشياء لا تجدون لها هناك حِسًّا إطلاقاً إنما يا الله مثل البعران أو الجمال الشاردة هجوم إلى قبر الرسول عليه السلام، يا جماعة ما في فرق بين: صليت عند باب المسجد أو صلينا هنا، لا فرق أبداً، كل ذلك سواء بالنسبة للآية والمعجزة التي خص الله بها نبينا صلوات الله وسلامه عليه دون سائر الأنبياء والرسل في الحديث السابق:«إن لله ملائكة سَيَّاحين يبلغوني عن أمتي السلام» .
إذاً: صَدَق من قال من أهل البيت: ما أنت ومن في الأندلس إلا سواء، رجل من آل البيت اسمه: الحسن بن علوي، سمع رجلاً أو رأى رجلاً يَنْضَم إلى فجوة يومئذ كان في القبر قبل بناء القبة هذه، وهذه الجدران على حساب المسجد، رآه يأتي عند قبر الرسول في فجوة قال له لِمَ؟ قال: أصلي قال له: صَلّ حيثما كنت، سمعت الرسول عليه السلام:«صلُّوا عليَّ حيثما كنتم» .
وقال لهذا: ما أنت ومن بالأندلس إلا سواءً، لماذا؟ «إن لله ملائكة سَيَّاحين يبلغوني عن أمتي السلام» .
القصة التي وقعت معي حينما كتب الله لي أن أسافر من دمشق إلى المدينة مُنْتَدَباً لتدريس مادة الحديث في بداية افتتاح الجامعة الإسلامية، أجريت المعاملة وأخذت التأشيرة من القنصل السعودي هناك، وَوَصَلْت الجوازات، حسب الروتين الحكومي المعروف، الظاهر: أن الضابط هناك كان عنده شيء من الدين، لما رأى أنه أنا ذاهب إلى المدينة قال: أنا أريد منك حاجة قلت له: تفضل، قال: إذا وصلت المدينة أنه تقرأ الرسول مني السلام، فقلت له: ألا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قال: كيف؟ قلت: أنا الآن ساعي للذهاب إلى المدينة فقد أَصِل وقد لا أَصِل؛ لسبب أو أكثر من سبب كما يقولون، ثم إذا وصلت قد أنسى؛ لأن الإنسان ما سمي
إنساناً إلا لنسيانه، قد أنسى هذا الذي أنت تطلبه مني، ألا أدلك على بريد مُسَجَّل مضمون أسرع من البرق الخاطف؟ تعجب الرجل قال: كيف؟ قلت: قال عليه السلام: «إن لله ملائكة سَيَّاحين يبلغوني عن أمتي السلام» صل على محمد وأنت في مقعدك، وأنت في بيتك أحسن مما تحمِّلْني أنا أبلغ سلامك للرسول عليه السلام.
الحقيقة: هذه المعاني جميلة وعظيمة جداً، تُشْعِرنا بمقام الرسول صلى الله عليه وسلم عند ربه الكريم، لكن نحن غافلون عن كل هذه الحقائق؛ لذلك فإذا دخل الداخل المسجد النبوي فلا يَنْسَيَن أدب المساجد بعامة، أن يَدْخُل باليمنى، وأن يُصَلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم هناك، ويدعو ويبسمل بسم الله اللهم صل على محمد وسلم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، هذا السلام كذاك السلام لا فرق أبداً، نعم هناك فرق، لكنه فرق مطروح وغير مرغوب فيه، وهو: إيجاد الزحام حول قبر الرسول عليه السلام، وربما الصياح والزعاق الذي يشوش على المصلين، لذلك فليكن كل منكم مستحضراً في نفسه هذه الآداب التي تعلمناها، بواسطة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي نتقصد الصلاة في مسجده؛ لأن الصلاة في مسجده بألف صلاة مما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، ولا نخالف هديه وسنته بأن نترك هذه التعاليم النبوية كلها، وبس نوصل للقبر ونصلي عليه، وفقط ماذا؟ نقتصر على هذا ربما يعمل اللمس والتبرك خاصة إذا كان النحاس هناك لميع يأخذ الأبصار، لكن أبصار من؟ الجهلة طبعاً مساكين، هذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين.
وإذا جاء دور الانطلاق من المدينة والإحرام من ميقاتها ذو الحليفة، ومن الخطأ الشائع عند العامة: تسمية هذا الميقات بأبيار علي؛ لأنه هذه التسمية تتضمن خرافة، ولا يجوز للمسلم أن يستعمل اسماً يتضمن عقيدة خرافية، وهي أن علياً رضي الله عنه ولا أقول: كرم الله وجهه، وأقول: كرم الله وجهه لا أقول وأقول، أقول: كرم الله وجهه، وكرم الله وجه الخلفاء الراشدين كلهم والصحابة الأكرمين، ولكن لا أقول بمناسبة ذكر علي كرم الله وجهه؛ لأن هذا اصطلاح شيعي فيجب أن نكون حذرين من استعمالات ظاهرُها الرحمة، ولكن باطنها العذاب، فهو كرم الله وجهه
لاشك ولا ريب، ولكننا لا نميزه بجملة لا نخصها بالخلفاء الآخرين، وإنما هم في ذلك سواء.
