المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقدمةفي:أسباب انشقاق الفرق الضالة - الأساس في السنة وفقهها - العقائد الإسلامية - جـ ١

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأولمعالم عقدية

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأولفي:الجسد والروح والعقل والقلب والنفس

- ‌مقدمة الفصل

- ‌الفقرة الأولى: نصوص في الجسد

- ‌الفقرة الثانية: نصوص في الروح

- ‌الفقرة الثالثة: نصوص في العقل

- ‌الفقرة الرابعة: نصوص في القلب

- ‌ نصوص الكتاب في القلب:

- ‌ نصوص السنة في القلوب

- ‌الفقرة الخامسة: نصوص في النفس

- ‌1 - نصوص في النفس ويراد بها الذات

- ‌2 - نصوص في النفس ويراد بها الروح

- ‌3 - نصوص في النفس ويراد بها الروح بعد تلبسها بالجسد

- ‌4 - نصوص في النفس ويراد بها القلب

- ‌الفصل الثانيفيالتكليف ومسؤولية الإنسان أمام الله عز وجل

- ‌المقدمة

- ‌1 - نصوص ونقول في التكليف

- ‌مباحث في العذر بالجهل

- ‌التكليف بما يشق:

- ‌2 - مسائل في التكليف

- ‌المسألة الأولى في أهل الفترة:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة: في مسئولية الطفل والمجنون مالياً:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌المسألة الثامنة:

- ‌الفصل الثالثفي:مباحث في الإسلام والإيمان

- ‌الإيمان والإسلام

- ‌تحقيقات للعلماء في الإسلام والإيمان:

- ‌الفصل الرابعفي فضل الانتساب إلى الأمة الإسلامية

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌الفصل الخامسفي:فصل الإيمان وفي فضل المؤمن

- ‌المقدمة

- ‌النصوص الحديثة

- ‌الفصل السادسفيأمثال مثل بها لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلموللمستجيبين له

- ‌النصوص

- ‌الفصل السابعفي:الإسلام وأسهمه وأركانه ومقاماته وبعض أعماله

- ‌المقدمة

- ‌الفقرة الأولى: أسهم الإسلام

- ‌الفقرة الثانية: أركان الإسلام

- ‌الفقرة الثالثة: مقامات الإسلام

- ‌الفقرة الرابعة: في أمهات من أعمال الإسلام

- ‌الفصل الثامنبعض شعب الإيمان

- ‌مقدمة

- ‌الفقرة الأولى: نصوص من الكتاب في بعض شعب الإيمان

- ‌الفقرة الثانية: نصوص في بعض شعب الإيمان في السنة

- ‌الفصل التاسعفي:بعض الموازين التي يزن بها المؤمنإيمانه وإسلامه

- ‌مقدمة

- ‌نصوص

- ‌الفصل العاشرفي:فضل الشهادتين وكلمة التوحيد التي هي أصل الإيمان

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌تعليقات

- ‌مسائل وفوائد حول الشهادتين وكلمة التوحيد

- ‌الفصل الحادي عشرفي:الإيمان الذوقي وما يقابله

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفصل الثاني عشرفي:الجيل الأرقى تحققًا

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌الفصل الثالث عشرفي:الوساوس العارضة وفي خفوت نور الإيمانوزيادته وتجديده وإقلاعه

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌الفصل الرابع عشرفي:الفطرة وحقيقة الإيمان والكفر والنفاق

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌الفصل الخامس عشرفيالكفر والشرك والكبائر

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌تحقيقات

- ‌الفصل السادس عشرفي:النفاق وعلاماته وشعبه

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌الفصل السابع عشرفي:نواقض الشهادتين

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌مسائل وفوائدفي نواقض الشهادتين وتعداد بعضها

- ‌الفصل الثامن عشرفي:الاعتصام بالكتاب والسنة

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌الفصل التاسع عشرفيالتمسك بالسنة

- ‌النصوص

- ‌الفصل العشرونفي:البدعة

- ‌تقسيمات البدعة

- ‌أولًا: تقسيم البدعة إلى عادية وتعبدية:

- ‌ثانيًا: تقسيم البدعة إلى حقيقية وإضافية:

- ‌ثالثًا: تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة:

- ‌رابعًا: تقسيم البدعة إلى فعلية وتركية:

- ‌خامسًا- تقسيم البدعة إلى اعتقادية وقولية وعملية:

- ‌سادسًا: تقسيم البدعة إلى كلية وجزئية:

- ‌سابعًا: تقسيم البدعة إلى بسيطة ومركبة:

- ‌الفصل الحادي والعشرونفي:افتراق هذه الأمة افتراق اليهود والنصارى وزيادةفي:وجوب الكينونة مع الفرقة الناجية وهم أهل السنة والجماعة واعتزال فرق الضلال

- ‌النصوص

- ‌الوصل الأولفي:أشهر فرق اليهود

- ‌أشهر فرق اليهود

- ‌(الفريسيون):

- ‌(الصدقيون):

- ‌(القراءون):

- ‌(الكتبة):

- ‌(المتعصبون):

- ‌الوصل الثانيفي:أشهر فرق النصارى

- ‌أشهر فرق النصارى

- ‌المجامع

- ‌البروتستانتية:

- ‌الوصل الثالثفي:افتراق الأمة الإسلاميةوفي:أشهر الفرق الضالة التي نشأت في بيئات إسلاميةوفي:الفرق الناجية

- ‌المقدمةفي:أسباب انشقاق الفرق الضالة

- ‌الفقرة الأولىفي:ضرورة التعرف على فرق الضلالوبعض الملاحظات حول ذلك

- ‌الفقرة الثانيةفي:نصوص تتحدث عن أعلام في الضلال

- ‌تعليق:

- ‌الفقرة الثالثةفي أشهر الفرق التي نشأت في بيئات إسلاميةوليست من أهل السنة والجماعة

- ‌1 - فرق الخوارج

- ‌2 - المعتزلة

- ‌3 - المرجئة

- ‌4 - بعض الفرق الشاذة من الزيدية

- ‌5 - فرق الكيسانية

- ‌6 - فرق النجارية

- ‌7 - فرق الكرامية

- ‌8 - الإمامية

- ‌9 - فرق الباطنية

- ‌10 - في بعض فرق المشبهة

- ‌11 - في الجاهلية وهم في الجبرية

- ‌12 - الحلوليون والإباحيون

- ‌13 - القائلون بوحدة الوجود

- ‌14 - البابية

- ‌15 - البهائية

- ‌دين البابية والبهائية

- ‌16 - القاديانية

- ‌الفقرة الرابعةفي:الخوارج خاصة

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌الفقرة الخامسةفي:ضرورة لزوم الجماعةوفي:التعرف على الفرقة الناجية

- ‌النصوص الحديثية

- ‌النقول

- ‌الفصل الثاني والعشرونفي:الاختلاف الجائز والاختلاف الممنوع

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌الفصل الثالث والعشرونفي:التحذير من مواطأة الأمم في انحرافاتها

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌التعقيب:

- ‌الفصل الرابع والعشرونفي:التحذير من الفتن والأهواء وأهلها

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌التعقيب

الفصل: ‌المقدمةفي:أسباب انشقاق الفرق الضالة

‌المقدمة

في:

أسباب انشقاق الفرق الضالة

(1)

مرت معنا بعض النصوص التي تتحدث عن افتراق اليهود والنصارى إلى فرق تزيد على السبعين، وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، ولا يهمنا كثيراً أن نعرف فرق اليهود والنصارى فهذه تلزم المتتبعين، أما من ناحية الجانب العلمي في ذلك فقد ذكر القرآن الكريم ما فيه الكفاية عن ضلال من ضل من اليهود والنصارى ليجنب ما وقعوا فيه، وهذا هو الجانب العلمي والمهم في الموضوع، أن المسلم غير مكلف بأن يتتبع ماهية فرق النصارى وآراء كل فرقة منهم من مثل اليعاقبة والديصانية والأريوسية والكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية والإنكليكانية وغيرها، وما تشبعت عن كل واحدة منها، وكذلك بالنسبة لليهود، وإنما هو مكلف أن يتجنب ما وقع فيه هؤلاء من ضلال، وقد بين القرآن ذلك أوضح بيان.

