الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: أنا قلت: يَظَل في إحرامه، حتى يطوف.
(الهدى والنور/383/ 34: 39: 00)
طواف الحاج بالصغير، هل يجزئ طواف واحد عن الاثنين
؟
السائل: طواف الحاج بالصغير، هل يجزئ طواف واحد عن الاثنين؟
الشيخ: إذا كان يريد أن يحجج صغيره لينال أجره، فلا بد من أن يعمل أعمال الحج له أيضاً، حتى يكون ثوابُه كاملاً، والا يكون ثوابه على قدر عمله، نعم.
السائل: كأنه يقصد إذا كان محمولاً، فهل ممكن هو يطوف عن نفسه وعنه؟
الشيخ: لا، يحتاج إلى عمل خاص.
(الهدى والنور / 392/ 02: 45: 00)
الاضطباع وأحكامه
الشيخ: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
أُرِيد أن أُتِمَّ بحثاً أشرت إليه حينما قمنا إلى الصلاة، وهو أننا نرى كثيراً من الحُجَّاج قبل دخولهم مكة، وبعد انتهائهم من الطواف والسعي، نراهم ينطلقون وهم كاشفون عن مناكبهم، المناكب اليمنى، ولعلكم تعرفون أن من السنة .. أن يكشف عن منكبه الأيمن إلى آخر الشوط السابع كما هو الراجح، ثم بعد ذلك يعود في إزاره أو ردائه بالأصح إلى ما كان عليه قبل البدء بالطواف.
أي: لا بد من أن يُغَطِّي منكبه الذي كشف عنه من أجل الطواف، لكن أكثر الناس كما قال رب العالمين:«لا يَعْلَمُونَ» ، فتراهم من ساعة الإحرام من الميقات يكشفون عن مناكبهم، ويستمرون هكذا إلى ما شاء الله، هذا أولاً: خلاف السنة، وما كان من العبادات خلاف السنة، فيجب أن لا يستهين المسلم بها، ولا يظن أن أمرها سهلاً، بل إن أمرها أنها ضلالة بصريح قوله صلى الله عليه وسلم:«كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» .
وكما قال بعض الصحابة وبخاصة منهم حذيفة بن اليمان -رضي الله تعالى عنه-: «كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها ولا تتعبدوها» كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تتقربوا بها إلى الله تبارك وتعالى؛ لأن العبادات التي تُقَرِّبنا إلى الله زلفى، إنما هي التي جاءتنا من طريق نبينا صلوات الله وسلامه عليه؛ لأن العبادة إنما تكون عبادة بالتوقيف منه عليه الصلاة والسلام لنا، وليس بآرائنا وأهوائنا.
ولقد عرف سلفنا الصالح هذه الحقيقة التي عمي عنها جماهير الخلف، رغم كثرة الأحاديث التي جاءت مُنَبِّهة على أن كل عبادة لم يأت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي ضلالة كما جاء في صحيح مسلم:«كل بدعة ضلالة» زاد النسائي: «وكل ضلالة في النار» .
ولذلك: لا ينبغي الاستهانة بالإتيان ببعض المحدثات من الأمور، بدعوى أنها تقربنا إلى الله زلفى، وإذا كان من الحق قول أهل العلم:«لسان الحال أنطق من لسان المقال» فنحن نقرأ من حال هؤلاء الحُجَّاج الذين يقضون أياماً كثيرة وهم كاشفون عن مناكبهم، ويتحملون ضرر الحَرّ والقَرّ، ما يكون ذلك إلا لزعمهم أنها عبادة، فكيف تكون عبادة ولم يشرعها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رَبّه إلا في ذاك المكان الذي ذكرته آنفاً، وهو أثناء الطواف. هذا شيء.
والشيء الثاني: -وهو أخطر- أن هؤلاء الناس الذين يتقربون إلى الله عز وجل بالكشف عن مناكبهم طيلة أيام الحج، على الرغم مما ذكرنا من أنهم ابتدعوا شيئاً ما
أنزل الله به من سلطان، فإنهم يقعون في مخالفة خطيرة، حينما نراهم يقومون إلى الصلاة في المسجد الحرام أو في غيره من المساجد أو في منى أو في غيرها من المناسك، يقومون يصلون وهم كاشفون عن مناكبهم، حينئذٍ يقعون في مخالفة أخرى.
المخالفة الأولى مخالفتهم لأحاديث النهي عن البدعة، وأن كل بدعة ضلالة، فهم يخالفون مبدأً شرعياً عاماً، أما المخالفة الأولى فإنهم يخالفون حديثاً خاصاً في الصلاة، حيث قال عليه الصلاة والسلام:«لا يُصَلِّين أحدكم وليس على عاتقيه من ثوبه شيء» ، هذا الحديث حديث هام جداً، أولاً من حيث روايته؛ لأنه حديث صحيح في البخاري، وثانياً: من حيث درايته ودلالته؛ ذلك لأنه يدل على بطلان صلاة من يصلي مكشوف المنكب أو مكشوف المنكبين معاً، وبالأولى والأحرى مَكْشُوف القسم الأعلى من البدن.