فتسمية المكان المعروف بالميقات ذو الحليفة بـ «أبيار علي» هذه خرافة؛ لأنهم يزعمون أن علياً قاتل الجن هناك وانتصر عليهم.
فإذا ما وصل القاصد للعمرة إلى ذاك المكان المعروف شرعاً بـ «ذو الحليفة» هناك ينبغي أن يُحْرِم قبل الإحرام إذا تيسر له الاغتسال حيث هو نازل في المدينة فبها ونعمت، [فإذا] ما تيسر له فهناك قريب من ذو الحليفة أظن في حمامات
…
بإمكان الإنسان أن يستحم هناك، وهذا معناه استحمام يعني: صب الماء وبس، يعني: دقائق معدودات وانتهى الأمر، ليس مكان النظافة، هذه نظافة شرعية ليست نظافة مادية، ثم يخرج إلى خارج المسجد إلى الوادي هناك حيث الحصى والرمل، هناك لابد من أن يقرن وهذه فائدة هامة جداً يجهلها أكثر الحجاج والعمار، وهي: حينما يلبي بالعمرة ويقول: لبيك اللهم بعمرة يجب - وهذا من مصلحته الدينية والدنيوية معاً- يجب أن يقول: «اللهم محلي حيث حبستني» اللهم محلي ليس محلي، محلي حيث حبستني ما معنى الكلام أولاً؟ وما مغزاه وثمرته ثانياً؟
معناه: اللهم محلي أي: تحللي من عمرتي ومن إحرامي حيث حبستني بقضائك المبرم الذي لا مجال لي لرده، مثلاً: إنسان ضعيف {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} ، ممكن أن يعرض له مرض يفاجأ بمرض فلا يستطيع أن يتابع عمرته، ممكن لا سمح الله تتعطل سيارته، تنكسر يده أو رجله كل شيء هذا ممكن، بحيث أنه لا يستطيع أن يتابع عمرته، إذا لم ينو هذه النية، إذا لم يقل:«اللهم مَحَلِّي حيث حبستني» ، هذا الذي نكث عن عمرته رغم أنفه عليه الذبيحة، عليه هدي، وعليه عمرة من قابل، ولو كان اعتمر عشرات العمرات عليه وجوباً أن يعتمر بعد هذه الحادثة.
أما إذا قال: اللهم مَحَلِّي حيث حبستني، كأنه ما نوى العمرة، وكأنه ما تحرك للعمرة؛ لأنه دعا الله عز وجل، واشترط على فضل الله هذا الشرط، أنا في العمرة إلى حيث حبستني، حبستني ومنعتني، فأنا في حل.
فهذه يجب على كل معتمر وكل حاج أن يسجل هذه العبارة في ذاكرته، ولا ينساها مدى الدهر؛ لما يترتب من ورائها من ثمرة هامة جداً كما رأيتم، فإذا انطلق العُمَّار بعد هذه التلبية، لا يمشون إلا بعد أن يصلوا ركعتين، لكن يجب أن نعلم أن هاتين الركعتين ليستا ركعتي الإحرام، وإنما هما بخصوص ذاك الميقات، وفي ذاك المكان، أي: وادي العقيق الذي هو أسفل من المسجد، الإحرام ليس له صلاة، لكن الذي وقع من الرسول عليه السلام أنه أحرم بعد صلاة الظهر، فإذا تيسر للإنسان أن يصلي الظهر هناك في المسجد مع الجماعة، أو ما تيسر له مع الجماعة؛ لأنه مسافر فصلى الظهر، وأحرم بالعمرة بعد الصلاة، فهذا جيد.
أما أن يتقصد صلاة ركعتين بنية سنة الإحرام، فليس للإحرام سنة خاصة، لكن هناك في ذاك المكان في «ذو الحليفة» في وادي ذي الحليفة يُشْرع ركعتان لخصوص المكان، وليس لخصوص الإحرام، حيث جاء في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«جاءني جبريل فقال: إنك في الوادي، في وادٍ مبارك وادي العقيق فصَلِّ ركعتين» .
فإذاً: هناك في ذي الحليفة بخاصة يُسَن أن يصلي ركعتين؛ لأنه وادٍ مبارك كما حَدَّث به جبريلُ نبيَّنا عليهما الصلاة والسلام، بعد ذلك ينطلقون ملبين، والتلبية ذكر يختلف عن عامة الأذكار، ذلك؛ لأن عامة الأذكار الأصل فيها: الإخفات وعدم الجهر، أما التلبية في الحج والعمرة على العكس من ذلك: أن يرفع صوته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وقد أشار إلى ذلك نبينا عليه السلام بقوله لما سُئل عن الحج عن أفضل الحج قال:«العج والثج» أفضل الحج: العج والثج، العج: هو رفع الصوت بالتلبية، والثج: هو ذبح الهدايا والضحايا، هذا أفضل الحج تنفيذاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الكلمة العج قال جابر - وقد روى لنا قصة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: فما وصلنا الروحاء إلى وقد بحت أصواتنا من رفع الأصوات في التهليل والتكبير، بُحَّت أصواتنا هذا لا يشرع في غير التلبية، التلبية شعيرة من شعائر الحج، فيجب الجهر والصدع بها.