ولكن المهم بالنسبة للمسلم أن يعرف فرق الضلالة من هذه الأمة كي لا يواطئ واحدة منها على ضلالة، وإن كان ذلك لا يلزم كفريضة عينية إلا بقدر، لكنه مكلف أن يعرف من عقائد أهل السنة والجماعة ومن الكتاب والسنة ما يحفظه بإذن الله عن أن يقع في أسر فرقة ضالة، وإنما تدخل المعرفة التفصيلية لهذه الفرق وأسباب ضلالها في باب فروض الكفايات، وعلى العالمين بمسارات الفرق الضالة أن يحصنوا المسلمين حيثما كانوا بكل ما يحفظهم من أن يقعوا في أسر دعوة ضالة يخالطون أهلها أو يسمعون من أهلها بشكل مباشر أو غير ماشر، ويدخل هذا في فروض العين ويختلف من بيئة لبيئة، ومن زمان لزمان، ولعل مهمة العلماء في عصرنا أكثر صعوبة من أي عصر سابق. والمسلمون يواجهون بقايا فرق ضالة أو يواجهون دعوات ضالة في عالم يموج بالمذاهب والفلسفات والأديان مع تقدم وسائل الإعلام والقدرة على الإيهام والتضليل، وعلى هذا فواجب علماء المسلمين أن يحصنوا المسلم

ص: 393

بالعقيدة الصحيحة، وأن يحصنوه من الوقوع في أسر مذهب أو فلسفة أو دين أو فرقة ضالة، هذا عدا عن واجبات أخرى تلزم العلماء.

ومن ههنا نقول: إن فروض الكفاية تختلف سعة وعدداً وكمية وقائمين بها من زمن لزمن، ومن مكان لمكان كما أن فروض العين العلمية والعملية في حق المسلم تختلف من زمن لزمن، ومن مكان لمكان، بل من شخص لشخص.

والموضوع الذي نحن فيه من أهم الموضعات التي ينبغي أن تكون محل اهتمام: وذلك هو افتراق الأمة الإسلامية إلى فرق، فرقة واحدة منها ناجية والباقية هالكة أخرويا، على تفاوت في الهلاك الأخروي على حسب بعد أو قرب هذه الفرق من الاعتقاد الحق.

ما هي أسباب الضلال؟ ما هي الفرق التي ذكرتها النصوص بأعيانها؟ ما هي أهم هذه الفرق التي كثرت فيها النصوص؟ ما هي الفرق التي أجمع أهل السنة والجماعة على على تضليلها أو تكفيرها؟ وما هي أهم مقولاتها؟ وبعض هذه الفرق قد انقرض ولكنه قابل للظهور وبعضها لا زال موجوداً، والأمة تعاني منه، وبعضها قديم الظهور وبعضها حديث الظهور، وبعضها يتجدد ظهوره في كل جيل وليس مثل العلم بعد هداية الله عاصماً للإنسان، والكتب في هذا كله كثيرة منها القديم ومنها الحديث ومنها ما يخص فرقاً ولا يخلو كتاب بعد القرآن ولا يخلو كلام بعد كلام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مما يمكن أن يؤخذ عليه، ومن أشهر الكتب القديمة في هذه الشؤون: مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري، والفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي، والملل والنحل للشهرستاني، ومثله لابن حزم، وقد كتب المحدثون عن فرق ظهرت حديثاً كالقرتية نسبة إلى قرة العين الإيرانية الإباحية، والبهائية، والقاديانية، وهذا الوصل يضعك على لبابٍ من الأمر.

* * *

(2)

في تأملات شاملة لما وقعت به الأمم من قبل وخاصة اليهود والنصارى الذين قص الله علينا من أخبارهم نجد أن من أبواب الضلال الكبيرة:

ص: 394

أولاً: أمراض القلب وما يتفرع عنها من بغي وحسد واتباع هوى يجر إلى مواقف ظالمة {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} (1).

ثانياً: الغلو في الأشخاص والأعمال والمواقف: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} (2). {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا} (3).

ثالثاً: التأويل الجاهل ونسيان بعض الحق: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} (4).

رابعاً: جعل ما ليس من الوحي وحياً: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ} (5).

خامساً: ترك المجمع عليه والدخول فيما يناقضه: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (6).

سادساً: الجهل بالله ووصفه بما لا يليق بذاته: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} (7). {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} (8).

وقد وعت أمتنا فيما وقعت به الأمم السابقة وقد ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك من معجزاته عليه الصلاة والسلام، فوجد عندنا من يغلو بغير الأنبياء فيثبت لهم العصمة حتى

(1) الشورى: 14.

(2)

التوبة: 31.

(3)

المائدة: 77.

(4)

المائدة: 13.

(5)

آل عمران: 87.

(6)

البينة: 4، 5.

(7)

المائدة: 64.

(8)

آل عمران: 181.

