الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل يجوز إخراج القيمة بدلا من الأضحية والهدي؟ وبيان عدم اقتداء الناس بهدي السلف في الانتفاع من الهدايا
[قال الإمام]:
لقد شاع بين الناس الذين يعودون من الحج التذمر البالغ مما يرونه من ذهاب الهدايا والضحايا في منى طعما للطيور وسباع الوحوش، أو لقما للخنادق الضخمة التي تحفرها الجرارات الآلية ثم تقبرها فيها حتى لقد حمل ذلك بعض المفتين الرسميين على إفتاء بعض الناس بجواز بل وجوب صرف أثمان الضحايا والهدايا في منى إلى الفقراء، أو يشترى بها بديلها في بلاد المكلفين بها، ولست الآن بصدد بيان ما في مثل هذه الفتوى من الجور ومخالفة النصوص الموجبة لما استيسر من الهدي دون القيمة وإنما غرضي أن أنبه أن التذمر المذكور يجب أن يعلم أن المسؤول عنه إنما هم المسلمون أنفسهم لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن، وإنما أذكر هنا سببا واحدا منها وهو عدم اقتدائهم بالسلف الصالح رضي الله عنهم في الانتفاع من الهدايا بذبحها وسلخها وتقطيعها وتقديمها قطعا إلى الفقراء والأكل منها ثم إصلاحها بطريقة فطرية، كتشريقه وتقديده تحت آشعة الشمس بعد تمليحه أو طبخه مع التمليح الزائد ليصلح للادخار، أو بطريقة أخرى علمية فنية إن تيسرت لو أن المسلمين صنعوا في الهدايا هذا وغيره مما يمكن استعماله من الأسباب والوسائل لزالت الشكوى بإذن الله، ولكن إلى الله المشتكى من غالب المسلمين الذين يحجون إلى تلك البلاد المقدسة وهو في غاية من الجهل بأحكام المناسك الواجبة، فضلا عن غيرها من الآداب والثقافة الإسلامية العامة. والله المستعان.
السلسلة الصحيحة (2/ 445 - 446).
الترخيص لمن لم يجد هدي بصيام أيام التشريق
[روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال]:
«إِن هذه أيام أكل وشرب وذكر الله، فلا تصوموا فيهن إلا صوما في هدي» . منكر بذكر الإستثناء.
[قال الإمام]:
لكن معنى الحديث صحيح عندي، لحديث البخاري وغيره عن عائشة وابن عمر قالا:«لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن، إلا لمن لم يجد الهدي» .
وهو _ وإن لم يكن صريحا في الرفع ، فهو _ في حكم المرفوع عند الجمهور، كما ذكرت في «الإرواء» «4/ 132 - 133» ، وهو الذي اختاره ابن جرير الطبري، بل إنه استصوب أنه لا يجوز أن يصوم غيرها، لأنه قبل إحرامه بالحج إنما يكون معتمرا وليس متمتعا بالعمرة إلى الحج، والله عز وجل يقول:{فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} ، وإذا صامها بعد فراغه من مناسكه، فلم يصمها في الحج، وذلك خلاف قوله تعالى في تمام الآية:{فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ .. } . فرجع كلامه، فإنه قوي رصين. ويؤيده -في رأيي- أنها لا تنطبق إلا على من لم يجد الهدي يوم وجوبه، وهو يوم النحر، وأما قبل ذلك بأيام كثيرة أو قليلة، فلا عبرة بذلك، لأنه إن صام فيها، فمن الممكن أن يجده من بعد، فيجب عليه الهدي، ويذهب ما قدمه من الصيام، وما مثل هذا إلا مثل رجل معسر صام ثلاثة أيام ينوي بصومهن كفارة يمين، ليمين يريد أن يحلف بها ويخنث فيها، وذلك ما لا خلاف فيه أنه غير مجزئ من كفارة إن حلف بها بعد الصوم فحنث. إلى غير ذلك من الأمثلة التي ساقها ابن جرير في تأييده لما استصوبه من الحكم، فراجعه، فإنه قيم نفيس. ومنه تعلم أنه لا وجه لوقف الشوكاني في «السيل الجرار» «1/ 221 - 222» عن الأخذ بجواز صيام الأيام الثلاثة للمتمتع لتردده بين أن تكون الآية المتقدمة عامة خصصت بأحاديث النهي عن صيام أيام التشريق نهيا عاما في الأحاديث المشار إليها آنفا، أو أن تكون هذه الأحاديث مخصصة بالآية! قال:«ولا ينتهض لنسخ النهي عن صيامها: ما ورد عن بعض الصحابة» . يشير إلى أثر عائشة وابن عمر المتقدمين، وقد عرفت أنهما في حكم المرفوع.