وأقول مستدركاً على نفسي فضلاً عن غيري: حتى النساء - ما بترضوا بكيفكم أما هذا حكم الشرع - حتى النساء يُشْرع لهن أن يرفعن أصواتهن، لكني أَلاحِظ فليرفعن أصواتهن بحيث تضيع أصواتهن مع أصوات الرجال، ما ينقص عن الرجال بعدين يصير معنا مشكلة ثانية.
مداخلة: أقول: مرة نساء ومرة رجال؟
الشيخ: آه، لا، وهذا يذكرني أيضاً: بشيء اعتاده الناس ولا أصل له بيصيروا جزئين، ناس مرة وناس مرة، لا، الأصل: كل فرد من أفراد الملبين يلبي، فإن التقى صوتان فأكثر فلا بأس، أما أن أتقصد .. يعني: بصوت واحد، فهذا لا أصل له ..
إذاً: كل إنسان هو وسجيته وطبيعته، وقدرته، فإن التقى صوتان ما في مانع، لكن لا تَتَكَلَّفن أن تمشي بصوتك مع صوت جارك، وإنما كل واحد لنفسه، ولا يُشْكِل طبعاً على مسلم أنه ربنا بيسمع الأصوات المتداخلة بعضها في بعض، ويتميز المخلص من المرائي، هذا طبعاً ما في إشكال؛ لأن الله عز وجل واسع عليم.
إذاً: التلبية يجب أن تكون برفع الصوت في أكثر ما يستطيع الإنسان، وحتى يصل إلى مكة، ويرى مشارف مكة، فهناك يمسك عن التلبية، ولا ينسين أيضاً إذا دخل المسجد الحرام، أن يدخل هذا المسجد كما دخل المسجد النبوي أيضاً: بسم الله اللهم صل على محمد وسلم اللهم افتح لي أبواب رحمتك، كذلك عند الخروج.
فإذا دخل المسجد الحرام، ووجد الناس في الصلاة قياماً، شاركهم، ما أتم العمرة بأن يذهب ويطوف لوحده، ويدع يصلون لا، الصلاة مع الجماعة لا يجوز تأخيرها خاصة وأنت تشاهدهم يصلون، أما تأخير الطواف فبإمكانه بعد أن ينتهي من الصلاة ليطوف، ويتابع ويسعى بين الصفا والمروة، والذي ينبغي أيضاً: التذكير هنا بأنه إذا صعد الصفا وصعد المروة أيضاً.
مداخلة: كيفية الطواف يا شيخنا
…
الله يجزيك الخير؟
الشيخ: في منزلة بس نحن نذكر في أشياء أخرى.
مداخلة: من أجل تنتهي يا شيخنا.
الشيخ: هذا شيء لا ينتهي.
المهم: أنه إذا صعد الصاعد إلى الصفا ينبغي أن يحاول، وقد أبقت الهندسة المعمارية التي لم تقم على مراعاة الأحكام الشرعية مع الأسف، قد فَلَت منها رمية من غير رام، بحيث يبقي فجوة بين ساريتين بإمكان الواقف على الصفا أن يرى الكعبة، فيتوجَّه إليها ويرفع يديه، ويأتي بالتكبير والتهليل المعروف في السُّنة.
مع الأسف بالمَرَّة ما في مجال سد، لكن يجتهد يُقَدِّر الكعبة هون وإلا هون وإلا هون، ولا يفعل كما يفعل بعض الناس، تراهم كأنهم شاردين يعني: يرفعون أيديهم إلى السماء بدل ما يستقبلوا الكعبة، وهم في المروة يستقبلوا ماذا؟ الصفا، يعني: جهل عجيب وعجيب جداً.
لينتبه الإنسان حينما يقف على المروة أن يستقبل القبلة، كما نجتهد نحن الآن هنا، وبيننا وبين الكعبة الكيلو مترات، نجتهد أن نعرف أين جهة الكعبة، كذلك هناك أقرب وأسهل للإنسان يعرف أين جهة الكعبة، فيقف هناك وَيُكبِّر وَيُهلِّل ويدعو كما جاء في السنة مستقبلاً الكعبة.
وأخيراً: سبعة أشواط ذهاب من الصفا إلى المروة شوط، ورجوعاً من المروة إلى الصفا شوط ثاني، هذا هو ثابت في السنة.
وما يقال في بعض المذاهب إن من الصفا إلى الصفا شوط واحد، فهذا أولاً خطأ مخالف للسنة.
وثانياً: إتعاب لجماهير الحجاج العُمَّار بدون كسب، فينتهي السعي بين الصفا والمروة على المروة، ومن هناك يخرج ويتابع أعماله.