نحن الآن بين ظهرانينا بعض إخواننا الذين يكشفون عن القسم الأعلى من بدنهم، لا بأس من ذلك عليهم؛ لأنهم يتبردون، ولكن عليهم أن يتنبهوا أنه إذا أُقيمت الصلاة فلا بد لهم من أن يَرْتَدُوا هذا الثوب، وأن يُلْقُوه على أكتافهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«من كان له إزار ورداء، فليتزر وليرتد؛ فإن الله أحق أن يَتَزَيّن له»
قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]، هذه الآية الكريمة وإن كان أصل نزولها أو سبب نزولها أن العرب في الجاهلية كانوا يطوفون حول الكعبة عراة نساء ورجالاً، وهذا من جاهليتهم، ولما جاء الإسلام أنزل الله عز وجل هذه الآية تأديباً وتعليماً لهم، فقال:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31].
المقصود من الزينة في هذا الحديث مراعاةً لسبب النزول: هو ستر العورة، العورة التي لا تصح الصلاة باتفاق المذاهب الأربعة إذا كان كاشفاً لها، ولكن هناك في مذهب الإمام أحمد عورة خاصة بالصلاة، وهو القسم الأعلى من البدن، لا يجوز للمصلي وهو يجد ثوباً يستر به بدنه الأعلى، لا يجوز له أن يصلي وهو كاشف عن
بدنه الأعلى؛ للحديث السابق في البخاري: «لا يصلين أحدكم وليس على عاتقيه من ثوبه شيء» .
وللحديث الآخر ذكرته آنفاً وهو في «سنن أبي داود» من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان له إزار ورداء، فليتزر وليرتد؛ فإن الله أحق أن يُتَزَيَّن له» .
نأخذ من هذا الحديث والذي قبله أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وَسَّع في دلالة قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]؛ لأن سبب النزول يَحْصِر دلالة الآية على ستر العورة؛ لأنهم كما ذكرنا كانوا يطوفون عراة، حتى النساء، حتى كانت إحداهن إذا طافت هكذا عاريةً تقول معتذرةً وما أقبحه من اعتذار، ولكن ليس بعد الكفر ذنب كما يقال.
كانت تقول وهي تطوف عاريةً:
اليوم يبدو بعضه أو كُلُّه
…
فما بدا منه فلا أُحِلُّه
هذا خطاب لمن؟ لأهل الجاهلية، فهل لاينظرون صحيح؟
هذا من تسويل الشيطان لبني الإنسان الذي لا يحتمي بحمى الرحمن بشريعة الإسلام، لقد زَيّن لهم الشيطان تقبيح الطواف بالثياب، وقال لهم ونقله بعضهم إلى بعض:«نحن لا نطوف بثياب عصينا الله فيها» .
هكذا زَيَّن لهم الشيطان، لكنهم يطوفون بقلوب عصوا الله فيها، وذلك أقبح وأقبح.
فأنزل الله عز وجل هذه الآية بخصوص هذا الطواف مكشوف العورة؛ {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]، فَوَسَّع النبي صلى الله عليه وسلم دلالة الآية، فأدخل فيها كل زينة مشروعة، فقال:«ليُصَلِّ أحدكم في ثوبه، في ردائه وفي إزاره» وعلل ذلك بقوله عليه السلام: «فإن الله أحق أن يُتَزَيّن له» .
لا ينبغي إذاً: أن يتساهل المصلون إذا قاموا إلى الصلاة في الأيام العادية
…
لا ينبغي للمصلين أن يدخلوا في صلاتهم بثياب البُذْلة، بثياب بيتهم ..
وإنما عليهم أن يُحَقِّقوا أولاً نص الحديث، وثانياً تعليل النص، «من كان له إزار ورداء، فليتزر وليرتد» التعليل: «فإن الله أحق أن يُتَزَيّن له» .
الشاهد: إن من قواعد الشريعة أن ما أدى إلى واجب، فهو واجب، وما أدى إلى محرم فهو محرم، فكشف الحجاج عن مناكبهم، أولاً: فيه المحظور الأول التقرب إلى الله بما لم يَشْرعه الله، والشيء الثاني: أنهم يُعَرِّضون صلاتهم للبُطْلَان لمخالفتهم لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «لا يصلين أحدُكم وليس عاتقيه من ثوبه شيء» .