ص: 395

فيما خالفوا به النص كما فعلت طوائف من الشيعة، ووجد من يؤلمهُ البشر كما فعل النصيرية والدروز والإسماعيليون، ووجد من يدعي النبوة ويُتابع كغلام أحمد القادياني ومسيلمة الكذاب، ووجد التأويل الجاهل كما فعل المعتزلة، ووجد التشبيه كما فعل المشبهة، ووجدت المواقف الغالية كما فعل الخوارج، ووجد تعطيل العمل كما فعل المرجئة، ووجد الإباحيون الذين يستحلون المحرمات، ووجد المعطلون للشريعة كما يفعل العلمانيون.

وسر الأسرار في الزيغ والضلال اتباع المتشابه وترك المحكم.

والمتشابه في هذا المقام نسبي، فكثير من المتشابهات التي ضل بها أقوام إنما هي متشابهات بالنسبة لمحكمٍ معين، وهذه القضية من أخطر القضايا ولا بد أن تفهم:

فالقرآن الكريم في حيثية من حيثياته كله محكم. قال تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (1).

فالإحكام قدر مشترك في القرآن.

والقرآن من حيثية أخرى كله متشابه: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} (2).

فالقرآن يشبه بعضه بعضاً من حيث كونه حقاً ومعجزاً إلى غير ذلك، ولكن نصوص القرآن منها ما هو قطعي الدلالة، فهذا محمم بالنسبة لغيره ومنه ما يحتمل أكثر من معنى، ومن ههنا ذكر الأصوليون أن النصوص أقسام فمنها:

المؤول وهو ما يحتمل أكثر من وجه أحدهما صحيح، والباقي غير صحيح، ومن المؤول المتشابه.

ومنها: النص وهو اللفظ الذي ظهرت دلالته على المعنى الذي سيق له مع احتمال التخصيص إن كان عاماً، والتأويل إن كان خاصاً.

(1) هود: 1.

(2)

الزمر: 23.

ص: 396

ومنها: الظاهر وهو اللفظ الذي ظهرت دلالته على المعنى الذي لم يسق له واحتمل غيره احتمالاً مرجوحاً.

ومنها: المفسر وهو اللفظ الذي ظهرت دلالته على معناه الوضعي مع احتمال النسخ وحده.

ومنها: المحكم وهو اللفظ الذي ظهرت دلالته على معناه الوضعي بدون احتمال شيء.

ومن ههنا وجد ما يسمى متشابهاً عند العلماء.

ولكن هناك نصوصاً هي متشابهة في حق الجهلة وبسبب من ذلك ضل من ضل، فمثلاً يوجد من يأخذ من قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ

} (1) أن الأرض لا تملك لأنها لجميع بني البشر وبالتالي فلا ملكية في الأض لأحد، فهؤلاء تركوا المحكم في الشريعة الذي يجيز تملك الأرض وبنوا على متشابه، ولكن هذا المتشابه متشابه في حقهم وليس هو في الأصل متشابهٌ عند العلماء ومن ههنا تقول:

إن أكثر من ضل عن الحق من هذه الأمة إنما ضل بسبب متابعته المتشابه وحمل المحكم عليه، سواء كان متشابهاً في الأصل في اصطلاح الفقهاء أو متشابهاً بسبب من الجهل أو الهوي، والأصل أن يتابع المسلم المحكم ويحمل المتشابه عليه سواء كان متشابهاً في الأصل لا يدركه إلا الراسخون في العلم أو متشابهاً في توهم بعض الناس، ومن ههنا نفرق بن فرقة ضلت في فهم المتشابه في اصطلاح العلماء كالمعتزلة، وبين فرقة ضلت لمتابعة الجهل في قضية لبست عليهم كالخوارج والمرجئة وبعض فرق الباطنية.

وهناك ناس كفروا أصلاً، وحاولوا أن يكفروا المسلمين ولكن من خلال التلبيس عليهم ببعض النصوص المتشابهة فهؤلاء كفار يتعمدون الكفر والتكفير.

* * *

(1) الرحمن: 10.

ص: 397

(3)

والعاصم من الوقوع في الضلال: الاعتصام بالكتاب والسنة وما عليه سلفنا الصالح والعلم الصحيح وما عليه السواد الأعظم من علماء الأمة الإسلامية خلال العصور، ومتابعة الراسخين في العلم من هذا السواد الأعظم، ولم تخل الأمة في كل عصر من أهل رسوخ في العلم: كالأئمة الأربعة والنووي وابن حجر العسقلاني والسيوطي والعز بن عبد السلام وأمثال هؤلاء.