فلا بد أن بعض طلاب العلم قد يستشكل مثل هذا الحديث، وقد قرأ ذات يوم أو سمع حديث الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رجلاً قال:«يا رسول الله! أيصلي أحدنا في ثوب واحد؟ قال: أو كُلُّكم يجد ثوبين؟ » .
قد يتعارض هذا الحديث مع حديث: «لا يصلين أحدكم وليس على عاتقيه من ثوبه شيء» يتعارض في ذهن بعض الناس.
وأشكل من هذا الحديث حديث جابر بن عبد الله الأنصاري حينما رآه رجلاً يصلي وليس على عاتقيه ثوب، وإنما رآه يصلي مؤتزراً، فسأله عن ذلك: كيف تصلي بثوب واحد، وثوبك الآخر معلق على المِشْجب، والمشجب هي العمود الذي تُعَلَّق عليه الثياب، الذي تسمونه في لغة العصر الحاضر «شَمَّاعة» أحسن من الشماعة المِشْجَب، وهو الآلة التي تُعَلَّق عليها الثياب، استنكر أحد الحاضرين على جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أنه يصلي في ثوب واحد، وثوبه الآخر مُعَلَّق على المشجب، فقال: ذلك ليراني أحمق مثلك، فيظن أن الصلاة لا تَصِحُّ إلا بالثوبين.
هذا بلا شك أشكل من حديث أبو هريرة: «أو كلكم يجد الثوبين» .
وهنا لا بد لإخواننا من طلاب العلم أن يتذكروا معنا طريق العلماء في التوفيق بين الأحاديث التي يبدو التعارض بينها، ولو بغالب الظن.
أولاً وهو الأهم: حديث جابر، أن جابراً رضي الله عنه لا شك أن صنيعه يدل على صحة صلاة من يصلي مكشوف القسم الأعلى من البدن، ولكن هل لفعل هذا الصحابي من القوة ما يمكن أن يُعَارِض دلالة الحديث المرفوع والصحيح ثبوتاً، والصريح دلالة؟
الجواب: لا، باتفاق العلماء، ولذلك قيل:«إذا ورد الأثر بطل النظر، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل» .
وقال علماء الأصول: «لا اجتهاد في مورد النص» .
وها هنا رأي لصحابي جليل، والحديث الصحيح يخالف رأي أو فعل ذلك الصحابي، وحينئذٍ فلا بد من الرجوع إلى من أُمرنا بالرجوع إليه حين التنازع، كما قال الله عز وجل:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]، لذلك: كان مذهب إمام السنة وأعلم الأئمة الأربعة بالسنة، الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، كان من مذهبه العمل بالحديث الأول:«لا يصلين أحدكم وليس على عاتقيه من ثوبه شيء» .
ذلك لثبوت الحديث أولاً، ودلالته الصحيحة ثانياً، هذه الدلالة التي لا تقبل نقاشاً ولا جدلاً.
أما حديث أبي هريرة فالأمر فيه سهل، لذلك لأن جوابه عليه السلام كان مشيراً إلى أن من صلى في ثوب واحد، فذلك لأنه قد لا يجد ثوبًا آخر، ولذلك قال عليه السلام:«أَوَ كُلُّكم يجد الثوبين» ولعل جابراً رضي الله عنه حينما صدر منه ما ذكرناه آنفاً كان أولاً يعتمد على هذا الحديث، حديث أبي هريرة الثاني:«أو كلكم يجد الثوبين» ، وثانياً: لم يبلغه نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي الواجد للثوبين في ثوب واحد، ولقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم الاهتمام بستر القسم الأعلى من البدن حتى ولو كان ليس عنده إلا ثوب واحد، فقد قال: إذا لم يجد إلا ثوباً واحد، فإذا كان واسعاً فليلتحف به، وإن كان ضَيِّقاً فليأتزر به.
فإذاً: من كان عنده ثوب واحد فقط، وباستطاعته أن يُغَطِّي قسمه الأعلى مع الأدنى، فهذا من واجبه؛ فإن لم يساعده الثوب على ذلك لضيق فيه أو لقِصَر، فحينئذٍ لا بد من ستر العورة التي هي عورة في الصلاة وخارج الصلاة، هذا ما أردت توضيحه بمناسبة اضطباع بعض الناس وصلاتهم مكشوفي المنكب، هذا لا يجوز، وشرع الله إنما قام بالاتباع وليس بالابتداع. تفضل.
مداخلة: قول جابر للرجل ألا يكون له حكم الرفع، وبالتالي نحمل نهي الرسول صلى الله عليه وسلم على الكراهة وليس على التحريم؟
الشيخ: لماذا، أولاً يفترض في رأي الصحابي أن يكون في حكم المرفوع، وهناك بحث لا بد لطلاب العلم أن يكونوا على معرفة به لأهميته، ألا وهو ..
وأذكر كجملة معترضة أن بعض إخواننا يشربون قياماً، والشرب من قيام قد نَهى عنه الرسول عليه الصلاة السلام، وهذه جملة معترضة، لا أريد أن أقيم عليها محاضرة حتى لا نَضِيع عن الإجابة عن السؤال الأخير هذا، أما الشرب من قيام فله بحث خاص ربما يتاح لنا الخوض فيه بمناسبة أخرى، إن شاء الله.
أعود لأقول: إذا جاء قول عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فهل المسلمون ملزمون بالأخذ به، أم لا؟
فالجواب: إن كان قول ذاك الصحابي في حكم المرفوع، بحيث لا يمكن أن يقال بالاجتهاد الذي يتعرض للخطأ تارة، وللصواب تارة أخرى، إذا كان في حكم المرفوع أُخذ به، وإن لم تُرِك لقائله.
هذا حكم الموقوفات على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا بد من النظر إليها، هل هي بحيث لا يقال إلا من توقيف كما ذكرنا لكم آنفاً عن ابن مسعود أنه قال:[فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلنا: السلام على النبي] هذا الإيقاف؛ لأنه لا يمكن أن يتصرف في أوراده عليه السلام بمجرد الرأي والاجتهاد، أما أن يأتينا قول عن صحابي، وممكن أن يكون هذا القول على البراءة الأصلية، والأصل في الأشياء الإباحة، ويمكن أن لا يكون قد ورده النهي الناقل عن البراءة الأصلية إلى حكم جديد ..
فالآثار التي جاءت موقوفة على أحد الصحابة قول ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- قال: «نزل القرآن جملة واحدة إلى بيت العِزَّة في السماء الدنيا، ثم نزل أَنْجُماً مُفَرَّقاً حسب الحوادث» انتهى حديث ابن عباس، أو نقول: انتهى قول ابن عباس.
هذا قول لم يقل فيه ابن عباس قال رسول الله، أو سمعت رسول الله، فهل هذا يؤخذ به أم لا؟
الجواب: أن مثل هذا القول لا يُمْكن أن يُقَال بالرأي والاجتهاد؛ ذلك لأنه يتحدث عن بعض الأمور الغيبية، ما يدري ابن عباس وهو لا يُوحَى إليه أن القرآن نزل كتلة واحدة، جملة واحدة إلى السماء الدنيا دون السماء الثانية أو غيرها، ثم ما يدريه أنه نزل إلى مكان يُسَمَّى ببيت العزة، ومن السماء الدنيا، هذه أمور غيبية لا طاقة للبشر أن يتحدثوا بها إلا رَجْماً بالغيب كما يفعل المُنَجِّمون والكُهَّان والعرافون، وحاشا لابن عباس وهو ترجمان القرآن أن يتخرص وأن يتكلم رجماً بالغيب.
لذلك يقول العلماء: إن هذا الأثر موقوف في حكم المرفوع؛ لأنه لا يمكن أن يقال بمجرد الرأي، فإذا عرفنا هذه القاعدة التي يجب إعْمَالُها في الآثار الموقوفة، فبعضها تكون في حكم المرفوع، وليس لنا خيرة في رَدِّها، وبعضها لنا الخيرة في قبولها وفي ردها بشرط أن لا نخالف نصاً مرفوعاً، هذا الشرط هنا بالنسبة لفعل جابر منفي بشرط أن لا نخالف، قد خالفنا إذا فعلنا فعل جابر قول الرسول عليه السلام الصريح:«لا يصلين أحدكم وليس على عاتقه من ثوبه شيء» .
أما التوفيق بين هذا الحديث وأثر جابر، فممنوع من ناحيتين:
الناحية الأولى: أنه إنما يوفق بين نصين .. أما وقد ذكرنا آنفاً أن أثر جابر موقوف ليس في حكم المرفوع، فحينذاك نحن في حِلّ من أن نُوَفِّق بينه وبين الحديث المرفوع.
والشيء الثاني: أن نون التأكيد المشددة المقرونة بالنهي: «لا يصلينَّ أحدكم وليس على عاتقيه من ثوبه شيء» يمنع من ذاك التأويل، ويحملنا على أن نجزم على
أن هذا الحديث تَضَمَّن حكماً جديداً على الحكم السابق المعروف عند العلماء جميعاً، وهو أنه يجب على المسلم أن يستر عورته من تحت السّرة إلى الركبة.
فقوله: «لا يصلين أحدكم» نهي عن الصلاة، وهذا يؤكد إبطال الصلاة ما دام أنه لا يوجد حديث مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم يضطرنا إلى أن نُوَفِّق بينه وبينه في وجه من وجوه التوفيق الكثيرة، وهي كثيرة معروفة عند الفقهاء.
(الهدى والنور /384/ 21: 25: 00)
(الهدى والنور /384/ 22: 51: 00)