* * *

(4)

وهناك إجماع عند الراسخين في العلم على أن هناك فرقاً دخلت في دائرة الضلال وفرقاً دخلت في دائرة الكفر، ومن أمهات القضايا التي ضلت بسببها بعض الفرق:

1 -

إدعاء أن للقرآن باطناً يخالف الظاهر.

2 -

الموقف من نصوص السنة أصلاً ثم من إلزاميتها.

3 -

التشبيه.

4 -

التأويل الجاهل.

5 -

التكفير بالمعصية.

6 -

الموقف من الإمامة والخلافة.

7 -

التشكيك في الصحابة، أو سبب بعضهم أو تكفيره.

8 -

نفي القدر.

9 -

الجبر.

10 -

الغلو.

* * *

ص: 398

(5)

ونحب أن نقف وقفة عند الغلو:

فلم يزل الغلو باباً من أبواب الضلال والانحراف عن هدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى:{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} (1)، {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ

} (2).

وللغلو مظاهر منها: الغلو في الأشخاص: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} (3). ومنها الغلو في تطبيق الدين: وذلك بالتشديد فيه بتحريم الحلال واعتقاد فرضية ما ليس فرضاً. ومنها: التسرع في التكفير، ومنها الغلو في العمل حتى تحمل النفس فوق طاقتها كالترهب وقد عالج الكتاب والسنة الغلو كله.

432 -

* روى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "

وإياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو بالدين".

433 -

* روى الطبراني عن أبي أمامة رفعه: "صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي: إمام ظلوم غشوم وكل غالٍ مارق".

* * *

(1) المائدة: 77.

(2)

النساء: 171.

(3)

التوبة: 31.

432 -

مسند أحمد (1/ 215، 347).

والنسائي (5/ 268) 24 - كتاب المناسك، 217 - باب التقاط الحصى.

وابن ماجه (2/ 1008) 25 - كتاب المناسك، 63 - باب قدر حصى الرمي- وإسناده صحيح.

433 -

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 235). وهو حسن.

غال: من الغلو وهو مجاوزة الحد ببدعة أو كفر.

ص: 399

(6)

ومع وضوح النصوص التي تبين الهدى من الضلال، بحيث لا تغيب عن عالم منصف ماهية الهدى من الضلال، فقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ما يحدث في أمته من بعده، ومن جملة ذلك الاختلاف والتفرق والقتال، كما ذكر أن الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، واحدة منها ناجية والباقيات في النار، وقد أعطانا القرآن الميزان الذي نعرف به فرق الضلالة وذلك هو اتباعهم المتشابه وحمل المحكم عليه بدلاً من اتباع المحكم وحمل المتشابه عليه، وهذه هي ميزة الفرقة الناجية أنها تعمل بالمحكم وتؤمن بالمتشابه وتحمله على المحكم، وبهذا الميزان يعرف الإنسان أن أهل السنة والجماعة على حق.

* * *

(7)

وقد حدث قتال بين الصحابة بين علي بن جهة وبين معاوية من جهة أخرى، وبين علي من جهة وبين عائشة وطلحة والزبير من جهة أخرى، والجميع من أهل السنة والجماعة بشهادة النصوص، لكن عليا كان على حق وصواب، والآخرون كانوا على خطأ، ولضيق هذا المقام وللخوف على العامة أن يسبق إلى إلى قلوبهم ما تزيغ به فقد نهى العلماء عن الخوض في ذلك إذ إن في كلٍ من الفريقين مبشرين بالجنة وإنهم كانوا متأولين، وكلهم يعتقد أنه على الحق، وحدث قتال بين علي والخوارج، والنصوص واضحة أن علياًّ على الحق والصواب، والخوارج كانوا على خطأ وضلال بسبب ما اعتقدوه من تكفير علي وعثمان.

واعتقد ناس أن الحق في الخلافة لآل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ونشأ بسب من ذلك التشيع، لكن شيعة آل البيت افترقوا فمنهم غالٍ ومنهم مقتصدٌ، والنصوص المحكمة حكم على الجميع، وقد ورد عن علي بن أبي طالب قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن فيك مثلاً من عيسى أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به"، ألا وإنه يهلك في اثنان محب مفرط يقرظني بما ليس فيَّ ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني، ألا وإني لست بنبي، ولا يوحى إلي، ولكني أعمل بكتاب الله

ص: 400

وسنة نبيه ما استطعت فما أمرتكم من طاعة الله فحق عليكم فيما أحببتم وكرهتم (1).

وهكذا وجدت فرقتان رئيسيتان منذ الصدر الأول تفرعت عنهما فرق كثيرة، وبسبب من التباس الأمر على بعض الناس في الخلاف بين علي وخصومه فقد وجد الإرجاء، وكان بسيطًا ثم تفلسف وانحرف، وبسبب من الجنوح في التأويل وجد الاعتزال، وهكذا وجدت أربع فرق رئيسية ضالة منذ الصدر الأول: الشيعة والخوارج والمعتزلة والمرجئة. وتفرع عن كل فرق، ثم ظهرت فرق أخرى كالذين يعتمدون القرآن دون السنة

أو الذين يرون سقوط التكاليف كبعض الصوفية، ولم تزل الأيام تلد فرقًا جديدة فهذا القرن الماضي ولدت فيه القاديانية والبهائية، ولا يخفى على العالم البصير ولا على الذين يخالطون أهل الحق ويقرؤون القرآن أن يدكوا الضلال بسرعة ويعرفوا أهله، والملاحظ أن النصوص في شأن الخوارج كانت أكثر من النصوص التي ذكرت فرقًا أخرى وذلك لحكم:

أولاً: لأنهم أول الفرق ظهورًا والناس لا زالوا على ذكرٍ بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

ثانيًا: لأنهم يغرون العامة بسبب تشددهم وغلوهم.

ثالثًا: لأنهم يجتذبون أعدادًا كبيرة من الناس بسبب استعداد العامة للخروج على السلطان.

والخروج على السلطان أنواع، والبغاة هم الخارجون على الإمام الحق بغير الحق، أما سواهم فقد يكونون أهل حق وقد يكونون ظالمين بخروجهم.

* * *

(8)

وأخيرًا نقول: هناك فرق ضالة أو كافرة مشهورة معروفة عند العامة والخاصة من أهل السنة والجماعة، وهناك أئمة ضلال معروفون عند أل العلم خاصة، وبالتالي فقد لا يعرف

(1) أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 133) وقال: رواه عبد الله والبزار باختصار وأبو يعلى أتم منه، وفي إسناد عبد الله وأبي يعلى الحكم بن عبد الملك وهو ضعيف. وفي إسناد البزار محمد بن كثير القرشي الكوفي وهو ضعيف. ا. هـ قلت: ومع أن في الحديث ما رأيناه من ضعف فإن الحديث صحيح معناه وقد وقع.

ص: 401

غير المختص من المقصود بهؤلاء، وهناك فرق تذكر وهي تندرج في فرقة تعتبر أما لهم:

فالشيخ عبد القاهرة البغدادي أوصل الخوارج إلى عشرين فرقة وكلهم فرقة واحدة، وأوصل المعتزلة إلى عشرين فرقة وكلهم فرقة واحدة، ونتيجة لذلك فإن بعضم ذكر في كتب الفرق المؤلفة قديمًا أكثر من سبعين فرقة مع أنه قد وجدت بعد ذلك فرق أخرى ونحن نرى أن الفرق الاثنتين والسبعين الضالة التي ستوجد في هذه الأمة ليس شرطًا أن تكون قد وجدت كلها، فقد تأتي العصور اللاحقة بجديد، فالرسول صلى الله عليه وسلم تحدث عن ثلاثين مدعيًا للنبوة سيكونون في هذه الأمة وذكر دجالين كثرًا وقد يكون بعض هؤلاء لم يظهروا بعد، ولذلك فنحن سنعرف في هذا الفصل على بعض الفرق مما أجمع أهل السنة والجماعة على تضليل أهلها أو تكفيرهم.

وبعض هذه الفرق لا زالت موجودة وبعضها قد انقرض، والموجودون في عصرنا على أنواع فمنهم من تستطيع تكفيره دون تردد ما دام يؤمن بما هو المعروف عن فرقته، وبعضهم يمكن أن تتوقف في الحكم عليه حتى تعرف حدود أخذه عن فرقته.

وسنذكر في هذا الوصل الفقرات التالية:

الفقرة الأولى: في ضرورة التعرف على فرق الضلال وفي بعض الملاحظات حول ذلك.

الفقرة الثانية: في نصوص تتحدث عن أعلام في الضلال.

الفقرة الثالثة: في أشهر الفرق التي نشأت في بيئات إسلامية وهي ليست من أهل السنة والجماعة.

الفقرة الرابعة: في الخوارج خاصة.

الفقرة الخامسة: في ضرورة لزوم الجماعة وفي التعرف على الفرقة الناجية.

* * *

ص: 402